محمد أحمد الدبعي رجل، أفنى عمره في رعاية أبنائه الخمسة(بنتين وثلاثة أولاد)كلهم معاقون، حين كبروا كانت همومه تنصب جميعها نحو هدف واحد وهو إلحاقهم بالتعليم؛ ليجنبهم ذل السؤال..آملاً لهم حياة كريمة، حيث جعل من ظهره جسر عبور لهم ذهاباً وإياباً من المنزل إلى المدرسة، ومن ثم إلى الجامعة؛ كونهم لا يقوون على السير أو الصعود على المركبات فكان لهم ظهر أبيهم سفينة النجاة. لقد توالت ومنذ سنوات متابعاتي لشؤون المعاقين، في أغلب محافظات الجمهورية وما كانت هناك بوادر تجعلني أستحس للحظة أن المعاقين ينالون رعاية واهتماما بذلك القدر الذي يمكنهم من النهوض بحياتهم سواء كان من الأسرة، أو من المؤسسات المعنية برعايتهم...إلا ما ندر، وفي حدود أسر لها معاق واحد في نطاق المجموع العائلي، لكن الصورة التالية التي تم التقاطها من مدينة الراهدة محافظة تعز، حملت لنا الكثير من الدلالات، التي تجعلنا نعيد قراءة واقعنا الإنساني والأبوي..وماهو السر في فوارقهم بين أسرة وأخرى..حديث مفتوح للمواطن محمد أحمد قاسم الدبعي..الأب الأكثر تميزاً ونموذجية بين كل من جمعتني بهم تلك السنون العابرة من رحلتي الصحفية المتخصصة بالمعاقين. التسلح بالعلم والمعرفة يقول محمد أحمد الدبعي: هناك أناس، يجافون تلك الثوابت الدينية، أو ربما لا يدركون إلا سطحها؛ لهذا هم يتعاملون مع إرادة الله وحكمته في خلقه بروح متمردة...فإذا جاءت لهم بنت قالوا ليس هذا مطلبنا”سبحان الله” وإذا أراد الله أن يكون المولود معاقا..ذهب في تفسيراته إلى ما لا حدود. وهذا يتنافى مع ما دعانا الله إليه بالقبول في حكمه وحكمته وهو يختبر الإنسان على صبره واحتماله بقناعة الإيمان الصادق..والله لا يضيع معه أجر عبد على صبره..كما وأنه تعالى لا ينسى أحداً في الحياة..أنا رزقت بخمسة أبناء ثلاثة أولاد وبنتين..وجميعهم معاقون وراثياً. ليطمئن قلبي! يقول الدبعي: كانت همومي حقيقة تنصب حول أمر وهو ما لا للإنسان فيه من حكم أو قرار وهو”القدر بالموت وما يمكن لي القيام به مع أبنائي؛ لتجنيبهم الحاجة أو العيش المرير إذا ما قدر الله..واستودعني في عالم الغيب وفي واقع معيشي واجتماعي، تغيرت لديهم قيم التكافل، التي كانت سائدة في أزمنة غابرة ولهذا لم يكن هناك من جسر يمكن لي أن أستأمن أبنائي من عدم الانجراف بتيار المعاناة “إذا ما قدر الله” وهو العلم..ومضيت بهم وكأني في سباق ماراثوني مع الزمن...أستعجل سنوات تخرجهم ليستريح قلبي وضميري وحسبي أني في جهاد لما لا!؟ وقد قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في حديث أختصر منه قوله"إن كان خرج يسعى على أولاد صغار فهو في سبيل الله..وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان" لذلك كانت النتيجة ولله الحمد..ابنتي “آسيا” تخرجت من الجامعة تخصص علوم قرآن وهي تعاني من شدة إعاقتها..وبقيت محمولة من صفوفها الابتدائية الأولى إلى حين تخرجها في ذهابها وعودتها إلى المنزل..