نادرةٌ هي الأفلام الأميركية التي تعرّضت لأثر الحرب الأميركية على فيتنام وعلى الفيتناميين، فأغلب ما قدّمته هوليوود كان يشيد بالبطولة الأميركية، أو يركّز على المخاطر التي تعرّضت لها الولايات المتّحدة بسبب هذه الحرب، والآثار النفسية السيّئة التي لحقت بجنودها ومقاتليها.. بيد أن التبرير للحرب على فيتنام سينمائياً لم يظهر في وقت مبكّر، أو لم يظهر عقب الحرب مباشرة، فغالبية الأفلام التي برّرت لهذه الحرب ظهرت أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي. يُمكن القول أيضاً إن الأفلام التي كشفت بشاعة الحرب، واستعرضت فداحتها وجرمها كانت أكثر جمالاً وفنّاً من غيرها من الأفلام التي تعرّضت لهذه الحرب، وبينها بالتأكيد “سفر الرؤية الآن” لفرنسيس كوبولا؛ إلا أن المسألة لا يُمكن النظر إليها من هذه الزاوية فقط، فالسينما فن خطير للغاية، وهي ليست نخبوية كالأدب مثلاً، حيث لا يُمكن للرواية أن تؤدّي دوراً تحريضياً كما يفعل فيلم سينمائي. يحاول جون واين، من خلال فيلمه “القبّعات الخضراء” الذي قام ببطولته أيضاً، تبرير جريمة اقتحام قرية فيتنامية، ومن ثمّ ارتكاب جرائم خطيرة فيها؛ لم تتوقّف عند قتل أكثر من 500 من ساكني القرية بينهم أطفال ونساء؛ بل حتى اغتصاب النساء، بحجّة أن القرية تأوي مقاتلين فيتناميين، حتى إنه عندما حدثت فضيحة مدوية كشفت عن تمويل وزارة الدفاع الأميركية للفيلم؛ لم يغيّر ذلك كثيراً، فمن كانوا معنيين بالفضيحة لم يعانوا كثيراً، كان الفيلم قد تمّت مشاهدته خارج الولاياتالمتحدة وداخلها، كان أيضاً قد حقّق هدفاً لم يتم الإفصاح عنه، حيث يُمكن مستقبلاً تجنيد الآلاف من الأميركيين للقتال في مناطق أخرى من العالم بمبرّر أن الحياة الأميركية والروح الأميركية والحضارة الأميركية في خطر، وهذا ما حدث تقريباً في الحشد الذي تمّ من أجل الحرب على العراق واحتلالها. قبل أيام كان فيلم “القنّاص الأميركي” مرشّحاً بقوة للأوسكار، الفيلم الذي لا يقول شيئاً جديداً حظي بترشيحات قويّة وهو ينقل “بطولة” جندي أميركي محترف استطاع قتل أكثر من 160 عراقياً على الواقع، وأكثر من 250 على الشاشة دفاعاً عن أميركا، حتى إنه لا يجد مشكلة في قتل امرأة لأنه ظنّ أنها تحمل قنبلة يدوية وتنوي إلقاءها على عدد من زملائه، ومن ثمَّ قتل طفلها الذي انحنى عليها إثر سقوطها؛ لأنه ربما يحاول إكمال مهمتها، لا يهم هنا إن كانت ظنون القناص صحيحة أم لا، المهم أنه أنقذ روحاً أميركية من الموت، حتى وإن كان هذا وهماً، فالروح الأميركية هي الأهم..!!. إن الفكر الذي يقف خلف هذه الثقافة لا يعادي الآخر غير الأميركي، هو لا يعمل على نقض هويّة أي كائن غير أميركي؛ بل إنه يسعى إلى نقض هويّة الإنسان ذاته، فالنتيجة التي يخلقها هذا الفعل لن تكون لصالح الأميركيين قط، النتيجة ستكون عداء مستحكماً بين الأميركي والآخر، يصبح الأميركي هنا هدفاً للآخر، هذا يؤدّي بالضرورة إلى أن يتصاعد العداء أكثر فأكثر، فهل تكون السينما بريئة من هذا التحريض المتبادل..؟!. تشير الأرقام إلى أن فيلماً مثل “القنّاص الأميركي” يحقّق