بسبب جنى الأرباح.. هبوط جماعي لأسعار المعادن    غيل بن يمين وادي الإرهاب الخفي وملاذ للجماعات المتمردة والإرهابية    ناشطون: الموساد يُدير معركة حضرموت    المنتخبات المتأهلة إلى ثمن نهائي كأس الأمم الأفريقية 2025    احتجاجات واسعة في مقديشو تنديدًا باعتراف العدو الصهيوني بإقليم أرض الصومال    لسنا بنادق للإيجار.. كاتب جنوبي يؤكد الشراكة مع التحالف ويحذر من استهداف قضية الجنوب    الشرعية حين تتحول من مبدأ قانوني إلى أداة تعطيل    أكد موقف اليمن الثابت مع الصومال ضد العدو الاسرائيلي .. قائد الثورة: أي تواجد إسرائيلي في إقليم أرض الصومال سيكون هدفاً عسكرياً لقواتنا المسلحة    نائب وزير العدل يتفقد تجهيز مقرات المحاكم الابتدائية المنشأة حديثًا بأمانة العاصمة    وزارة الصحة: العدوان استهدف 542 منشأة صحية وحرم 20 مليون يمني من الرعاية الطبية    حمداً لله على السلامة    الإفراج عن 108 سجناء من الحديدة بمناسبة جمعة رجب    صحيفة بريطانية: توترات حضرموت تنذر بانفجار صراع جديد يهدد مسار التهدئة في اليمن    خلال تدشينه مشروع التحول الإلكتروني لصندوق التقاعد الأمني .. اللواء المرتضى: المتقاعدون يستحقون الاهتمام فقد أفنوا سنوات طويلة في خدمة الوطن    المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام ينفذ عمليات واسعة لإتلاف مخلفات العدوان بمحافظة الجوف    إيمان الهوية وهوية الإيمان    تكريم البروفيسور محمد الشرجبي في ختام المؤتمر العالمي الرابع عشر لجراحة التجميل بموسكو    مرض الفشل الكلوي (34)    حين يكون الإيمان هوية يكون اليمن نموذجا    الهوية والوعي في مواجهة الاستكبار    الطبيب الخزان يشكو ما تعرض له في مبنى قضائي بصنعاء للنائب العام    الدكتور هادي دلول أستاذ العلاقات الدولية والمستشار في الفيزياء النووية في طهران:نبارك اتفاق إطلاق الأسرى في اليمن وتنفيذه متوقف على مصداقية الطرف الآخر والتزامه    فلسطين الوطن البشارة    العليمي يشن الحروب على الجنوب لحماية سرقاته لنفط شبوة وحضرموت    المكلا حضرموت ينفرد بصدارة المجموعة الثالثة بدوري الدرجة الثانية لكرة القدم    العرادة يدشن حزمة مشاريع خدمية وتنموية لتعزيز البنية التحتية في مأرب    الشؤون الخارجية بالانتقالي تبحث التعاون مع المفوضية السامية وتؤكد احترام المجلس لحقوق الإنسان    الأرصاد: سحب منخفضة كثيفة على سقطرى والسواحل والمرتفعات المحاذية    منذ أكثر من شهر.. مليشيا الحوثي تمنع دخول عشرات الشاحنات المحملة بمادة الأخشاب    مجلس الأمن الدولي يعقد جلسة طارئة غدا لبحث الاعتراف الإسرائيلي ب"أرض الصومال"    ورشة حول الصحة والسلامة المهنية بصنعاء    بيان مليونية سيئون يجدد التفويض للرئيس الزُبيدي لإعلان دولة الجنوب العربي    ميلان يقسو على فيرونا بثلاثية ويعتلي صدارة "الكالتشيو" مؤقتاً    أمين العاصمة يتفقد أعمال صيانة شارع سبأ بمشاركة مجتمعية    خفر السواحل تحذر من السباحة قبالة سواحل عدن وأبين وشبوة    المحرّمي يطّلع على سير العمل في المؤسسة العامة للاتصالات وخططها المستقبلية    هل بات قادة اوروبا يخشون "سلام ترامب" في أوكرانيا؟!    نيجيريا تسقط تونس في مباراة مثيرة وتبلغ ثمن نهائي كأس أمم إفريقيا    هروب    الاعتراف الإسرائيلي بالصومال خطر يهدد الجنوب العربي وخليج عدن    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    رشاد العليمي يسهل لنجله عبدالحافظ سرقة نفط حضرموت    محمد صلاح يواصل تحطيم الأرقام القياسية في «كأس أمم إفريقيا»    الصحفي المهتم بقضايا الناس وانشطة الصحافة الثقافية عبدالعزيز الويز    قراءة تحليلية لنص «صدمة استقبلتها بقهقهة» ل"أحمد سيف حاشد"    دوري روشن السعودي: اتحاد جدة يهزم الشباب بثنائية نظيفة    اكتشاف آثار حضارة متطورة في باكستان    ضربة بداية منافسات بطولة كأس العالم للشطرنج السريع والخاطف قطر 2025    اتحاد حضرموت بحافظ على صدارة المجموعة الثانية بدوري الدرجة الثانية    القيادة التنفيذية العُليا تناقش الجهود المبذولة لتأمين الخدمات للمواطنين ومراقبة أسعار الصرف    ما علاقة ضوء الشمس بداء السكري.. نصيحة للمصابين    العطاس: نخب اليمن واللطميات المبالغ فيها بشأن حضرموت"    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالله معجب:ثورات الربيع العربي فجرت طاقات الإبداع لدى الشباب
نشر في الجمهورية يوم 27 - 09 - 2012

شاعر مسكون بالوطن والوطنية منذ وقت مبكر من حياته الأدبية، ولطالما حلّق عاليا في العديد من القصائد الوطنية التي اشتهرت خاصة في مرحلة الثمانينيات وتغنى بها الكثير، وعلى قدمها لا تزال فرائد ودررا على لسان الكثير من أبناء الوطن في الريف قبل المدينة، خلد مؤخرا إلى القراءة والتأمل على حساب نظم الشعر أو حتى الكتابة كما يرى المحرر، ملتزماً بالإجادة كعادته في قصائده المتأخرة، ومحافظا على ذات الروح العالية التي عرف بها، بين يدي القارئ هذه الطيافة الأدبية الرائعة كانت معظم أسئلتها من وحي ديوانيه الشعريين, خاصة الأول منهما “آيات من سور الغضب” لا تخفى على القارئ.
