بالرغم من الأهمية البالغة التي توليها القيادة السياسية للتعليم بكافة أنواعه بهدف الحد من البطالة والتخفيف من الفقر، إلا أن أعداد العاطلين عن العمل في بلادنا في تزايد مستمر؛ وذلك بسبب ضعف التدريب والتأهيل لدى الشباب؛ لذلك تعمل الحكومة، وعدد من مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني على تدريب وتأهيل الشباب والشابات في العديد من التخصصات والتي تتناسب ومستواهم التعليمي بهدف التوظيف والحد من البطالة. لتسليط الأضواء على واقع التدريب والتأهيل وأهميته في سوق العمل التقينا في البداية بوكيلة وزارة التعليم الفني والتدريب المهني لقطاع الفتاة، لمياء الإرياني، والتي أكدت أهمية استحداث قطاع خاص بتعليم الفتاة في وزارة التعليم الفني والتدريب المهني، والذي كان نتيجة لإدراك القيادة السياسية الحكيمة ممثلة بفخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية أهمية التعليم الفني للفتاة، باعتباره أحد أهم الحلول الناجحة للحد من الفقر والقضاء على البطالة، خاصة إذا ما علمنا أن النساء هن الأكثر فقرا من الذكور في بلادنا؛ لذلك كما أشرت اهتمت القيادة السياسية بهذا النوع من التعليم، وإدماج الفتاة في التعليم الفني والتدريب المهني للتغلب على مشكلة الفقر في بلادنا. واستطردت لمياء الإرياني: ومن أجل ذلك استحدثت الوزارة العديد من التخصصات في المعاهد المهنية والتقنية التي تناسب الفتاة أكثر، مع أنه من الممكن أن تلتحق الفتاة بأي تخصص ترغب في الالتحاق به، ومن هذه التخصصات التي تلقى إقبالا متزايدا من قبل الفتيات التمريض وهندسة الديكور والصناعات الغذائية والخياطة والتفصيل والديكور الداخلي والسكرتارية والكمبيوتر والأعمال الإدارية وغيرها من التخصصات. تأهيل بعد التخرج وتضيف قائلة: غير أن هناك العديد من الفتيات بحاجة ماسة إلى دورات تدريبية قصيرة لتأهيلهن للاندماج في سوق العمل بعد التخرج من المعاهد الفنية والمهنية، لذلك لدينا تعاون وشراكة مع بعض مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني لتأهيل الفتيات للاندماج في سوق العمل، وأيضاً للبحث عن وظيفة مناسبة للفتاة بحسب المجال الذي تدربت فيه وأجادته ومن هذه المؤسسات والمنظمات، المؤسسة اليمنية للتدريب من أجل التوظيف والتي لدينا معها برنامج وتعاون وثيق لتأهيل خريجات المعاهد الفنية في بعض المجالات كالكمبيوتر أو اللغة الانجليزية، وكذا في مجال الأعمال الإدارية أو الأرشفة أو غير ذلك، ولمدة شهر تقريبا، وبعد ذلك إرسالهن إلى شركات ومؤسسات القطاع الخاص ،وقد حقق هذا البرنامج توظيف حوالي ثلاثمائة من خريجات المعاهد الفنية في التخصصات التي تلبي طموحاتهن وبحسب تخصصاتهن. من أمية إلى جامعية وفي إطار هذا الاستطلاع التقينا بالأخت بلقيس الوصابي، وهي أحد أفراد أسرة مكونة من تسعة من الإخوة والأخوات، وتعيش حاليا مع والدتها، بعد وفاة والدها، في منزل صغير في العاصمة صنعاء، بعد أن تركت قريتها لعدم وجود من يعولها هي وأسرتها، وتلقي بلقيس باللائمة فيما يتعلق بعدم استكمالها تعليمها على العادات الاجتماعية والبيئة القبلية التي نشأت عليها، والتي تعتبر ذهاب الفتاة في القرية إلى المدينة للتعليم أمر معيب. وتقول: بالرغم من الفقر فقد شجعتني والدتي على الاستمرار في التعليم حتى أكملت التعليم الأساسي وبسبب شحة الإمكانيات المادية لم أتمكن من إكمال تعليمي بعد؛ لذلك حاولت البحث عن عمل في إحدى الشركات أو في القطاع الحكومي، لكن دون فائدة، بسبب تدني مؤهلاتي التعليمية وافتقاري للخبرة. وتقول: في النهاية، قررت أن أعمل كبائعة للمشغولات اليدوية التابعة للجمعيات الحرفية، وذلك حتى أستطيع استكمال الدراسة الثانوية.