لايزال سكان مدينة البيضاء يشكون من تكدس القمامة في الشوارع والأحياء السكنية في المدينة, وطفح المجاري في الشوارع العامة والتي يخيل للزائر أنها تدفق سيول في المدينة وليست مجارٍ. بالكاد يمر الشخص من أمام إدارة أمن المحافظة نظراً للروائح المنتنة من هناك, حيث إن غرف تفتيش الصرف الصحي مفتوحة وهو مايتسبب بالكثير من الأمراض التي انتشرت في مدينة البيضاء بصورة غير مسبوقة, وتبدوا البيضاء كما كانت منذ تسعة اشهر او اكثر, حيث تتكدس النفايات بشكل كبير في الشوارع, والحرائق تلتهم معظمها بعد ان عجز الناس عن وضع حلول لتراكمها, فيما الروائح الكريهة تعم الاحياء والشوارع العامة. مواطنون يبدو على وجوههم الغضب من اختلاط حياتهم برائحة بقايا مخلفاتهم، وعمال نظافة لا حول لهم ولا قوة يبحثون عن زيادة في أجورهم، ومسؤولون حكوميون يتحدثون عن عودة العمال لرفع القمامة والواقع على الأرض لايبشر بانفراج في اكبر كارثة تهدد حياة ابناء مدينة البيضاء. صحياً فإن تراكم أكوام القمامة والقاذورات لمدة طويلة يساهم في انتشار الذباب والبعوض ما يشكل وسطاً غير صحي وملائماً لانتشار الأمراض والأوبئة حسب اختصاصيين، وهو ما تؤكده أيضاً تقارير منظمة الصحة العالمية بأن أخطر الأمراض تحدث جراء تجمع النفايات في الأماكن وإهمال إزالتها، مما يصدر عنها تجمع الذباب والبعوض وتنقلها للمارة أو الأماكن التي حول هذه النفايات، مؤكدة أن أخطر أمراض تجمع النفايات هو مرض الالتهاب الكبدي بجميع فروعه (أ - ب - ج). من جهته يقول الدكتور احمد الخضر الشرفي :” إن تراكم القمامة يؤدي إلى العديد من الأمراض كالبكتيريا والأمراض العنفونية منها المرتبطة بالفطريات وهي عادة ما تكون قاتلة، لأنها تسبب إسهالات حادة خصوصاً الأطفال الذين هم أكثر عرضة للإسهالات والحمى بسبب تواجدهم للعب في الشوارع والأحياء”. ويضيف الشرفي: كما أن هناك أنواعاً خطيرة من الميكروبات التي تنمو مع تراكم القمامة والقاذورات منها ما يسبب حمى التيفوئيد والكوليرا ومنها ما يسبب التهابات بكتيرية حادة كالسلمونيلا وهي بكتيريا معوية تسبب اسهالات حادة وحمى ، وهناك بكتيريا تصيب العينين والجهاز التنفسي أيضاً تنشأ في نفس الوسط. وأوضح الشرفي ل “ الجمهورية” أن الحلول التي يقوم بها الأهالي وهي حرق أكوام القمامة ربما تجعل الأطفال وكبار السن والشباب أيضاً يعانون من أمراض تنفسية وخاصة ممن هم يعانون من الربو الشعيبي نتيجة حرق تلك المخلفات والذي ينتج عنها مواد متفحمة تحتوي على مواد عضوية وبلاستيكية، لكنه يظل الحل الأهون ضرراً، لأن بقاء المخلفات والقمامة كما هي يعتبر خطأ كبيراً وخطيراً، كونها تتحلل في البيئة ولذلك فإن حرقها أفضل من بقاءها كما هي- حد قوله. واعتبر الدكتور الشرفي مسألة تكدس أكوام القمامة مفتعلة من قبل بقايا النظام وممنهجة ضمن سلسلة العقاب الجماعي التي ينفذها النظام على مدينة البيضاء، محملاً مشروع النظافة مسؤولية ذلك التراكم الكريه للقمامة، مطالباً إياهم بأن يؤدوا واجبهم الإنساني والمهني تجاه هذه المدينة الطيبة وتجاه أبنائها. واتفق الصحفي مختار النقيب مع الدكتور الشرفي في افتعال أزمة تكدس أكوام القمامة وقال:” هو فعل مقصود من سلطة بقايا نظام صالح لمعاقبة مدينة البيضاء بسبب مشاركتها بالثورة