شارك الموسيقار جابر علي أحمد في الفعالية الموسيقية الدولية، التي أقيمت بمدينة فاس المغربية يومي 2928 من الشهر المنصرم، تحت عنوان «لقاء موسيقي أندلسي، وندوه علمية موسيقية»، وأحيت الفعالية جمعية بعث الموسيقى الأندلسية بفاس، ومشاركة كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس، و المجلس البلدي لمدينة فاس.. الفنان جابر الذي حضر يضعنا في الحدث الذي من النادر حصوله في الفضاء الثقافي العربي.. أومأت بعض المداخلات المغاربية إلى أن ما يسمى بالموسيقى الأندلسية ما هي إلا موسيقى عربية، رغم وجود مؤشرات قوية إلى امتدادات أندلسية هي الأخرى وليدة تفاعل ثقافي إسباني عربي.. مدينة فاس فاس مدينة مغربية جميلة.. تشعر عند قدومك إليها بحميمية مدهشة.. الناس في هذه المدينة عاشقون لكل ما هو جميل، يتجلى هذا العشق على سحنات وتصرفات البشر. أما عن مصدر هذا الملمح فربما تشكل على الكينونة الجيوطبيعية لهذه المدينة، حيث تتوسط شمال المغرب الأقصى، بين جبال الأطلس المتوسط جنوباً وتلال مقدمة جبال الريف شمالاً. وتتمتع هذه المدينة بالآبار والأنهار والهواء المعتدل وخصوبة التربة ما جعلها مصدراً مهماً للمنتجات الزراعية بمختلف أنواعها. تأسست مدينة فاس في القرن التاسع الميلادي على يد الإمام إدريس بن إدريس على خلفية موقعها المتميز الذي شكل أيضاً أساساً لاهتمام سكانها بفن الموسيقى، وخاصة فنون الزجل والنوبة والموشح...الخ التي كانت تتحرك بين الأندلس وشمال أفريقيا. ولعل مما له دلاله هنا أن تأسيس هذه المدينة تزامن مع ظهور الموشح في الأندلس، حيث يذكر بعض الباحثين أن القرن التاسع الميلادي شهد بروز الوشاحين الأوائل في بقاع الأندلس التي حافظت على ولائها الأموي بعد بسط العباسيين نفوذهم على الخلافة الإسلامية. جمعية بعث الموسيقى الأندلسية بفاس يبدو أن التراث الموسيقي في شمال أفريقيا يعطي فكرة جميلة عن التداخل الموسيقي بين الأندلس وهذه البقاع. وعندما تأسست جمعية بعث الموسيقى الأندلسية بمدينة فاس 1980م كان من الواضح آن وراء هذا التأسيس حرص على التقاليد الغنائية التراثية المتمثلة في الميازين والنوبات والتواشيح التي تميز الحياة الفنية لفاس. وبالعودة إلى الوراء قليلا نجد أن هذه المدينة تفاعلت مع أول مؤتمر للموسيقى العربية 1932م، إذ إن هذا الحدث أسس لحراك موسيقي قاد إلى تنظيم (مؤتمر الموسيقى المغربية) 1939 م في مدينة فاس. وبعد عشرين سنة من هذا التاريخ احتضنت فاس مؤتمر الموسيقى العربية 1969 م الذي شكل إحدى المحطات الهامة لتأسيس المجمع العربي للموسيقى 1971م الذي ما برح يقدم خدماته في سبيل موسيقى عربية عريقة ومتجددة. نعود إلى جمعية بعث الموسيقى الأندلسية بفاس التي نظمت في الفترة من 28 – 29 يناير 2011 م مؤتمراً علمياً حول الموسيقى الأندلسية، وجهود توثيق الموسيقى في البلاد العربية، حيث أومأت بعض المداخلات المغاربية إلى أن ما يسمى بالموسيقى الأندلسية ما هي إلا موسيقى عربية رغم وجود مؤشرات قوية إلى امتدادات أندلسية هي الأخرى وليدة تفاعل ثقافي إسباني عربي. هذا ما أكده على وجه الخصوص الدكتور عباس الجيراري الذي قدم دراسة قوية عن التواشيح والأناشيد واللحون في فاس. ومما كان له أثر بالغ في تلك الأمسيات التي ميزت هذا الحدث الفاسي، حيث قدم (جوق) قدماء جمعية بعث الموسيقى الأندلسية والمجموعة الموسيقية الأندلسية و(جوق) عبد الكريم الراسي حفلات اشتملت على القوالب التالية : - الزجل - التوشيح - موال توشيح (ما الغرام) ما الغرام ألا بليا فاعذروني يا مقايل أشعلت ناراً قويا تركت الجسم ناحل ضيفنا شبه الثريا حبه في القلب حاصل شفرة كالسيف يقطع بالسهام لقد رماني بالوصال لا زلت اطمع طول عمري وزماني زجل الشوق علمني السهر حتى اشتهر حبي فلم يخفى والدمع من عيني انهمر مثل المطر وناري لم تطفأ إذا يحي وقت السحر تشعل جمار في خاطري زلفا أما عن الألحان فقد تميزت بجو أصيل ينقلك إلى عوالم غنائية مفعمة بتقاليد زمن مضى، إلا أن المدهش حقا ذلك التجاوب الجمعي في المسرح مع (جوق) المؤدين مما يؤشر إلى نجاح (جمعية بعث الموروث الموسيقي الأندلسي) في جعل مواد الغناء القديم كائناً حياً يتحرك في جنبات الأجيال الجديدة.