وتضيف بلقيس قائلة: ورغم قلة ما كنت أكسبه، فقد كنت متسلحة بالأمل بأنه سيأتي اليوم الذي أتمكن فيه من استكمال دراستي الثانوية والجامعية أيضا. وفي فعاليات مهرجان صيف صنعاء الذي أقيم بحديقة السبعين بصنعاء العام الماضي شاركت عبر طاولة وضعتها لبيع الإكسسوارات والمصوغات الفضية، وبعض المشغولات اليدوية كالعادة وهناك، جذب انتباهي شيء رأيته، لقد كانت طاولة أخرى مقابلة وبجانبها لوحة إعلانية تقول: لأول مرة في اليمن، احصل على التدريب و التأهيل وفرصة عمل مجاناً،، انتهز الفرصة لبناء مستقبلك، أصابني الذهول عندما رأيت الإعلان على اللوحة في ذلك اليوم، لقد كان التدريب مجانيا، بعدها تمكنت من الحصول على استمارة طلب الالتحاق ببرامج المؤسسة، وقمت باستكمالها وفي الأسبوع التالي تلقيت اتصالاً هاتفيا من مؤسسة اليمن للتدريب، وتمت دعوتي لحضور المقابلة الشخصية، وبدأت البرنامج التدريبي ”النجاح في مقر العمل“. التحقت بهذه المؤسسة وفيها تلقيت تدريبا مكثفا في برامج عديدة تميزت فيها فكان نصيبي أن تم ابتعاثي إلى إحدى الجامعات الخاصة لتنفيذ برنامج التدريب العملي، وبعد إكمال برنامج التدريب تحقق حلمي في إكمال دراستي الجامعية في ذات الجامعة مع توفير فرصة فيها أيضا. لذلك أصبحت بلقيس اليوم أسعد إنسانة بعد أن كاد اليأس يتمكن منها. وهنا تكمن أهمية التدريب والتأهيل العملي بعد التعليم الأكاديمي في صنع المستقبل لملايين الشباب الذين يتخرجون من المدارس الثانوية والجامعات سنويا، ويكون مصيرهم أرصفة الشوارع أو دهاليز الضياع أو التشدد والانحراف أو النوم المؤبد في أحسن الأحوال. لذلك لابد من التركيز على أهمية التدريب والتأهيل لصنع المستقبل الأفضل. بناء القدرات الذاتية قصة أخرى من النجاح كان مفتاحها التدريب العملي بعد التعليم الجامعي، بطلتها هيفاء محمد عبد الرب، التي تعمل حاليا سكرتيرة رئيس مجلس إدارة مجموعة العالمية تقول هيفاء: قبل التحاقي بالجامعة كنت أعتقد، بل و أجزم أنه بمجرد تخرجي سوف أكون قادرة على الحصول على وظيفةٍ مُحترمة أستطيع من خلالها إثبات نفسي، والتدرج في السلم الوظيفي و مساعدة أهلي. و حين تخرجت وجدتُ عملاً في إحدى المدارس الخاصة. في بداية الأمر فرحتُ كثيراً، وشعرت بأنني بدأتُ أخطو أول خطوة من رحلة الألف ميل. و من هنا بدأت الصدمة، حيث دخلتُ مجال العمل ”الإعصار“ الذي كان مملوءا بالوساطة و المُجاملات للأقرباء ونسيان الهدف السامي (التعليم) حينها لم أتصور أني قد أنجو، وبدأتُ أعتقد أن هذا هو مصير كل شخصٍ يدخل نفق العمل المظلم، ولن يخرجني منه أحد. و لكن........! يبدو أنها كانت مخطئة، فبعد أن انخرطت في البرنامج التدريبي تم ترشيح هيفاء مع بعض زملائها في مُلتقى الشباب العالمي الذي أُقيم في إيطاليا، خلال الفترة 19 - 21 يناير2010م ، ووقع اختيار لجنة المؤتمر على هيفاء من