ربما صارت أغنية " آنستنا يا عيد " جزءا من نكهة العيد إذ اعتاد عليها الناس وصارت أشبه بالناطق الرسمي عن فرحتهم العيدية بعد أن تمكنت على بساط خصوصيتها وقيمتها الفنية من النفاذ إلى شجون ومشاعر استقبالهم ومعايشتهم لهذه المناسبة . في هذا التقرير محاولة لقراءة بعض من جوانب الخصوصية والقيمة الفنية لهذه الأغنية لغة ولحنا و أداء . علامة في تاريخ الغناء الفنان على سيف العودي مدير الفرقة الوطنية بوزارة الثقافة ورئيس جمعية الفنانين اليمنيين .. عدَّ أغنية " آنستنا يا عيد " للشاعر الكبير عباس المطاع , وألحان وأداء الفنان الكبير الراحل علي بن علي الأنسي - واحدة من أهم العلامات المتميزة في تاريخ الغناء في اليمن , مرجعاً ذلك لعدة عوامل وخصائص فنية وأدبية اكتسبتها الأغنية لتتصدر أجهزة الإعلام بمختلف وسائلها الموسوعة والمرئية في الأعياد الدينية على غيرها من الأغاني العيدية . القيمة الأدبية تأتي القيمة الأدبية لمضمون القصيدة في مقدمة أسرار تميز وتفرد هذه الأغنية .. يوضح العودي :" أن من يطّلع على كلمات هذه الأغنية سيجد أن الشاعر قد أحسن بدرجة عالية من الجمال توظيف كلماتها لتغطي وتلامس معظم الجوانب الاجتماعية والإنسانية و الروحانية في التعبير عن جوهر المناسبة , فتطرقت الأغنية إلى العديد من تفاصيل حياتنا , وتحديداً في مناسبات الأعياد الدينية , بلغة أجاد الشاعر توظيفها مبنى ومعنى تعبيرا وتصويرا ، وكيف لا وهو يقول لأي فرد منا :" اضحك على الأيام .. وابرد من الأوهام / واسرح مع الأنغام .. وافرح بهذا العيد " . ويتابع : وفي البيتين التاليين .. "سلّم على أحبابك وأهلك وأصحابك /وقل لمن عابك مبروك عليك العيد " يصدر الشاعر دعوته المفتوحة و الصريحة للمحبة بكل الألوان ولكل الناس صغاراً وكباراً لافتا إلى صورة إنسانية غاية في الجمال وهي وأن عاش الكبار أجواء العيد بطريقتهم الخاصة, إلا انه يضل مرسوماً بصورة رائعة في عيون الأطفال.. والأشخاص الذين لا تكون العلاقة بينهم إيجابية وغيرها من الفضائل التي بتحققها يتجسد العيد عيدا ولهذا يقول لهم : "الجاهل اضحك له / وإن كان عديم دله / ومن حنق قول له / مش وقت يا أخي عيد " ...و غيرها من الأبيات التي دعا فيها الشاعر إلى ضرورة التكافل الاجتماعي الذي أوصى به ديننا الإسلامي الحنيف, وجسدته عاداتنا وتقاليدنا وأعرافنا وقيمنا اليمنية الأصيلة عبر التاريخ ... ان لهذه الكلمات قيمة أدبية رفيعة المستوى, شكلاً ومضموناً ,ولقد احتلت ولا زالت تحتل فضاءً واسعاً يشارك الآخرين فرحتهم بهذا العيد" القيمة الموسيقية و بجانب القيمة الأدبية تأتي القيمة الموسيقية التي اكتسبتها الأغنية وأسهمت في ريادتها وتميزها .. يقول الفنان العودي :"إن الفنان الراحل على الآنسي استطاع التعامل مع كلمات ومفردات القصيدة الشاعرة بمهارة كبيرة , والتي أظهرت إبداعات تلك الألحان في نهاية الستينيات من القرن الماضي عبر إذاعة صنعاء, حيث لحنها من مقام الحسيني , واستقر به على درجة الري , وهو مقام