على مدى سنوات طويلة، ومراحل تاريخية متعاقبة كان الناس يتحرقون شوقاً للموسم الشتوي الذي يحين معه محصول البرتقال الأصفر الضارب إلى الحمرة الذي تجود به وديان حمام علي، ومدرجات مديرية المنار بمحافظة ذمار التي كانت تغمر أسواق الفاكهة في عدد من المحافظات المحيطة. غير أن السنوات الأخيرة ولأمور ربحية بحتة تحول الوجه الأصفر البشوش لهذه المناطق الزراعية إلى مزارع باهتة تنتصب عليها أغصان القات الخضراء التي جنت على التربة الطينية الخصبة بالتوازي مع انخفاض كبير في منسوب المياه الجوفية التي تتعرض لاستنزاف جائر على الرغم من أن هذه المنطقة تعاني أصلاً جفافا لايزال يضرب بجذوره في أعماق الأرض يوماً بعد آخر، وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، فإن مصير هذه الأودية، والمدرجات إلى جفاف حتمي، لا يبقي، ولا يذر، قد يدفع أهالي القرى المتناثرة في محيط تلك المزارع إلى الهجرة مخلفين ما كسبت أيديهم قاعاً صلداً، كأنه الموت الذي لا مردّ له، وهي نتيجة مرعبة لو استوعبت أبعادها في مخيلة من يعنيهم الأمر، لسارعوا لوضع أيديهم، والاصطفاف لمواجهة هذا العبث من خلال وضع آليات، حتى طويلة الأمد لإعادة الروح لهذه الأرض الطيبة؛ كي تعود المياه إلى مجاريها لإنتاج فاكهة البرتقال التي تعتبر الأجود، والألذ، ولايجدر بنا سواءً كنا مسئولين، أو مواطنين إشاحة الوجه، ودفن هذه القضية تحت رمال الإهمال والنسيان . “الجمهورية” حاولت استقصاء المشكلة، وأبعادها ، وأسبابها، وسبل الخروج منها من خلال عدة لقاءات شملت قيادة السلطة المحلية، والمواطنين، والمزارعين. رواج واسع يقول المواطن محمد علي الذري: لقد كان برتقال حمام علي من ألذ الفواكه، ويمتلك رواجاً واسعاً حيث يقبل عليه المواطنون من كل حدب وصوب لشرائه، وإذا أراد أحدهم أن يبيض وجهه كما يقال في اللهجة الشعبية تجاه أي عزيز كان.. أسرته، أو عائلته، أو زميله، أو صديقه فلا توجد هدية أحسن من كمية من برتقال حمام علي ليفي بالغرض، لكن للأسف الشديد لقد نسينا طعمه، ونكهته، ولم تعد لدينا إلا الذكرى فقط فقد مرت فترة طويلة على انقطاع أخبار هذه الفاكهة العجيبة ذات الفاكهة الرائعة؛ والسبب استبدال زراعة هذه الشجرة المفيدة بزراعة آفة القات الذي غزا وبشكل سريع جميع الوديان، أو أغلبها ولم نسمع إلا عن أصناف القات الذي تنتجه هذه المناطق الزراعية ومن وجهة نظري أن من يتحمل هذه المحصلة أو النتيجة في المقام الأول إهمال الرعاية، والاهتمام الملائم من قبل الدولة، وعلى وجه الخصوص الجهات ذات العلاقة .. هذا أولاً، أما العنصر الثاني فيتمثل في الأرباح الوفيرة، والسريعة التي يجنيها المزارعون في هذه المناطق من وراء زراعة، وبيع، وتسويق القات، وهو الدافع الرئيس الذي شجع ملاك الأراضي على الميول نحو زراعة القات، واجتثاث شجرة البرتقال بأنواعه المتعددة . استنزاف للحوض المائي محمد عبدالكريم سهيل صاحب مكتبة، ومثقف يعلق على الموضوع قائلاً: لا أدري لماذا لا يكتب للأشياء الجميلة عندنا البقاء فسرعان ما يطالها الإهمال، وتندثر، وتنتهي، والبرتقال