أصبح تعليمنا خلال هذه الأيام بالذات ليس حسب ميولنا ورغباتنا، ولكن حسب ميول ورغبات المجتمع، وكذا حسب طلبات التوظيف المتوفرة وبالأخص التعليم الجامعي، ولمتخرجي الثانوية من القسم العلمي بالذات فالميّال للتاريخ يلتحق بالرياضيات لأن التخصصات العلمية مقبولة عند التقدم للتوظيف..والميال للكيمياء يلتحق بكلية الهندسة إرضاءً للمجتمع، وإشباعاً للغرور والنرجسية، وهناك من يلتحق بكلية أو تخصص ما إرضاءً لوالديه المتفاخرين به، وهلمّ جراً، لكن مع الأسف الإبحار عكس تيار الرغبات يؤدي إلى الفشل وأحياناً الجنون والانتحار.. وهيا بنا إلى جريمة هذا الأسبوع: في القرية ذات الخمسمائة منزل درجت في أذهان الآباء الجدوى في التخصصات العلمية وإن كان أغلب الآباء أميين وأنصاف أميين وآثروا إلحاق أبنائهم بالقسم العلمي رغم أن هذا القسم لايتوفر في المدرسة ذات التخصص الأدبي والقريبة من القرية ولكنه يتوفر في المدينة على مبعدة ثلاث ساعات وكان طارق قد أكمل الصف الأول الثانوي فألحقه أبوه الفلاح الميسور الحال بالقسم العلمي، دون أدنى معرفة عن ميول طارق الذي كان يعشق الأدب والشعر أكثر من أي شيء آخر وكانت المعادلات الرياضية والفيزيائية والهندسية والعلمية بشكل عام تسبب له القرف والصداع،فيظل حائراً أمام فك ألغازها وشفراتها المعقدة،لكنه مع شلة قريته بدأ ينسجم،وتحولت المسافة الطويلة من المنزل إلى المدرسة التي كان يقطع أكثر من نصفها على الأقدام إلى تحدٍ،والتحدي تحوّل إلى مثابرة واجتهاد وحمّى منافسة، وتخطى الثانوية بمعدل بلغ خمساً وثمانين بالمائة.. كانت نسبة عالية لم يتوقعها ولم يتوقعها والده ومجتمعه وزملاؤه الذين شعروا بالمفاجأة الصاعقة، وحاولوا أن يبرروا أن اجتهاده هو الذي أوصله إلى هذا التفوق، لكنهم أدركوا في قرارة أنفسهم أن الحظ قد وقف كثيراً إلى جانبه، وأحس طارق بالزهو خصوصاً وأن اجتهاده المضني لم يذهب سدى، وألحت في خيالاته فكرة البحث عن منحة دراسية تشبع غروره أولاً وتسعد أسرته ثانياً، وتصفع زملاءه الأغبياء ومجتمعه ثالثاً، وعرض هذه الفكرة على والده الذي تقبلها بفرح، وأقسم أن يبذل ما بوسعه لتحقيقها. اضغط هنا لمزيد من التفاصيل اضغط هنا لاستعراض الصفحات اكروبات