خمسون عاماً بالتمام والكمال على إعلان استقلال دولة الكويت الشقيقة التي تمتلك حضارة عريقة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، وتشهد نهضة شاملة منذ تولي آل الصباح الكرام مقاليد حكمها منذ النشأة. الكويت وهي اليوم تشع بألق ذهبي كألق مجدها تشهد احتفالات بهيجة باليوبيل الذهبي لاستقلالها، والذكرى العشرين لتحريرها من الاحتلال الغاشم الذي شنّه ضدها نظام صدام حسين البائد، نحاول في هذا الملف المتواضع مشاركتها أفراحها واستعراض تاريخها العريق والتعرف على ديمقراطيتها النموذجية.. تاريخ عميق يعتبر تاريخ الكويت امتداداً لتاريخ شبه الجزيرة العربية خلال العصور الإسلامية المختلفة.. وتشير بعض المصادر إلى أن تأسيس الكويت يعود إلى أحد أمراء بني خالد الذي شيّد حصناً في موقع الكويت الحالي.. ويمتد تاريخ الكويت الذي يحمل اسمها الحالي من القرن السابع عشر حين هاجر إليها العتوب من وسط شبه الجزيرة العربية «نجد» وما تلا ذلك من ازدهار اقتصادي وزيادة في عدد سكانها. وقد لعبت الكويت بحكم موقعها الجغرافي المتميز دوراً بارزاً في مجال التجارة والنقل البري والبحري، وظلت محتفظة باستقلالها متقدمة في ازدهارها تحت حكم آل الصباح الذين تولوا الحكم في الكويت منذ نشأتها وحافظوا على استقلالها وتأمين طرق النقل البري الصحراوي والبحري. المرحلة التاريخية الأولى مرت الكويت بمرحلتين تاريخيتين في إطار تاريخ نشأتها وتطورها قبل الاستقلال، وتمثلت المرحلة الأولى في تأسيسها ونشأتها كدولة حديثة، ويعتبر آل الصباح هم المؤسسين للكويت مجتمعاً منظماً ودولة.. فبوجودهم عرف المجتمع الكويتي إقامة الكيان السياسي، وقد تعاقب على حكم الكويت طوال المرحلتين وحتى الآن «15» حاكماً، ويمكن اعتبار المرحلة الأولى ابتداءً من تولي الشيخ صباح بن جابر (صباح الأول) مقاليد الحكم عم (1756م) كأول حاكم للكويت حين اختاره الكويتيون لحل مشكلاتهم ورأب خلافاتهم والنظر في أمورهم، وقد استمر حاكماً حتى وفاته رحمه الله عام 1776م، ثم أعقبه في الحكم ولده الشيخ عبد الله بن صباح (عبدالله الأول) حتى عام (1814م)، ثم تلاه الشيخ جابر بن عبدالله الصباح (جابر الأول) (1814 - 1859م)، وتولى الحكم بعده الشيخ صباح بن جابر (صباح الثاني) خلال الفترة (1859 - 1865م)، وبعده الشيخ عبدالله بن صباح الثاني (عبدالله الثاني) (1865 - 1881م)، ثم أعقبه في الحكم الشيخ محمد بن صباح كسادس حاكم للكويت خلال الفترة (1881 - 1896م). أما المرحلة التاريخية الثانية فيمكن احتسابها اعتباراً من بداية تولي سابع حاكم للكويت المقاليد عام 1896م وهو الشيخ مبارك الصباح الذي يعتبر المؤسس الحقيقي لدولة الكويت الحديثة، ففي عهده اتسعت الكويت وازدهرت وشهدت عصراً جديداً من الرخاء والأمن، وقد عرف عنه اتسامه بالشجاعة وقوة البأس وحسن الإدارة وموهبة سياسية فذة.. وقد اضطرته الأحداث التي واجهته ومنها المضايقات والتهديدات العثمانية إلى توقيع اتفاقية الحماية مع بريطانيا عام 1899م.. واستمر الشيخ مبارك في حكمه حتى وفاته عام 1915م، ليتولى بعده الحكم الشيخ جابر بن المبارك الصباح حتى وفاته في عام 1917م.. ثم جاء بعده الحاكم التاسع