بمعية تعز وعدن وصنعاء وكافة المدن اليمنية، ومحاولة الصاق السبب بتراكم أكوام القمامة بالساحات والثورة وهي لعبة من ألاعيب بقايا النظام الزائفة التي تقوم على تزييف الحقائق وتلوين الواقع وفق ما تريد”. أما عبدالله السوادي - ناشط إعلامي - وأحمد العوذلي يعتبران ما يحدث من نهب للخزينة العامة بالمحافظة والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين من غياب المياه وانقطاع الكهرباء وجعل المخلفات والقمامة تتراكم في الشوارع والأماكن السكنية وارتفاع الأسعار وانعدام النفط ومشتقاته يهدف إلى تركيع هذه المحافظة. الحق في الحياة قانونياً “ الحق في الحياة” كفلته المواثيق الدولية والقوانين الوضعية والشرائع السماوية وإن وجود هذه المخلفات وتراكمها يؤدي إلى انتهاك هذا الحق ولا تعفى أي دولة أو مؤسسة أو شخص من المسئولية أو من المحاسبة. يقول محمد الطالبي - احد القانونيين في البيضاء:” إن ما تتذرع به الجهة الحكومية المسئولة من عدم وجود ميزانية أو أي أسباب أخرى حول تبرير جريمة ترك أكوام القمامة متكدسة لأسابيع في الشوارع والأحياء غير مقبول مطلقاً ولا يعفيها من المسؤولية والمساءلة”. وأضاف:” تلك التبريرات ألاعيب تصطنعها الحكومة لأغراض سياسية وهذا لا يجوز قانوناً بحق الإنسانية ،ومثل ذلك تعتبر حاجات أساسية لابد للحكومة من توفيرها للمواطن، كون هذه الخدمات قد نصت عليها القوانين والمواثيق الدولية التي تكفل حق العيش الكريم للإنسان”. وتابع: ”ان القانون رقم (26)لسنة 1995م بشأن حماية البيئة يهدف بحسب المادة (3) إلى حماية البيئة والحفاظ على سلامتها وكذلك حماية المجتمع وصحة الإنسان من كافة الأنشطة والأفعال المضرة بيئيا، وتنص المادة(4)من هذا القانون أن لكل مواطن حقاً أساسياً في العيش في بيئة صحية ومتوازنة تتفق مع الكرامة الإنسانية وتسمح له بالنمو الصحي الجسماني والعقلي والفكري وتقع مسؤولية المحافظة إلى البيئة ومواردها ومكافحة التلوث على عاتق سلطات الدولة الرسمية والمؤسسات العامة والخاصة وكذلك الأفراد, وكذلك القانون رقم(29) لسنة1999م المتعلق بالنظافة ومن أهدافه حسب المادة(3) حماية البيئة وصحة المجتمع وعدم الإضرار بهما وكذلك التخلص من المخلفات بطرق صحية، وتحضر المادة(5)من هذا القانون إلقاء أو وضع أو ترك المخلفات في الميادين والساحات والشوارع والأرصفة والممرات والأزقة، بل إن المادة (6) تنص على أن يقوم مكتب الوزارة بتوفير الأوعية والحاويات وتحصي ثمنه، فيما تلزم المادة (7) من نفس القانون مكتب الوزارة بوضع براميل القمامة في الشوارع والميادين والساحات العامة لوضع المخلفات فيها بحيث لا يؤثر وجودها على مظهر المدينة، إضافة إلى التزام السلطات المختصة بنقل المخلفات يومياً على الأقل بحسب المادة (8) من هذا القانون”. أحد العاملين في مشروع النظافة بصندوق النظافة والتحسين بالمحافظة أوضح من جانبه أن السبب الرئيسي في تفشي المخلفات هو عدم صرف مستحقات العاملين في الصندوق نتيجة الأزمة التي تمر بها البلاد والظواهر المالية والتي يمر بها صندوق النظافة والتحسين .. مشيراً إلى أن غلاء المشتقات النفطية شكل أيضاً جزءاً من المشكلة, ودائماً ما يبرر المسؤولون في صندوق النظافة تراكم القمامة بعدم وجود مادة الديزل لسيارات القمامة.