الذي نعرفه عن دور الأيتام أنها ملاجئ تحتضن شريحة مهمة في المجتمع من فئة الفاقدين للأبوين “الأم الأب” وهذه الدُور تقوم بالواجب تجاه هؤلاء الأيتام؛ باعتبارها الأم والأب والمدرسة، وتعوض حالات النقص عند هذه الشريحة ليصبحوا مع الأيام ذوي أهمية في خدمة المجتمع بعد الاندماج في أوساط الساحة الإنسانية والحياتية. وهناك أدلة مشهودة وملموسة في مسألة الفائدة من هذه الدور وعلى سبيل المثال أن هناك من تتلمذ في هذه الدور متيتماً وعاش هناك وبعدها أصبح يتبوأ مقعداً كبيراً في الدولة، وغيره الكثير وفي مختلف المجالات تجد بصمات الأيتام في بناء المجتمعات. في الحديدة على سبيل المثال إن أردنا الحديث عن واحد من أهم الدور في الجمهورية اليمنية يوجد ما يسمى منذ وقت بعيد بدار التوجيه الاجتماعي، والذي يقع في قلب مدينة الحديدة حالياً وهذا الدار يصفه الآخرون بدار الأيتام وهو الاسم المناسب إن جاز القول باعتباره يضم مجموعة من المظلومين في المجتمع كانوا أيتاماً أو جانحين أو ممن يحتاجون للرعاية المطلوبة وبالأمس كان لهذا الدار بمسماه دار التوجيه الاجتماعي أو دار الرعاية للأيتام دور مشهود في تبني النزلاء بمختلف صفاتهم وسلوكهم حيث ساهم هذا المرفق في إخراج هؤلاء النزلاء من الظلمات إلى النور بمعنى أن هناك من استطاع أن يستفيد من هذه الرعاية والوصول إلى مكانة مرموقة بين الناس وحاز على المناصب وأصبح قائداً ومعلماً وضابطاً وتاجراً وسفيراً ووزيراً وهذا المعنى تجسد في دار التوجيه الاجتماعي بالحديدة. اتصال مفتوح نزلاء الدار خرجوا عن صمتهم وأغلقوا الدار في وجه المدير طلال الدبعي وأعلنوا أنهم سوف يظلون معتصمين إلى أن تستجيب لهم قيادة السلطة المحلية ممثلة بالأخ أكرم عطية محافظ المحافظة وتعين من يكون قادرا على حمل المسئولية بأمانة وانتشالهم مما هم عليه إلا أن الأيام تمر، بل والأسابيع والسلطة المحلية عاملة أذنا من طين والأخرى من عجين، ومع هذا ظل النزلاء متمسكين في مطالبهم..“الجمهورية” استطلعت الآراء وخرجت بهذه الحصيلة: أمراض جلدية الأطفال أحباب الله والعناية بهم وبالذات الأيتام يكسب صاحبه الأجر في الدنيا والآخرة.. الطفل ضيف الله إبراهيم عمره لا يتجاوز الثماني سنوات على جسمه أمراض جلدية “صنافير” مثله مثل بقية أقرانه الأطفال الذين لا يجدون العناية والرعاية بالدار التي بحسب مايقال دكتورها غير "فاضي" للأطفال والعلاج غير متوفر في الصيدلية التي يفترض أن تكون أحد مكونات دار الرعاية. يقول الطفل ضيف الله إبراهيم: إننا ننام مثل الحيوانات في فرش متسخة وممزقة في غرفة حرارتها مرتفعة ولا نجد هواء باردا؛ وذلك لأن المراوح عطلانة.. ف”الصنافير” سببها الفرش المتسخة، بالإضافة إلى عدم وجود من يهتم بنا من حيث النظافة والرعاية.. إننا في الدار نتمنى أن نخرج في رحلة، لكن أحلامنا دائماً ما تقابل بالرفض من قبل مدير الدار. فاصوليا مدودة الطفل راشد محمد حسن عمره عشر سنوات من وصاب، لا يختلف عن زميله في شيء من حيث الشكوى إلا أنه أعطانا صورة موجزة عن الطعام الذي يتناوله في الدار الذي تدعمه الدولة ورجال الخير من رجال الأعمال والشخصيات الاجتماعية بالمحافظة حيث وصف المأساة بأن الفاصوليا تدود بالثلاجة نتيجة انقطاع الكهرباء ولا يتم رميها، بل يتم تقديمها لهم كوجبة عشاء. وزاد في وصف المعاناة حينما أخبرنا بأن الدار يطلب منهم التحطيب فيمشون