وقد وفقها الله وأفرحني في أول الثمار..كذلك أبنائي ، عمر ، عبدالكافي ، وعبدالرحمن، ورحمة..جميعهم يدرسون في الجامعة وسينالون إن شاء الله شهادات تخرجهم تباعاً. ضعف الحالة المادية حال دون علاجهم ويضيف الدبعي: محاولات علاجهم ممكنة في بعض جوانبها كما أشار الأطباء ولكن كما تعلمون أصبح كل شيء تحكمه المادة، وأنا لست قادراً على ذلك وكل مجهودي كما قلت انصب في دخوله، بحدود لقمة العيش والتعليم وعندما توفرت لدي جزئيات من مال أسرعت وحملت ابني عمر إلى مستشفى بتعز..بهدف إجراء عملية في يده..ماذا تتوقعون نتائجها..أولاً- العملية فشلت وثانياً- ذهب مال الأمل في تلك العملية الفاشلة..ابني عبدالكافي..هو الآخر كانت له فرصتان حيث أجريت له العملية الأولى في تعز والعملية الثانية في صنعاء ومشكلة ابني عبدالكافي تكمن في كون الإعاقة ومعاناته منها أنها ناتجة عن تضيق في الحوض وعدم قدرته على التبرز بسبب الأمعاء فالألمان الذين أجروا له العملية بصنعاء تعاونوا معنا..واحتملت أنا قيمة المصاريف بسفره للخارج نظراً لتوفر إمكانيات علاجه هناك فالمشكلة ليست في التقرير وإنما في “الجيب” فإمكاناتي لا تسمح. بانتظار الوظيفة في الختام يقول محمد الدبعي: لا أظن أنه من العيب أن أدعو عبر صحيفة الجمهورية الموقرة، قيادة صندوق رعاية وتأهيل المعاقين..وهي المؤسسة الراعية لحقوق المعاق أن أدعوها، للقيام بدور إنساني مستحق، تجاه أبنائي من خلال تقديم العون لهم والرعاية التعليمية والطبية وعرضهم على أطباء متخصصين كما أدعو الاتحاد الوطني للمعاقين للاضطلاع بواجبه من خلال مطالبة ومتابعة الخدمة المدنية؛ لمنح أبنائي حقهم من الدرجات الوظيفية، وبخاصة أن زوال مبرر عدم التوظيف إلا بشهادة البكالوريوس، قد أصبحت أول شهاداتها مع ابنتي المعاقة آسيا منذ أربع سنوات. والآخرون سينالونها إن شاء الله من هذا العام تباعاً. هي أول عناقيد الأمل لوالدها محمد الدبعي..تخرجت من الجامعة بعد حصولها على شهادة البكالوريوس بتخصص علوم القرآن الفتاة التي عاشت رحلتها الطويلة الممتدة من أول يوم دراسي في الابتدائية حتى آخر يوم بالجامعة، وما لهذه الرحلة من حكايات ممزوجة بين ألم ودمع وأمل وإعجاب، يفضي في مجمله روح الإصرار والتحدي على تحقيق الحلم..بالحياة المستقرة والآمنة. لهذه الفتاة، تقدير خاص يلزمنا أن نتعلم من حكايتها درساً في معاني الجهاد..وقيمة إلى حكاية آسيا ..مع العلم والحياة. الأيادي الرحيمة منحتني الأمل تقول آسيا: إعاقتي صاحبتني منذ ولادتي، لم يكن بمقدوري الوقوف منذ الصغر كان أبي وأمي لاينشدان إلى إعاقتي؛ كونها قدراً ربياني لكنهما كانا يسعدان بتحفزي للتعليم بالرغم من إدراكهما لتلك الإعاقة التي تمنعني من الوقوف والمشي، لكني بحمد لله جعل الله لي أبوين وزميلات ما أظن أن في الدنيا مثيلا لهم لقد وجدت نفسي أحمل على كتف أبي في أول يوم لطريق الأمل.. وبالتناوب مع أمي