في الوقت الذي ينشغل فيه الناس بمتابعة تطورات الأحداث في الوطن العربي نجد أبناء ذمار منغمسين حتى الثمالة فيما تشهده مدينتهم المسالمة هذه الأيام من عمليات إطلاق نار وهي من الكثرة بحيث أصبحت لاتغادر مسامع وأعين الأهالي سواء تحت نور الشمس أو ضوء القمر إلا فيما ندر والنادر لاحكم له.. وهي مشاهد مرعبة مقلقة لاتكاد ساحاتها تخلو من لون الدم الأحمر تعاني وأخطر مافيها إندلاعها في أماكن مكتظة بالسكان والمارة والمتسوقين ومن الطبيعي والأمر كذلك أن يدفع الأبرياء ثمن هذه العنتريات التي لايحكمها عرف أو أخلاق أو حتى قبيلة. وقد سجلت الدوائر الأمنية العديد من هؤلاء الأبرياء الذي سقطوا مضرجين بدمائهم مابين قتيل وجريح وكل ذنبهم أن الخط العاثر ألقاهم على حين غرة في مسارات تلك الرصاصات العمياء التي لاتفرق بين الغريم «وجازع الطريق». المشكلة تزداد تعقيداً وتشابكاً كلما توالت الأيام إذ نلاحظ أن الأفق المنظور لا يوحي ببوادر وإجراءات من شأنها أن تقلص من رقعة هذه الظاهرة التي تتفاقم بصورة مستمرة وفي ظل دور أمني غائب أو منيب إلا من تدخلات محدودة لاتخرج عن إطار «الطبطبة على الأكتاف» والتفاني في تلبية الشروط التي تمليها الأطراف المتناحرة مهما كانت عويصة وباهظة التكاليف باعتبار أن مثل هذه المغامرات والاشتباكات المسلحة لايقوم بها عادة إلا شخصيات من العيار الثقيل هم في منأى عن أي تعقب أو مساءلة وهذا في رأيي ما أدى إلى انتعاش المظاهر المسلحة التي تجوب شوارع وأحياء عاصمة المحافظة. لقد تحولت ذمار بفعل هذا المسلسل المتوالي الأحداث إلى مسرح مفتوح لاستعراض مشاهد متنوعة تجسد رغبة جامحة في استنطاق فوهات البنادق بما يجول في بطونها من تعابير تحمل الموت المعلب لكل مظاهر الحياة. آخر إفرازات هذا النوع من الإرهاب المحلي جولتان من الاشتباكات المسلحة بين أتباع شيخين قبليين كبيرين على خلفية تنازع ملكية أرض فالأول يدعي أن “ العرصة” ذات الموقع الإستراتيجي والتي لاتبعد بضعة أمتار عن بوابة منزله الرئيسية ملك له أما الشيخ الآخر فهو مخول من قبل مدع آخر لانتزاع هذا الملك وإيقاف أعمال البناء التي شرع فيها الشيخ الأول وقد أسفرت المعركة عن إصابة نجل أحد الشيخين بإصابة يقال إنها خطيرة فيما لاتزال معطيات الواقع تنبئ عن تطورات سيئة نتمنى أن تفلح المساعي الحميدة سواءً شعبية أو رسمية لاحتوائها وصيانة الأرواح. العناية الإلهية تتدخل كنت والزميل العزيز زكريا الكمالي على متن «باص» نتجاذب أطراف الحديث عن مواضيع متعددة تتعلق بانتشار ظاهرة حمل السلاح في مدينة ذمار حينها لمحنا بعض الأشخاص يحملون بنادق آلية قبالة سوق الدائرة لبيع القات لم نلق بالاً لهذا المظهر الذي أصبح مالوفاً غير أن أسوأ مافي الأمر هو ماحدث بعد ذلك بلحظات فما إن تركنا منفذ السوق المشرف على الشارع الرئيسي وراء ظهورنا حتى تناهى إلى سمعنا حدوث إطلاق نار