الموهبة هبة من الله سبحانه وتعالى يمنحها من يشاء؛ ولكنها تحتاج إلى من يرعاها ويحافظ عليها حتى تجني للإنسان والمجتمع الذي يعيش فيه الخير، وهو الدور الأساس المنوط بالأسرة عند اكتشاف الموهبة لدى أحد أبنائها، وتتنوّع الهوايات بين كتابة شعر أو قصة أو عمل فنّي أو أدبي أو علمي، والهوايات إما فردية خاصة مثل الكتابة والرسم أو جماعية مثل الصناعات الصغيرة والألعاب الجماعية والهوايات المسرحية والفنية المختلفة، وتؤدّي ممارسة الهوايات إلى إظهار المواهب، فهي تسهم في إنماء ملكات الطفل كما تهيّئه لإشباع ميوله ورغباته وإظهار طاقاته الإبداعية والفكرية والفنية.. مفهوم الهواية علينا أن نحاول أن نتفق على معنى للكلمة، ثم نتجه لتعريف المصطلح «الهواية» وهي كلمة جذرها هوى، والهوى هو الحب والميل القلبي؛ وهذا بإيجاز واختصار، فمن هذا التعريف نتجه إلى الاصطلاح وهو ميل الإنسان لكي يمارس سلوكاً معيّناً سواء مادي أم معنوي يكون له معه ارتباط قوي قد يؤدّي به إلى الإنفاق عليه حد الإسراف الجنون، بعد التعريف السابق يتضح لنا أن الهواية أمر متعلّق بين رغبة الإنسان الغريزية تجاه أشياء في محيطه الداخلي أو الخارجي يسعى إلى بناء معها علاقات يرى من خلالها أن شيئاً من طموحه وأحلامه تتحقّق وأن بمداومته عليها يكون جزءاً مؤثراً في هذا العالم أو مغيراً أو مساهماً أو متفاعلاً في حدوده التي يرسمها بيده أحياناً. غريزة أم ملء الوقت..؟! أهمية الهواية تكمن في قدرتها على أن تكون بمثابة مسكّن للهموم أو ونس رائع رغم الضغوط اليومية؛ لأن ما تستوجبه من تركيز وما تفرزه من مؤثّرات إيجابية يعطي إحساساً بالراحة رغم التعب والعناء، فمن يقوم بتلميع سيارة كلاسيكية بإتقان وعناية فائقة ساعات؛ لا يحسُّ بالتعب لأنه قام بما يحب، فيتبدّل عنده إحساس التعب بالراحة وشعور التنفيس عن الضغوط. فالهواية تبعث على الاسترخاء وتجديد النشاط وكسر حدّة الروتين الحياتي اليومي المألوف، وحتى لا يُقال إن الحياة ضاعت هباءً من دون ممارسة حق الاستمتاع بها، فلماذا نخجل من إظهار هواياتنا ونخجل من تفجير إبداعاتنا، وبتنا لا نهتم بالفنون ونستحي من بيان إعجابنا بما هو جميل في حياتنا، نمنع مشاعرنا من أن تمتع روحنا ونخنق الإبداع لدينا..؟!. أنواع الهوايات يقول الشاعر الألماني «نيتشه»: «إن الإنسان في وحدته أقرب ما يكون إلى الجنون» فلو استطاع كل إنسان أن يمارس في حياته الخاصة بعض هذا الجنون العاقل الذي يغسل فيه أحزانه ويجدّد حيويته، ويغرس البهجة في روحه المتجهّمة، فهو وبحق يمارس جنوناً مفيداً يعينه على تحمُّل همومه، ويساعده على أن يخفّف من جفاف حياته بغير أن يقترف إثماً أو يرتكب معصية. ولقد كانت لمعظم المشاهير لمحات من هذا الجنون المفيد في حياتهم الخاصة والذي اصطلحنا على تسميته بالهوايات. العالم أينشتاين كان يعزف على آلة الكمان الموسيقية عزفاً رديئاً يستمتع به للغاية على رغم نشازه، وإن كان عزفه على البيانو أفضل منه قليلاً، وكان رئيس الوزراء البريطاني العتيد «ونستون تشرشل» يرتدي في عطلة نهاية الأسبوع لباس العمال الأزرق ويطلق عليه بالعامية اسم «العفريتة» ويبني بيديه سوراً من الطوب حول بيته الكبير في الريف الإنكليزي، ثم يزيّنه بالرسم عليه بالألوان المائية، أما الجنرال الديكتاتور الإسباني «فرانكو» فكان يتشاغل عن همومه ومسؤولياته بالرسم من دون أن يمتلك موهبة فنّية حقيقية تعينه على الرسم الإبداعي، كما كان الفيلسوف الألماني شوبنهاور يقضي كل يوم مدّة نصف ساعة في العزف على آلة الفلوت الموسيقية، وبضع دقائق يومياً في التشاحن مع صاحبة المسكن الذي يقيم فيه، ولا يعتبر يومه قد اكتمل إلا إذا مرّ بهذا الروتين..!!. كل واحد منّا يحتاج إلى هواية يستعين بها على وحدته، ويتشاغل بها عن مسؤولياته وأحزانه وإحباطاته، ويفرغ فيها شحنة التوتر والقلق التي تتراكم في أعماقه خلال معارك الحياة، ولابد من وقت للفراغ نحفظه فيحفظنا، حيث نغربل فيه خير ما ندّخره من تجارب ومعارف، وليس معناه أنه الوقت الذي نرمي به مع الهباء، ولكن الذي نستقطعه فنملك فيه أنفسنا، بل كم من حلول باغتتنا ونحن نمارس أوقات فراغنا. وفي ذلك يقول أديبنا العقاد: «حبذا قضاء الفراغ كلّه في ما هو خير، ولكننا لو خيّرنا بين الفراغ بخيره وشرّه وبين ضياع الفراغ كلّه لاخترنا أهون الشرّين» وأول ما نحتاج إليه في تكوين هواية ما أن نقتنع بفائدتها وضرورتها بعد حكم نصل إليه عن دراية ويقظة، ثم نجدّد العزم على تكرار ممارستها حتى يؤدّي التكرار إلى ثباتها وهو ما يحتاج إلى المثابرة، ولكن الأهم من هذا وذاك هو أن نختار هواية تكون في مستطاعنا معنوياً ومادياً حتى لا تتجاوز طاقتنا، ثم يؤدّي عجزنا عنها إلى تركها، وخير الوسائل إلى الانتفاع بفراغنا أن تتعدّد اهتماماتنا وأعمالنا ودراساتنا، فلا يكون طريقنا في الحياة منفرداً لا نعرف فيه غير وسيلة واحدة للكسب أو الترويح. وقالوا: «العادة الحسنة تقينا من العادة السيّئة، لأنها تستغرق الوقت والجهد اللذين تحتاج إليهما العادة السيّئة».