للكويت وهو الشيخ سالم المبارك الصباح “1917م 1921م” ثم الشيخ أحمد الجابر الصباح “1921 1950م” وبعده الشيخ عبدالله السالم الصباح “1950 1966” والذي يعتبر عهده بداية مرحلة ثالثة وجديدة في نشأة وتطور الدولة الكويتية. مرحلة الاستقلال والتحولات بتولي الشيخ عبدالله السالم الصباح الحاكم الحادي عشر مقاليد الحكم “1950م 1966م” شهدت الكويت تحولات جذرية ونوعية في نشأة وتطور الدولة الكويتية، وكان عهده حافلاً بالإنجازات السياسية والاقتصادية والعمرانية، حيث تمكنت الكويت من الاستقلال الذي أعلن في عام “1961م” بعد أن اعترفت بريطانيابالكويت كدولة مستقلة وأنهت اتفاقية الحماية الموقعة عام 1899م.. وقد استطاعت الكويت في عهد الشيخ عبدالله السالم من استكمال مقومات الدولة الحديثة في فترة وجيزة بعد الاستقلال، حيث تم إرساء أسس الديمقراطية والحكم الدستوري، والانضمام إلى هيئة المتحدة والجامعة العربية. وبفضل ما كان يتمتع به من بعد نظر فقد عمل الشيخ عبدالله السالم على اتخاذ قرارات غير مسبوقة في تاريخ الكويت من أجل ترسيخ نظامها السياسي، ويمكن تلخيصها في ثلاث استراتيجيات، الأولى ركزت على نقل الكويت من الشرعية التاريخية إلى الشرعية الدستورية والديمقراطية بإصدار الدستور الكويتي عام 1962م، وإقامة نظام برلماني بمسئوليات تشريعية وبقضاء مستقل وسلطة تنفيذية مسئولة أمام البرلمان، والثانية ركزت على بناء العلاقات الخارجية والحصول على العضوية الدولية وتوجيه الدبلوماسية الكويتية نحو إدخال البعد القومي كمرجعية لها.. والاستراتيجية الثالثة ركزت على التنمية الاقتصادية والاجتماعية الداخلية والمساهمة الفعالة في مشاريع التنمية العربية. تطورات وتحديات تولى الحكم بعد وفاة الشيخ عبدالله السالم أخوه الشيخ صباح السالم الصباح “1966 1977م” والذي جاء عهده امتداداً واستكمالاً لما أسسه سلفه في المجالين الداخلي والخارجي، كما شهد عهده طفرة اقتصادية واضحة.. ثم أعقبه الشيخ جابر الأحمد الصباح “1977 2006م” الذي شهدت الكويت في عهده تطوراً واضحاً في علاقاتها الخارجية، كما شهدت رخاءً اقتصادياً ساعد على دفع عجلة التقدم والتنمية، كما تعرضت الكويت في عهده لاحتلال غاشم من قبل نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي قام باجتياح الأراضي الكويتية في أغسطس 1990م واستمر هذا الاحتلال سبعة أشهر، لكن الكويت استعادت حريتها في الخامس عشر من فبراير 1991م. وقد كان الشيخ جابر الأحمد الصباح رحمه الله رجلاً محباً ومخلصاً لأمته العربية ولوحدتها، فكان هو صاحب فكرة إنشاء مجلس التعاون الخليجي، كما بذل جهوداً محمودة في إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، إذ قام بالتوسط بين قيادات الشطرين سابقاً وجمع بين فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح وأخيه علي ناصر محمد في لقاء استضافته الكويت عام 1978م.. كما قام الشيخ جابر بدعم القضية الفلسطينية، حيث أنشأت حركة فتح في الكويت وقام بإنشاء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، وقدم دعماً سخياً للعراق في حرب صدام حسين ضد إيران، غير أن الكويت كوفئت بغزو غاشم من قبل صدام.