حفاة الأرجل فتصاب أقدامهم بالأشواك، ولا أحد يأبه لهم ولا للملابس المتسخة التي يرتدونها. الجوع أكرم منصور محمد صالح سبع سنوات صف أول ابتدائي يقول: نجلس جاوعين بلا صبوح وما نأكل سوى روتي وزبادي والعشاء زبدة وجام.. أما الغداء رز وإدام، نريد نأكل لحما أوسمكا وفاكهة بدلاً من الحبة المانجا التي يتقاسمها ثلاثة. طالب يتحول إلى راعٍ الطالب علي سليمان من مديرية التحيتا: لي خمس سنوات أدرس إلى مرحلة الصف الخامس مدير الدار أخذني إلى قريته أرعى غنم والدته وكانت تعطيني كل نهاية خميس ألفي ريال وعندما علم طلب من والدته أن ترسل المبلغ إلى عنده بحجة أني سوف أصرفها ومن بعدها لم أستلم ريالا واحدا.. عدت إلى الدار وحصلت مشاكل مع بعض المشرفين فقال المدير: أنت حق مشاكل فطردني من الدار فطلبت منه حقوقي المتمثلة في التوفير البريدي فرفض فطردنا من الدار وكلما كنت أحضر للدار أتغدى مع زملائي لبسني تهمة بأني سارق فحبست.. اليوم عندما طرد المدير من الدار من قبل الطلاب والنزلاء عدت إليهم؛ لأنه ليس لي مكان ألجأ إليه. فساد مستشرٍ عثمان إبراهيم صغير إبراهيم أحد طلاب الدار منذ سبع سنوات: المشاكل التي تواجهنا هي أن الدار يعاني من نقص في التغذية والسكن، وتوفير الملابس وإذا تحدثنا عن التغذية نجد أن الطلاب يحصلون أحياناً على فاصوليا أو زبدة وجام ورز مع الإدام بدون صلصة.. وأما الملابس الطالب لا يستلم أي ملابس من الدار بصورة رسمية، بل أحياناً تصلهم من التجار وفاعلي الخير الذين يوزعون للأيتام برمضان، الفرشان يتوارثها الطلاب فيما بينهم ويمكن القول إن عمرها حوالي ثلاث عشرة سنة.. المراوح معطلة والدواليب مذحلة ومكسرة والحمامات حالتها يرثى لها لدرجة أن الطلاب لا يجدون أين يقضون حاجتهم فالدور الأعلى يوجد فيه حمامات مخربة والأيتام الصغار عندما لا يستطيعون الدخول الحمامات في الليل لعدم وجود إضاءة تجدهم يقضون حاجتهم على ملابسهم. وخلال السنوات التي عشتها بالدار لا يوجد مشرف رسمي وكأن الدولة لا تهتم بالدار والمشرفين الجدد لا يقدمون أي خدمة تذكر.. الطلاب يقع على كاهلهم الكثير فهم من يقومون بغسل صحون الطعام والطباخة لعدم وجود طباخ رسمي. من حقوقي التي سلبت أني حفظت المصحف في مسجد قريب من الدار وعندما جاء أحد رجال الأعمال استدعاني المدير وأخذ يمدحني على أساس أني من طلاب الدار وأحفظ القرآن فاقترح التاجر أن أحفظ القرآن في حلقة مقابل عشرة آلاف ريال راتبا شهريا واستلمت راتب الشهر الأول.. وفي الشهر الثالث أعطاني المدير نصف المبلغ ومن مارس 2011م إلى يونيو لم أستلم شيئا وعندما سألته لماذا قال إني أتلاعب فقلت لابد من الظالم من يوم. في إحدى الصحف جاء على لسان مدير الدار أن الدار يحتاج إلى إمكانيات، وأن الدار بداخله ثلاثمائة يتيم ويكفل ألف يتيم من خارج الدار.. ولو تزور الدار فلن تجد سوى ثلاثين طالبا فبنية الدار يتكون من ثلاث غرف غرفة للكبار تحوي ثمانية أسرة وغرفة للأعمار المتوسطة وبها خمسة عشر سريرا والغرفة الأخيرة الخاصة بالأطفال تحوي عشرين سريرا.. الوضع مأساوي داخل الدار.. الطلاب يغسلون ملابسهم بأنفسهم ولايجدون شربة ماء باردة.. إننا نريد للدار مديرا نزيها يعيد لليتيم حقوقه ويرعى كرامتهم، ويحقق المطالب التي ثرنا من أجلها فالطلاب بالدار كرامتهم مهانة ويعتدى عليهم بالضرب. عقوبات وليد عبدالله يحيى: لي في الدار خمس سنوات