ولأن الشيء بالشيء يذكر..أعادني كلام مدير فرع النظافة بمديرية صالة إلى نقل كلام الأخ محمد الحاج أمين عام محلي تعز عندما التقيته في أوج عفن تعز من جراء إضراب عمال النظافة قبل نحو شهرين للمطالبة بتثبيتهم رسمياً.. يومها قال الحاج: أولاً أنا لست ضد تثبيت عمال نظافة تعز، لكنني في ذات الوقت أدعو مراراً وتكراراً لإتاحة الفرصة لنا لإيجاد وابتكار بدائل وآليات مادية ومعنوية تخفف عن دور عامل النظافة، من البدائل المادية مثلاً تكثيف نشاط شاحنات نقل القمامة لتمر على الأحياء أكثر من مرة في اليوم لتلتقط أكياس القمامة الموضوعة والمعلقة أمام المنازل والمحلات والمطاعم دون حاجة أصحابها لرميها إلى براميل القمامة وأكوامها القبيحة ومن البدائل المعنوية بالطبع تزامناً مع المادية نشر الوعي للمواطن وحثه على مواكبة تلك الخطة عبر الإعلام والمساجد والمطبوعات و..و..الخ وهكذا وبشكل تدريجي سوف يترسخ هذا السلوك لتتحول مسئولية النظافة لدى المواطن قبل الدولة إلى قيمة أخلاقية ودينية بالغة الأثر. يضيف الحاج: قبل عملي في تعز كنت وكيلاً لمحافظة إب، لعل الكثير من الناس يتذكر ما وصلت إليه مدينة إب من مستوى عالٍ من النظافة والرقي والتحضر، ولم يكن مستوى الانسجام والتفاهم بيني وبين المحافظ الرائع عبدالقادر هلال والصلاحيات التي منحت لي للاضطلاع بمسئولية إنشاء وإنعاش صندوق النظافة والتحسين هناك، لم يكن ذلك فحسب وراء نجاحنا، فأبناء تلك المدينة الجميلة كانوا تواقين للجمال وما إن لمسوا الجدية الرسمية حتى بادر كل منهم بتنظيف حيه “تلقائياً” فما بالكم بأبناء تعز” الحالمة، المثقفة، ال ال ال..” وهذا ما كنت أتوقعه عندما انتخبت فيها أميناً عاماً لكن الرياح أحياناً أو أكثر تأتي بما لا تشتهي السفن، فحتى اليوم عجزت عن الاستئثار بمسئولية تنظيف مدينة تعز ومديرياتها “إدارة وإيراداً ونفقة”، فالمشكلة في عدم استقلالية ميزانية إيرادات ونفقات صندوق النظافة والتحسين عن باقي الإيرادات والنفقات التي تذهب إلى خارج صالح النظافة والتحسين. بعد أن تنفس الحاج ما احتقن في لسانه عن البوح لوسائل الإعلام، منذ ترك محافظة إب للعمل في تعز وحتى لقائي به، راح ينقل فحوى التجربة اليابانية في النظافة بالقول: تم اختياري مع عدد من رجالات الدولة قبل أقل من عامين للسفر إلى اليابان والصين للاطلاع على تجاربهم في مجالات التنمية الخدمية والبشرية واستلهامها لمحاولة تطبيقها على مدننا اليمنية، وفي إحدى المدن المتوسطة في اليابان التقينا أحد كبار المسئولين في بلديتها، سألناه عن آلية ووسائل وعدد عمال النظافة لديهم فأجاب باستغراب: لا يوجد لدينا مؤسسة رسمية معنية بتنظيف الشوارع ..يومها أصابنا الذهول وتبادلنا أنا وزملائي نظرات الاستغراب، لكننا واصلنا الاستفهام من المترجم حتى عرفنا أن المجتمع الياباني كما باقي بلدان أخرى متقدمة بلغ درجة عالية من الوعي بأهمية النظافة ، حتى أصبح عيباً على الفرد أن ينتظر عامل النظافة لالتقاط أبسط وأتفه العوالق المتطايرة من محل أو منزل أو.. أو.. هناك نجد الجميع يمر على الشارع ليلتقط أي “قشاية” من الطريق ويرميها في الصناديق “الأنيقة” للقمامة، فضلاً عن التزام كل فرد وكل تاجر بتنظيف الرصيف والشارع المحاذي والمقابل له بحيث يقتصر دور عمال النظافة على تفريغ وترحيل القمامة من تلك الصناديق الأنيقة، وبالمناسبة، عمال النظافة أولئك لا يعملون برواتب من الحكومة اليابانية بل تجدهم يعملون فرادى أو جماعات يتسابقون على محتوى صناديق وسلل القمامة حتى قبل أن تخرج من المطاعم والمتاجر للاستفادة من محتواها في إعادة التدوير أو ما يسمى ب "السكراب". يستطرد الحاج تاركاً التجربة اليابانية ويترك معها زفير تنهيدة لو ترجمت لقالت: كم ياترى أمامنا لنبلغ ولو نصف ما بلغه أولئك الفطس الرائعون. قرار تثبيت عمال النظافة وحيال القرار الحكومي لدولة الوفاق الوطني الممثلة بالأخ محمد سالم با سندوة بشأن تثبيت عمال النظافة في المحافظات، كان للحاج قول استثنائي قد لا يروق للبعض، لكنه أقرب لمنطق العقل..حيث قال: بالطبع نحن رحبنا بذلك القرار الحكيم الذي ترجم نبل المسئولية الإنسانية قبل الرسمية لدى الحكومة الرشيدة حيال إخواننا وأبنائنا عمال النظافة تلك الشريحة التي لا غنى عنها، لكن القرار كان ولا يزال بحاجة إلى إعادة النظر فيما يخص اشتراط التثبيت بإلزام المجالس المحلية في المحافظات على توريد”كافة” إيرادات صندوق النظافة والتحسين، فقد كان الأولى “توريد المبلغ المخصص للرواتب وما فاض عن ذلك يبقى لدى المجالس المحلية، كون ميزانية أجور العمال والموظفين في الصندوق لا تبلغ نصف الإيراد، فيما النصف الآخر ينبغي أن لا يورد إلى المالية لمواجهة النفقات التشغيلية من أدوات نظافة “براميل، سلل، مكانس، ثياب عمال، نفقات علاج، وقود، قطع غيار معدات....الخ” ويضيف الحاج: ومن يعلم ويدرك حجم مواجهة تلك النفقات ومطالب العمال الثانوية خارج الرواتب والبالغ عددهم أكثر من “2000”عامل يدرك أن هؤلاء جيش جرار سيشكلون عبئاً على المجالس المحلية إذا ما طبق القرار الحكومي بحذافيره.