بين زُملائها، وكانت المُفاجأة السعيدة، ليس ذلك فحسب، و إنما تم في نفس الأسبوع توظيف هيفاء في مجموعة العالمية، كسكرتيرة لرئيس مجلس الإدارة. ذهبت إلى إيطاليا و شاركت في هذا المؤتمر، وكانت تجربةً كبيرة بالنسبة لي لا تنسى، صحيح أنها كانت ثلاثة أيام فقط، ولكنني تعلمت الكثير منها، تعلمت الاعتماد على الذات، والثقة بالنفس، تعلمت عدم التردد، لو واتتني هذه الفرصة مرةً أخرى لن أنتهزها، و إنما سأُتيحها لشخصٍ آخر ليستفيد كما استفدتُ أنا، تعلمت من تجربتي أن المسألة ليست مسألة حظوظ، وليست وساطات ...فها أنا اليوم قد حظيت بفرصة عمل مُحترمة، بعد برنامج تدريبٍ مُكثف، لا أعتبره تدريبا فحسب، و إنما بناء للشخصية. اليوم أستطيع أن أقول بأنني قد وضعتُ أهدافاً لحياتي، أهمها أن أقوم خلال العشر السنوات القادمة بإدارة مشروعي الخاص الذي يهدف إلى تطوير التعليم في بلدي، حتى أقدم لأبناء بلدي ولو جزءاً يسيراً مما قدمته لي مؤسسة التدريب المبادرة الوطنية لتأهيل الشباب من جانبه أوضح الأستاذ معين الإرياني المدير التنفيذي لمؤسسة اليمن للتدريب بهدف التوظيف بأن المؤسسة تهدف إلى سد الفجوة القائمة بين مخرجات المؤسسات التعليمية ومتطلبات سوق العمل، والمتمثلة في عدم تلبية المخرجات التعليمية لحاجات أصحاب العمل من المهارات. وتطمح المؤسسة لتحقيق هذا الهدف من خلال: - دراسة احتياجات أصحاب العمل من الكفاءات والمهارات. - تدريب الشباب الباحثين عن عمل، بهدف تزويدهم بتلك الكفاءات والمهارات. - القيام بدور الوسيط بين أصحاب العمل والشباب الباحثين عن عمل، لتوفير الفرص الوظيفية للشباب. - وأخيرا، تقديم الدعم الدائم للشباب المتخرجين من المؤسسة، في صورة خدمات استشارية وإرشادية. وقال المدير التنفيذي للمؤسسة: إنه في إطار مساهمة منظمات المجتمع المدني في تحقيق البرنامج الانتخابي لفخامة الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية، وبرنامج الأولويات العشر أخذت المؤسسة على عاتقها إطلاق المبادرة الوطنية لتأهيل الشباب بهدف التوظيف في محاولة لسد الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، وإكساب الشباب المهارات العملية، التي لم يتعلموها في الجامعات، والهدف النهائي هو توفير وظائف لهؤلاء الشباب وتخفيف معدلات البطالة بينهم، وتأهيلهم للقيام بهذه الوظائف باقتدار حسب متطلبات أرباب العمل. ويوضح الإرياني قائلا بأن المؤسسة تقوم بالتعاون مع وزارة التعليم الفني والتدريب المهني بعمل مسوحات ميدانية لدى أرباب العمل لمعرفة احتياجاتهم من الوظائف والشروط المطلوبة لشغل تلك الوظائف خلال عام كامل مع التزام بتوظيف مخرجات التدريب المؤهلين بحسب شروطهم المحددة سلفاً، وعلى ضوء تلك النتائج يتم إعداد برامج التدريب، ثم نستقبل طالبي التدريب من الشباب والشابات الذين يتلقون تدريبا مجانيا مكثفا للتوفيق بين تخصصاتهم وطبيعة الوظائف المطلوبة في السوق، ومن ثم يتم إرسال هؤلاء الشباب إلى المؤسسات والهيئات والشركات العامة أو الخاصة الطالبة للموظفين. وغالباً ما يتم توظيفهم. مضيفا: إن متوسط تكاليف تدريب وتأهيل الشخص الواحد تصل إلى ألف وخمسمائة دولار مقابل رسوم رمزية تفرض على المتدرب من أجل الالتزام وهي 2000 ريال للدورة الواحدة، مؤكدا بأنه