نحصل على مبالغ مالية من التجار وفاعلي الخير وبالذات في رمضان يتم أخذها منا وقد كان يوجد بالمسجد مكيف إلا أنه نقل إلى المسرح، وهناك عقوبات تنفذ ضد الطلاب بغسل الحمامات أو الضرب داخل الورش، وقد توقفت عن الدراسة بعد وصولي مرحلة خامس ابتدائي وذلك بسبب عدم وجود تغذية وملابس تظهرنا كطلاب بعض الأحيان يتم تشغيلنا خارج الدار دون مقابل. وعود كاذبة الأخ عبدالله عبده محمد حسون مدرب في ورشة النجارة بدار التوجيه الاجتماعي يقول: لي أربع سنوات أعمل مدربا في الورشة لطلاب الدار ومدربا لأطفال الشوارع والأحداث براتب تعاقدي قدره خمشة عشر ألف ريال، ظللت أستلم الراتب الذي لايكفي قيمة شرب ماء لمدة سنة بعدها أخبرني المدير أن الميزانية لاتكفي ووعد بتوظيفي وبقيت الوعود ترحل عاما بعد عام، وأنا أعمل بدون راتب وبدون وظيفة رسمية. بلا راتب الأخ أحمد مقبل عبدالرحمن مدرب ورشة لحام قال: لي في الدار أربع عشرة سنة فأنا أحد نزلائه وتعلمت على أيادي معلمين في مجال اللحام؛ وكوني كنت من المتفوقين، فقد استدعيت للعمل عام 2006م وتعاقد معي الدار بمبلغ خمسة عشر ألف ريال، ولم أستلم أي مبلغ منذ تلك الفترة وحتى اليوم فقط أعمل مقابل أكلي وشربي وماجعلني أصبر حبي للدار الذي احتضنني. أشعر بالفخر الزميل قاسم البعيصي يقول عن الدار الذي احتضنه قبل أن يتردى وأصبح لايقدم شيئا يحسب له ليقارن بين مرحلتين كشاهد على الدار حيث يقول عن المرحلة التي عاشها: أنا لا أعتبر نفسي إنساناً إذا لم تكن لديّ الشجاعة في الاعتراف بهذا الدار الذي قضيت فيه ما يقارب ستة عشر عاماً لاجئاً بعد أن كتب الله لي طريق المستقبل في الوقت الذي وجدت فيه إنسانيتي تتجه إلى الموت أو العيش بصورة المشرد الذي تنتظره القضبان الحديدية والحمدلله أجد الفخر في الحديث عن هذه المدرسة دار التوجيه التي كانت تحتضن النزيل وتوفر له كل سبل العيش والرعاية والاهتمام الذي يلقاه بدار يضم عددا من النزلاء ومن عموم محافظات الوطن. لا حياة لمن تنادي الأستاذ محمد حسين أحمد العنزة مدير مدرسة دار الرعاية بدار الأيتام يصف العملية التعليمية وأوضاع الدار وانعكاسه على مستوى تحصيل الطلاب بالقول: على الرغم من أن العملية التعليمية تسير بأفضل حال إلا أن هناك عراقيل تواجهنا من إدارة الدار فالمدرسة لايوجد في إدارتها نشاط مالي يسهم في توفير الكتاب المدرسي والكراسي وطبع الامتحانات إلا أننا بالتعاون مع المدرسين والخيرين استطعنا توفيرها وتهيئة الفصول بحيث تتناسب مع العملية التربوية وعند توفير كراسي عددها خمسون، استلمناها من التربية فوجئنا بخروجها في الإجازة ويقال إنها بيعت بالسوق السوداء ورواية أخرى تفيد أنها استخدمت لمدرسة خاصة.. بلغنا حينها مكتب التربية والمحافظة ومازالت القضية قائمة ولم يبت فيها.. ومن المؤسف أنه حينما زارنا الوكيل المساعد للمحافظة الأخ محمد الفاشق طلبنا منه مراوح للفصول فتبرع مشكوراً بخمس استلمتها إدارة الدار ولم تركب وفي أحد الأيام عندما وجدنا الطلاب يغسلون ملابسهم بأيديهم تواصلت مع سيدة من أهل الخير وأعطتنا ثمانين ألف ريال اشترينا بالمبلغ غسالة كبيرة إلا أننا كالعادة تفاجأنا باختفاء الغسالة من الدار. إن حالة الطلاب النفسية يرثى لها؛ فهم متعبون نظراً لانعدام وجود المكان المناسب للنوم والملابس المدرسية والطعام المناسب؛ الأمر الذي ينعكس عليهم وعلى مستواهم الدراسي.