بين خصمين لدودين لولا عناية السماء لكنا وركاب الباص بين فكي الرصاص المتوحش لتبادل الرصاص الذي توسطه الخط الإسفلتي. وهي حادثة طازجة وأنموذج يؤكد المخاطر التي يتعرض لها المارة بسبب انتشار ظاهرة حمل السلاح والتجول به وبما أن هذه الظاهرة لم تواجه بإجراءات حازمة من الجهات المختصة فإن مصيرها إلى إتساع وتمدد وآخر تقليعات عن هذا التهاون الواضح والصريح شراء سيارات «شبح» شاص آخر موديل وعلى مقعدي الصندوق المكشوف يتقابل رجال مسلحون ملثمون شعورهم الكثة مدلاة على أكتافهم وهي أساليب الغرض منها بث الرعب في قلوب المساكين من سطوة أميرهم الملقاة عمامته في مقدمة السيارة. قضايا الأراضي وإشاعة السلاح ويبدو أن ذمار الوادعة الهادئة إلى ماقبل عدة سنوات لم تكن تتحول إلى هذه الصورة لولا انتعاش قضايا الأراضي والسطو عليها والتي تكتظ بها قاعات المحاكم والنيابة وأرشيف البحث الجنائي والتي مثلت منعطفاً حقيقياً في حياة بعض النافذين حيث أصبحت تدر عليهم أموالاً طائلة مكنتهم من شراء السلاح وأتباع يطوفون وديان المدينة الشاسعة غرباً وشرقاً للبحث عن فريسة. وقد أكد القاضي عبدالله المحيا وكيل نيابة البحث والأمن أن غياب القانون وعدم تفعيله هو ماجعل قضايا الأراضي تزدهر في ذمار لصالح أشخاص بعينهم مدعومين بالأسلحة وقد سقط العشرات من الضحايا نتيجة التنازع على ملكيات الأرض التي لاتزال تتصاعد يوماً بعد آخر. أكثر من 1100 فضية جنائية كشف إحصائية صادرة عن إدارة البحث الجنائي بمحافظة ذمار أن إجمالي عدد الجرائم التي شهدها العام المنصرم 2010م بلغت 1119 قضية المضبوط على ذمتها 1093 شخصاً فيما 26 منها غير مضبوطة في حين بلغ عدد الجرائم في العام السابق 2009م 1008 قضايا المضبوط منها 990 و18 قضية غير مضبوطة وقد توزعت هذه القضايا في معظمها على عمليات قتل عمد وخطأ وانتحار وقضايا أراضي وسطو مسلح وتهديد وإطلاق نار ولو تأملنا أدوات ارتكاب مثل هذه الجرائم لوجدنا أن السلاح بأنواعه يقف وراء هذه المشكلة التي تهدد استقرار المجتمع. فإذا افترضنا جدلاً أننا مجتمع قبلي ولانستغني عن السلاح فعلى الأقل نطالب أجهزة الأمن المختصة بمحافظة ذمار تنفيذ حملة لمنع حمل السلاح والتجوال به داخل عاصمة المحافظة وبذلك يمكن أن نحد من عمليات القتل المتكررة التي تقض مضاجع الآمنين في المدينة. قانون منع السلاح يقول مصدر أمني في المحافظة إن حملة منع السلاح لاتتم إلا بتوجيه من وزارة الداخلية كما أن قانون تنظيم حمل وحيازة السلاح لايزال محبوساً في أدراج نواب الشعب في البرلمان الذي يتم تعطيله كل مرة ولو تم إقرار هذا القانون لتحرك رجال الأمن من ضوء نصوص القانون. ونحن نقول إن منع ظاهرة حمل السلاح لا تباح إلا بقانون بالضرورة فالشعب اليمني بكل أطيافه يلاقي مثل تلك الحملات بالترحيب لأن هناك مشاكل كثيرة تهدأ وتختفي باختفاء السلاح وتقل معها نسبة الجرائم.