عند مستوى ما، يمكن فهم الديمقراطية كنظام في الحكم هو في جوهره نظام من المؤسسات والعمليات والآليات في التوازن والرقابة بحيث يكفل تغيير الحكومات بصفة دورية. الديمقراطية هي حكم الشعب، وهي تكشف عن نفسها كحكم للأغلبية وعند مستوى آخر، تكون الديمقراطية بالطبع أكثر من مجرد إجراءات إذ يمكنها أن تعمل جيدا كنظام يضمن الحريات فقط – داخل الإطار المرجعي العام لحكم الأغلبية – إذا تم احترام حقوق الأفراد وحقوق الأقليات . تحدث الصحفي الأمريكي والباحث السياسي فريد زكريا عن الحاجة إلى “ ليبرالية دستورية “ أي نظام من المؤسسات المستقلة عن السلطة السياسية والتي يكفل حكم القانون وجودها واستقلالها، وقد أكد المفكرون من توكفيل وكارل بوبرن وحتى تشارلز تايلور على خصائص أخرى هامة لتفعيل الديمقراطية مثل الانفتاح والعمل المدني الفاعل والتسامح واحترام قيم معينة، وتحدث أولئك المفكرين عن الحاجة لوجود مجتمع مدني فالنظام الديمقراطي ليس أكثر من هيكل فارغ من المؤسسات المفتوحة للاستغلال السياسي إذا لم تكن معززة بمثل تلك الخصائص- التي هي أحيانا غير ملموسة . لقد وصف الفيلسوف الديني التشيكي توماس هاليك المشكلة جيدا حين قال: إن الديمقراطية بلا مجتمع مدني مثل الجسد بلا دماء” ويشير زكريا إلى أن الأنظمة التي لم تتجذر فيها الليبرالية الدستورية ( يطلق على مثل هذه الأنظمة اسم الديمقراطيات اللاليبرالية) يمكنها غالبا أن تكون فاسدة كالديكتاتوريات فالنخب الاستبدادية يمكنها أن توظف الإجراءات الديمقراطية لترسيخ حكمها،وفي نفس الوقت يحذر زكريا من الخلط بين حكم الأغلبية الديمقراطية والليبرالية الدستورية التي تحمي حقوق الأقلية والأفراد فتلك ليست مهمة سهلة، طالما أن الاثنين خصمان بشكل طبيعي . ولتعقيد المساءلة نذكر أن توكفيل ومفكرين آخرين قد حذروا من انه في الوقت الذي تكون فيه حماية حقوق الأفراد مرغوبة، يمكن للفردية أن تكون خطيرة على الديمقراطية وقد كتب توكفيل قائلا إن الفرد هو أسوأ ل«المواطن» ومن وجهة النظر هذه يكافح المواطنون من اجل رفاه المجتمع بينما يبقى الأفراد متشككين عندما يصبح الأمر متعلقاً بمفاهيم المجتمع العادل أو الرفاه المجتمعي . إن نمو الفردية التي تعطي أفضلية للأفراد ذوي التمركز الذاتي على حساب المواطنين الفاعلين يهدد الديمقراطية ويرى تشارلز تايلور في كتابه “أخلاقيات الأصالة أن الفردية خطيرة على الديمقراطية فمن وجهة نظره أن الفردية المتزايدة، بالترافق مع ما وصفه ماكس فيبر بأنه “وظيفية العقل” منذ 150 عاماً مضت حذر توكفيل من “الاستبداد الناعم” ففي المجتمعات التي يكون فيها الأفراد “ قريبين من عزلة قلوبهم “ سيصبح أناس قليلين جدا فيها ممن يرغبون في أن يكونوا منخرطين فاعلين في الشئون العامة . إن “الاستبداد الناعم” لا يقود بالضرورة إلى الطغيان فالحكومة يمكنها أن تحافظ على شكلها الديمقراطي وتعقد انتخابات دورية ورغم ذلك كل شيء في الواقع سوف يتم توجيهه بواسطة سلطة قوية وذات وصاية وهي السلطة التي لا يملك الناس سيطرة عليها أو يملكون قدرا ضئيلاً من السيطرة. طبقا لتوكفيل، فالدفاع الوحيد ضد هذا الخطر هو الثقافة السياسية والتي يتم فيها احترام المشاركة المدنية على مستويات عديدة.غالبا ما كان الرئيس التشيكي السابق فاسلاف هافيل يحذر من انه بلا مواطنة فاعلة فإن الديمقراطية سوف تنحدر إلى نظام يفتقد الحرية كما حذر أيضا من أن الأحزاب السياسية التي لا تستلهم من المجتمع المدني سوف تذوب أو تصبح معاقل مغلقة لتحمي مصالحها الخاصة فقط، ورغم ذلك يشير هافيل إلى أن مهمة النهوض بالمجتمع المدني تصبح معقدة في الديمقراطيات المابعد شيوعية على ضوء حقيقة أن النظام الشيوعي قد دمر تماما مفهوم المواطنة طالما أن النظام مكون من أفراد غير مبالين فالفضاء الجماهيري قد احتلته تماما الدولة الشمولية وكانت الجهود في احتلال الفضاء الجماهيري بمساعدة المصالح الخاصة هي أول رد فعل منطقي على العصر الشمولي ورغم ذلك، فإن تلك المصالح الخاصة يعبر عنها مبدئيا بواسطة الأفراد وليس بواسطة المواطنين . إن نمو المواطنة الفاعلة يتطلب وقتاً أطول وإحدى نتائج هذه العملية هي أن الفضاء الجماهيري قد ترك بابه مفتوحا للأحزاب السياسية وجماعات المصالح المختلفة، والتي بقيت سلطتها غير مجربة بواسطة الجماهير الواثقة من نفسها (الجماهير التي تتكون من مواطنين فاعلين) بالإضافة إلى ذلك كانت محاولات إعادة الفضاء الجماهيري إلى المواطنين قد حدثت في الغرب في الوقت كانت تتم فيه عملية عكسية. لقد حذر مفكرون أمثال زيجمونت باومان وجيل ليبوفتسكي وروبرت بوتنام من أن تتم خصخصة الفضاء الجماهيري بفعل مصالح الجماعات والأفراد والذين هم غير مترسخين نهائيا داخل الاشتغال المدني الفاعل، وفي الحقيقة،فالمواطنين الفاعلين هم غالبا أعداؤهم وذلك يجعل من الضروري على الأفراد والجماعات استغلال المواطنين . مزيداً من التفاصيل... الصفحات اكروبات