الحمامي "نسبة إلى حمام علي" أحد الأدلة الساطعة على ذلك، والذي كان يمثل، على الرغم من إنتاجيته المحدودة، أحد المقومات الأساسية للاكتفاء الذاتي لليمن من هذه الفاكهة، وكان الأحرى دعمها، وتشجيع مزارعيها على العناية بها، ورفدهم بجميع العوامل المتطورة لتوسيع زراعته، لكن ما حصل هو العكس، فقد داهم القات تلك الأودية الخصيبة بصورة مفزعة، وتم في ضوء ذلك، وكمحصلة طبيعية استنزاف الحوض المائي بشكل كبير للمنطقة بكاملها، والتي تعاني أصلاً من الجفاف. وحقيقة أن المصلحة الشخصية، والجشع المفرط كان وراء هذا العبث، والتحول؛ فالقات كما يعلم الجميع يتم رشه بالمبيدات الحشرية التي تقلص، أو تختزن العمر الافتراضي لشجرة القات، وتمكن في نفس الوقت المزارع من الحصول على أكثر من غلة “محصول” في العام الواحد بخلاف فاكهة البرتقال الذي لايحصد المزارع ثماره إلا في رأس السنة مرة واحدة . وصدقوني أرباح البرتقال على قلتها نوعاً ما مقارنة بالقات إلا أن فيها الكثير من البركة بخلاف شجرة القات فإذا حصل دخل وفير بحسب ما يشاع إلا أن البركة ممحوقة؛ لأن بيعه أشبه ما يكون بالاحتيال حيث يداخل عملية البيع والشراء الأيمان المغلظة بالحق، أو بالباطل أهم شيء نفوق هذه البضاعة الخاسرة علاوة على أن زراعة البرتقال مفيدة للتربة، أما القات فهو مهلك للتربة، والماء في آن، وكذلك صحة الإنسان، فأيهما الأفضل على المزارعين أن يراجعوا أنفسهم ويرحموا هذه الأرض التي تساعدهم على العيش الكريم أم الاستمرار في غيهم حتى يصلوا إلى أرض محروقة عقيم لاتقوى على زراعة شيء ؟! نحافظ على الموجود وكفى إن خلو وادي المصنعة الممتد إلى مشارف حمام علي من البرتقال الذي عرفناه منذ وقت طويل والذي كان يباع في الأسواق، وعلى الأرصفة من قبل المزارعين، أو المهمشين (الأخدام) الذين يعملون عند كبار المزارعين كانت مشاهدها استثنائية بحق، وكم كنت أتمنى أن يستمر الوضع على ما كان عليه! خاصة، وقد تميزت هذه الفاكهة بسمعة جيدة بلغت الآفاق، حتى إن هناك مغتربين كانوا يعملون في بعض الدول الشقيقة، والصديقة، وكان يستهويهم موسم نضوج، وقطف برتقال حمام علي ..ويحتفظون بكمية لتقديمها كهدايا لدى أرباب أعمالهم في هذه الدول الذين تعلقت قلوبهم بهذا المنتج الزراعي الذي تجود به مديرية المنار، ومن وجهة نظري نأسف بشدة على ما آلت إليه الأمور، لكن إذا استفدنا من الدرس، وعرفنا أوجاعه فعلينا جميعاً جهات رسمية، و مواطنين الاعتبار، والمحافظة على الوديان، والقيعان الزراعية التي لا تزال تجود بمحاصيل زراعية مفيدة فمثلاً قاع جهران الحصيب الذي ينتج لنا ثمار البطاطا، والطماطم، وبعض أنواع الحبوب، علينا أن نقف بصراحة تجاه عدد من المزارعين الذين بدأوا بزراعة (القات) هذه الشجرة التي لا نحصد من ورائها سوى الويلات، والمصائب سواءً على أراضينا، أو مياهنا الجوفية التي يذهب القدر الكبير منها لسقي (القات!)