عائدات ربحية ضخمة، هذا يعني أنه حقّق نسبة مشاهدة عالية، وأن رسالته وصلت إلى أذهان الكثيرين من الأميركيين الذين سيتداولون بينهم قصصاً عن بطولة القنّاص الذي كان يحمي زملاءه الجنود بقتل كائنات خطيرة قنصاً، وفي أذهان هؤلاء لن يكون مهماً من تكون هذه الكائنات، بقدر ما هي كائنات خطيرة وتمثل تهديداً للحياة الأميركية. على الجهة المقابلة، لا يُتوقع أن تكون النتيجة مشابهة لدى المتلقّي غير الأميركي، فالمواطن العراقي أو العربي أو من أية جنسية أخرى ليس ساذجاً ليصدق ذلك الوهم بل على العكس من ذلك، سيسخر في قرارته من هذه الرسالة التي يريدها الفيلم، لكن ذلك الفكر الذي يصيغ هذه الرسالة يدرك هذا أيضاً، يعرف أن الآخر لن يتقبّل هذه الرسالة، وسيَنْتُج لديه فكر يقابل هذه الإساءة بعداء حقيقي لكل ما هو أميركي، لأن الأمور لديه سيتم ترتيبها وفقاً لما يشاهده على الواقع والشاشة، فهذا قاتل أميركي، وهذا نجم أميركي يمجّد فعل القتل، وذلك أميركي ثالث يصفّق، وأميركي رابع يستعد لمواصلة مهمّة الأول، ورابع يؤيّد، وخامس يصمت، وسادس يعتاش على كل هذا، وكلما زادت الكراهية واتضحت لدى طرف؛ زادت بالمقابل واتضحت لدى الطرف المقابل، كل هذا يجعل العالم مسكوناً بالكراهية، كراهية يتم تداولها وتناقلها عبر الشاشات والأقمار الصناعية وإنتاجها كسلعة وتسويقها كمنتج يومي، وهي السلعة التي تحقّق عائدات ضخمة لتجّار الحروب وصانعي الأسلحة وناهبي ثروات الشعوب عبر العالم. وفي “القنّاص الأميركي” لا توجد شخصية عراقية واحدة سويّة، جميع الشخصيات العراقية دنيئة ومنحطّة، ولهذا لا ضير من قتل شابين على درجة نارية برصاصة واحدة، ولا مشكلة في قنص رجل عراقي على مسافة تزيد على الميلين، إنها دلالة على ضرورة قتل أميركا لأعدائها البعيدين بأسلحة متطوّرة وبكل الهدوء والطمأنينة. قبيل عودة فريق تفكيك الألغام في فيلم “خزانة الألم” لكاثرين بيجلو إلى بلادهم؛ يأتي رجل عراقي مفخّخ بقنابل حوّلت جسده إلى لغم كبير، ويطلب من رئيس الفريق مساعدته للتخلّص منها، يفشل الرقيب الخبير في المتفجّرات في نزع المتفجّرات عنه فيتركه هارباً وهو يعتذر إليه بهتاف مفزوع قبل أن ينفجر جسد العراقي إلى ألف شظية وهو يحاول ترديد الشهادتين. كانت تلك إشارة إلى الفشل الذي مُنيت به الولاياتالمتحدة في تخليص العراق من ألغام الطائفية والصراعات فيه، وعجز العراقيين عن التخلُّص من تلك الألغام واضطرار البطل المنقذ «الولاياتالمتحدة» إلى تركها تتشظّى وسط عجزها وإيمانها بالغيبيات واستسلامها التام، وهنا لا يمكن التفكير سوى بأن العراقيين يتحمّلون مسؤولية ما يحدث لهم، دون المرور على ما فعله الاحتلال الأميركي بالعراق. كان الرقيب ويليامز، رئيس الفريق قد اكتشف بداية الفيلم وهو يبحث عن عبوة ناسفة أن السلك الذي أمسك به لا يؤدّي إلى عبوة واحدة يبحث عنها؛ بل إلى عدد كبير من العبوات، سحب مجموعة من الأسلاك التي وصلت إليها يده، فخرجت من بين الرمال والحصى مجموعة عبوات مترابطة، كانت تلك إشارة إلى تعقُّد الوضع في العراق، وكمّية الأزمات المشتبكة ببعضها فيه.