فرائحي دغدغ مشاعر كل سامعيه ". ويضيف: " على الرغم من أن تلك الأغنية العيدية قد سجلت بواسطة آلة العود فقط , إلا أنها ظلت متميزة ومتفردة , وستظل هكذا لأن قيمتها الإبداعية كبيرة وهي سبب استمرارها وتفوقها على نظيراتها من الأغاني العيدية ففيها تتجلى حقائق رسالة الفن كلمة و موسيقى وغناء ". خصوصية أخرى كما يرى الفنان العودي أن للأغنية خصوصية فنية أخرى, جمعت بين النص الشعري الجميل و اللحن الموسيقي المتميز, والأداء الغنائي بأصوات مختلفة لعدد من المطربين في مقدمتهم الرائع الراحل علي بن على الأنسي , والذي هو الآخر أسهم في ريادة الأغنية و فرادتها إلى جانب العديد من أصوات المطربين اليمنيين ,الذين نوعوا مكتبتي الإذاعة والتلفزيون لتسهما في انتشار الأغنية في أوساط الناس دون ملل أو رتابة لتصبح جزء لا يتجزأ من المركب النفسي والمعنوي والاجتماعي والثقافي لديهم... يقول العودي " ان الجمهور اليمني يعتبرها بمثابة بشارة العيد و الناطقة الرسمية باسمه في هذه المناسبات الخاصة ". بساطة المفردة ورقة المقطع من جهته يعتقد الفنان عبد الباسط الحارثي أن قيمة هذه الأغنية تكمن في بساطة مفرداتها الشعرية وجمالها , ورقة وعذوبة مقاطعها الموسيقية , وسلامة إيقاعها , إلى جانب ملامستها الوجدانية ودعوتها الصادقة للفضائل والقيم والخير والتسامح ... يقول الحاثي :" لقد جسدت هذه الأغنية أسمى معاني الحب والألفة والتراحم والتواصل بين أفراد المجتمع لذا فإن قيمة هذه الأغنية تكمن في بساطة مفرداتها الشعرية و جمالها ورقة وعذوبة جملها الموسيقية وسلامة إيقاعها الأمر الذي يجعلها تدخل القلب من أول رنة وتر تدغدغه أنامل الفنان الكبير علي الآنسي رحمة الله . ويشير إلى ان " هذه الأغنية تمتاز أيضا بخصوصية يمانيتها المستوحاة من صميم روح الشعب اليمني وجمال أراضيه وشموخ جبال اليمن وامتداد سواحلها ووديانها وعراقة تأريخها وحضارتها , ولعلها لذلك كانت ومازالت الأغنية الوحيدة التي أصبحت مرتبطة ارتباطا وثيقا بالعيد وبالإنسان اليمني لتمثل البشرى الأولى بقدوم العيد .. مقامات الآنسي إلى ذلك يستبعد الدكتور محمد على بركات ان يستقبل العيد أي يمني ويستأنس بأيامه مع الأهل والأحباب دون أن يردد مع الفنان الانسي " آنستنا يا عيد " ... ويقول بركات في مقال كتبه بعنوان " مقامات الانسي وخلود الإبداع " : مازلنا وسنظل نتذكره على مر السنين وسيظل خالداً في قلب كل يمني خلود أعماله الفنية وإبداعاته المتفردة التي يتغنى بها الكبير والصغير والتي أصبحت علامة بارزة ومضيئة تسعد القلوب وتغذي العقول في زمن أصيبت فيه الأوساط الفنية بضبابية الرؤية وحمى التنكر من الأصالة الفنية والإبداع الحقيقي ". ويرى بركات أن التناغم والتناسق مابين الأديب الحاذق والفنان المتمكن والذي توافر في أغنية "آنستنا يا عيد" للشاعر المطاع وجسده الفنان الكبير على الآنسي بلحنه وشدوه المتفرد والطروب والذي يهز المشاعر والوجدان قد منحها تلك الخصوصية والقيمة الفنية التي ستظل تتجدد .