، أو على صحتنا، وحتى على أخلاقنا، ومبادئنا، ولا تقف مصائب القات على سحب البساط من المحاصيل الزراعية المفيدة، بل إن كثيرا من المختصين يؤكدون أنه عامل رئيسي من عوامل الفسادا والذي ينخر عظام الدولة؛ لأنه الخطوة الأولى، والذريعة المناسبة لانتزاع الرشى، وارتكاب الخروقات القانونية في صغار الأشياء قبل كبارها . لايزال هناك برتقال - أما الأخ. علي بن علي الفقيه أحد تجار الفاكهة البارزين بمدينة ذمار فيؤكد قائلاً: برتقال مديرية المنار لم ينته بشكل كامل، كما قد يتوهم البعض فإذا دخلت الوديان الخلفية الشاسعة، فهناك تطالعك أشجار البرتقال الجميلة التي تعتبر أجود فاكهة من نوعها على مستوى اليمن، ونحن نجلب كميات كبيرة من هذه الوديان، ونبيعها، وبأحجام مختلفة كبير، وصغير. والناس، بدون استثناء يقبلون على هذه الفاكهة أما الأودية الممتدة من نقيل المصنعة إلى حمام علي أي التي تستلقي على جانب الخط الرئيسي الذي يخترق حمام باتجاه مدينة الحديدة؛ فقد تحولت إلى مزارع قات بصورة شاملة. ونحن نتمنى أن يعود المزارع هناك إلى المحصول الأصلي لهذه المزارع . - مقومات سياحية جميلة الأخ. عبد القادر الصوفي، كاتب، ومدير عام مكتب الخدمة المدنية بمحافظة عمران: في الحقيقة نصاب بالإحباط عندما نستقل السيارة قاصدين حمام علي؛ للاستحمام، ويعود ذلك إلى مناظر هذه المناطق الزراعية الخلابة التي تحولت إلى مزارع للقات، والقات فقط بعد أن كانت مكسوة بالبرتقال الأصفر الذي لا تشبع العين من النظر إليه . وقبل أي شيء كان على الجهات المختصة بالتنسيق مع المواطنين العمل على استثمار هذه الأرض التي تمتلك كافة المقومات السياحية، ويكفيها الحركة الدائبة التي يشهدها الخط الرئيسي من وإلى حمام علي الشهير بمياهه المعدنية التي تستهوي الكثيرين، ومن أجناس مختلفة، يمنيين، أو خليجيين، وعرب، وحتى أجانب الذين أبدوا إعجابهم بهذه الحمامات التي مازالت بدورها، تحتاج إلى كثير من المشاريع الاستثمارية؛ باعتبارها بيئة سياحية من الطراز الأول، فلماذا هذا التجاهل؟! لماذا لا يتم إعلان هذه المنطقة محمية طبيعية ويحظر فيها زراعة القات على الجميع دون استثناء والتشجيع على إعادة البرتقال إلى هذه الأرض المعطاءة وإدراج احتياجاتها التنموية، والخدمية الأساسية في البرنامج الاستثماري وأبرزها المياه الصالحة للشرب وشبكة الصرف الصحي، وإنشاء الفنادق، والمنتجعات، وهي أمور كفيلة بالازدهار، ورزع حركة تجارية نشطة ناجحة في تشغيل اليد العاملة هناك ؟! عدم تجاوب الجهات المختصة - من المحرر: يبدو أن اتفاق الإخوة المواطنين، والمهتمين على ما أسموه إهمال الجهات المختصة لهذه القضية المؤسفة لم تجانب الصواب، وكانت نظرة في محلها فقد طرقنا كافة السبل للتواصل مع الجهات المعنية سواءً في المجلس المحلي بالمديرية، أو مكتب الزراعة بالمحافظة، أو المديرية إلا أن الوعود ذهبت هباءً منثورا فهل يعقل أن يصل هذا الإهمال درجة الإحجام حتى عن التواصل مع الصحافة.. إنها والله كارثة مع اعتذارنا في هذا المقام للمهندس العزيز. علي محمد الحمدي - مدير عام مكتب زراعة المحافظة الذي لايزال، وبعد أكثر من شهرين يخضع لعناية طبية مركزة لإصابته بغيبوبة إثر حادث مروري مؤسف سائلين الله أن يمنّ عليه بالشفاء العاجل .