تم خلال العامين الماضيين توظيف حوالي 400 شاب وشابة من إجمالي 550 تلقوا التدريب خلال الفترة ذاتها، 42 % منهم من الإناث. الجامعات غير مهتمة ويلاحظ أن أغلب البرامج التي تطبق في منظمات المجتمع المدني تتركز في مجالات اللغة الانجليزية، والحاسوب، ومهارات التعامل في الوظائف مثل برنامج (النجاح في مقر العمل)، وبرامج أخرى تهدف إلى إكساب المتدربين مهارات الثقة بالنفس، وكسب ثقة الآخرين، وفن التعامل مع العملاء. في حين أن الجامعات الحكومية والخاصة لا تعير أي اهتمام لمثل هذه البرامج إلا أن جامعة تعز بصدد إدراج برنامج (بزنس ايدج) كمادة اختبارية لطلاب السنة النهائية في كلية العلوم الإدارية بالجامعة. فيما تسعى جامعتا صنعاء وإب للعمل في نفس الاتجاه، ومن بين الجامعات الخاصة، فقد أبدت جامعة العلوم والتكنولوجيا اهتماما بالموضوع من حيث المبدأ. مقررات نظرية تقول ابتسام (خريجة هندسة) وملتحقة بالتدريب: الجامعات لا تقدم برامج مؤهلة لسوق العمل بشكل كاف، مقررات نظرية، وأعداد كبيرة من الطلاب لاتسمح بالمشاركة والنقاش وأغلب خريجي الجامعات يحصلون على الشهادة وينتظرون الدولة لتوظفهم عبر الخدمة المدنية، وهنا تموت أحلام وتنتهي آمال عدد كبير من الشباب، والخطأ الفادح هنا أنهم لا يفكرون في الالتحاق ببرامج تدريبية وتأهيلية مناسبة لسوق العمل وبعضهم تمنعه الظروف المادية وتكاليف التدريب من مواصلة تأهيل أنفسهم، ولكن هناك مؤسسات تقدم خدمات مجانية أو برسوم رمزية. إدارة المشاريع الصغيرة ولكن نادية النودة - مدربة تقول: إن بعض المؤسسات تقدم برامج تدريبية غير ملائمة، وهو ما يستدعي الوقوف عند أهمية (جودة التدريب) وهو ما يتفق معها فيه خبير التدريب رائد العبدلي الذي يؤكد أهمية هذه النقطة ويدعو الجهات الرسمية إلى القيام بدورها في ضبط جودة التدريب والمدربين؛ لكي لا يضيع حلم لا يزال في مهده بالنسبة لليمن. ويضيف العبدلي: بعد جديد للتدريب، وهو تدريب الشباب لتأسيس أعمالهم ومشاريعهم الخاصة، ليس فقط من أجل التوظيف في الجهات الرسمية أو القطاع الخاص. ويؤكد العبدلي أن التركيز على مساعدة الشباب لتأسيس وإدارة مشاريع صغيرة خاصة سوف يشكل نقلة نوعية في الاقتصاد للبلد بشكل عام، وسوف يحسن الظروف المعيشية لمئات الآلاف من الناس. وعن دور الجامعات يقول العبدلي: يمكن للجامعات أن تخرج شبابا مثقفين أو متعلمين، لكنها لا تصنع شبابا مؤهلين للعمل والإنتاج. والتدريب هو الكفيل بصنع هذا الفارق، الجامعة تعلمك والتدريب يقودك إلى كيفية أن تحقق ما تعلمته في حياتك العملية. ودعا العبدلي الجامعات ومؤسسات التدريب على حد سواء إلى التركيز على التخصصات النوعية التي تحدث التغيير الإيجابي وتنشر الثقافة التدريبية بين الشباب. الفتيات أكثر تفاعلاً الزائر للمؤسسات التي تقدم التدريب والتأهيل في هذه البرامج يلاحظ تواجدا مكثفا للفتيات وبأعداد كبيرة تفوق أعداد الذكور في بعض المؤسسات والمنظمات التي تقدم مثل هذا التدريب. في حين أن إدارات هذه المؤسسات تشجع وتعطي أولوية للفتيات للالتحاق بالبرامج التدريبية، وغالبا ما تكون الفتيات الأكثر التزاما بالتدريب والأكثر تميزا في المشاركة والتفاعل والقيام بالأعمال الطوعية في مختلف المجالات. وقصة بلقيس وهيفاء خير دليل على ذلك.