كان هناك من يذهب بي إلى المدرسة ومن يعيدونني إلى المنزل ليأتي من يشاركهم هذه الرحلة اليومية طوال سنين من عمري ومن زميلاتي في الدراسة اللواتي يحملنني أيضاً فوق ظهورهن، جميعهن أدين لهن بما حققت ونلت شهادة علمية، فيما يبقى أبي وأمي أجمل مثلين أقتدي بهما وأجلهما بما عملا معي بعد الله عز وجل. الإحساس بالمعاناة وتقول آسيا: إن إحساسي ومعرفتي السابقة واللاحقة بظروف المعاقين بهذه المنطقة يجعلني أتألم عليهم؛ بدافع الإحساس بالمعاناة، التي يعيشها المعاق.. فإن كنت قد وفقني الله بوالدين أحبا الله بإيمان صادق فأرشدهما طريق صلاحنا وعوننا كخمسة معاقين في أسرة واحدة.. فهناك عشرات إن لم أقل مئات بمناطق الراهدة، ودمنة خدير والقرى المحيطة بهم، بعضهم يعيشون تحت قيود التخلف الأسري، وفي حدود غرف مغلقة. فيما الآخرون ممن يعيشون تحت ضوء الشمس لم ينالوا من حقوق الحياة من شيء لقد دفعني هذا الإحساس بهم للتفكير بافتتاح جمعية لذوي الاحتياجات الخاصة بالمنطقة وشجعني لذلك التفاعل الإيجابي والكبير من المعاقين المستهدفين بذلك ليأتي الموقف الإنساني والواقع لنجاح فكرتي من الأخوين القديرين وكيل محافظة تعز ومدير المديرية اللذين كان لهما مواقف تستحق الشكر والثناء تجاه المعاقين وإذا كنا لانزال عند سلم التأسيس لهذه الجمعية إلا أن هناك بوادر عملية قد بدأ تنفيذها بتعاون الكثير من الزملاء المعاقين وغير المعاقين وتمثل بقيامهم بعملية مسح ميداني لعدد من مناطق وقرى الراهدة والدمنة وأظهرت النتائج وجود كثافة للمعاقين ومن جميع فئاتهم تصل أرقامهم إلى المئات. وأشار المسح إلى أن هذه الشريحة تفتقد لأبسط مقومات الحقوق في الجوانب التعليمية والصحية وغياب دور الجهات المعنية بالمعاقين في تلك المناطق.. وإذا ما وضحنا أكثر من نتائج المسح الأولى فسنجد أن أغلب الإعاقات تتركز بين معاقين، وراثياً، وحوادث مرورية وهي نسبة عالية، حيث تشهد هذه المنطقة حوادث متكررة ومأساوية إضافة إلى ذلك هناك أسر يوجد فيها خمسة إلى ستة أفراد معاقين إنه وضع مأساوي وواقع معيشي مرير لتلك الأسر. وتختتم آسيا حديثها بالقول: لقد تخرجت من الجامعة قبل أربع سنوات وكنت قد تقدمت بملف طلب الوظيفة إلى الخدمة المدنية بشهادة الثانوية.. حتى اليوم لايزال الأمل يرافقني بأن تلتفت الخدمة المدنية إلى ملفي لتمنحني حقي الوطني والدستوري, وكذا الثابت بوضوحه الذي حدده فخامة رئيس الجمهورية بالقرار الجمهوري الذي أعطى المعاقين 5 % من الدرجات الوظيفية في كل محافظة وإذا كانت الخدمة قد تعذرت في الماضي من أن الدرجات لا تستحق إلا لحاملي الشهادات الجامعية وليست الثانوية، فملفي لديهم ويتضمن الشهادة الجامعية المطلوبة. آمل أن أنال هذا الحق في دعوتي وأتوجه بها للإخوة في قيادة صندوق المعاقين الرئيسي بصنعاء وكذا فرع تعز وأقول لهم إخوانكم هنا ينتظرون مواقفكم الجادة في تغيير ملامح حياتهم البائسة بعد نسيان طال أمده.