- أين توارى الشاعر عبدالله معجب في الآونة الأخيرة؟
لست أدري ما ذا تعني بالتحديد بعبارة “في الآونة الأخيرة” فالحقيقة أني لم أتوارَ نهائيا من الساحة الشعرية في السنوات القريبة الماضية، فقد نشر لي عدد لا بأس به من القصائد في صحيفة الثورة وصحيفة 26 سبتمبر والثورة الثقافي وغيرها.
- جميل.. ما الموضوع الفني الذي تناولته هذه القصائد؟
دار بعضها حول أوضاع وهموم الأمة والوطن والثورة والوحدة، ودار بعضها “وهي بضعة نصوص” حول شخصية الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم حبا ومدحا وثناء وردا على الهجمات والحملات الحاقدة والجاهلة التي مست وأساءت إلى ذاته وإلى سيرته وأخلاقه العظيمة التي ما زال إشعاعها وهداها يملأ الدنيا حتى يوم الناس هذا، وسيظل متوهجا وضاءً ما دامت الحياة، وبعض تلك القصائد كانت رثائية وتوديعية لعدد من الشخصيات الوطنية الكبيرة والأصدقاء الحميمين الذين التحقوا بالرفيق الأعلى بعد أن تركوا إرثا عطائيا وأخلاقيا رائدا ومتميزا. هذا بالإضافة إلى عدد من النصوص التي كتبتها ولم أنشرها وأودعتها في خانة الانتظار تترقب موعد نشرها وصدورها. وأريد أن أؤكد لك من جديد هنا ما قلته لك أخي ثابت في لقاء سابق معك قبل سنوات أنني شاعر هَاوٍ ولست شاعرا محترفا، وقد تستغرب لهذا التوصيف، فأنا أكتب الشعر وأتعاطاه على “أقل من مهلي” كما يقول الناس في تعبيرهم اليومي المتداول، وأقوله في فترات متباعدة بعض الشيء عن بعضها، ولا أنخرط في كتابته والتعاطي معه عند كل هاجس أو إحساس يستدعيني أو ينتابني، أو عند أية فكرة أو تصور أو همِّ أو قضية تستوقفني وتعتري حياتي.
- إذن أريد الآن تعريفا أو تشخيصا للشاعر الهاوي والشاعر المحترف من وجهة نظرك؟
يمكن القول إن الشاعر الهاوي هو شخص متمرد على الشعر، قليل الانقياد له، يقو الشعر ويكتبه؛ لكن بقدر غير قليل من المزاجية والانتقائية “وعلى راحته” بعكس الشاعر المحترف الذي يكرس للشعر الكثير من وقته والكثير من جهده وتركيزه، فتراه خادما مطيعا للشعر عاكفا عليه منشغلا به في كل شاردة وواردة، وفي كل صغير وكبيرة، وهذا النوع المطواع للشعر لا يرى بأسا في أن يكتب كل يوم نصا شعريا، ويصبح عنده ما يمكن أن نطلق عليه “إسهالا شعريا”!! وعلى الرغم من سماتي التي تجعلني من هواة الشعر لا من محترفيه، ومن المتأبّين عليه لا المنقادين له، فإن بين يدي الآن أربع مجموعات شعرية أنوي إصدارها خلال الفترة القادمة إن شاء الله، لتلتحق بالثلاث المجموعات الشعرية التي صدرت لي خلال السنوات المنصرمة من حياتي الشعرية، وهي: “آيات من سور الغضب” و “قصائد انتفاضية” و “مواكب الحب” ولكني أعود لأقول بصراحة: إنني أتعامل مع أشعاري ومسألة نشرها وإصدارها بقدر لا أُحسد عليه من الكسل والبطء؛ بل ومن التسويف والمماطلة أيضا.
- لطالما صدح الشاعر عبدالله معجب وتغنى بسبتمبر المجد وأكتوبر النصر، فأين قصائد وروائع الثورة الجديدة؟
من المؤكد أن ثورات الربيع العربي قد فجرت في الإنسان العربي، وخاصة في جيل الشباب طاقات خلاقة لا حدود لها وينابيع ثرية من الإبداع والعطاء الأدبي والفني المتدفق، أحيا الأرض العربية بعد مواتها، وأترع أرجاءها وآفاقها بثورة هائلة من الروائع والأعمال الخالدة من شعر وأنشودة وأغنية، ومن قصة ومسرحية وتمثيلية ومقالة وخاطرة وحكاية شعبية، ناهيك عن البحوث والدراسات والمؤلفات، كما أن هذا الإبداع الربيعي الثوري قد أدهش الإنسان في العالم كله وليس في الوطن العربي وحده وأمدّه بقيم وأخلاقيات ومسلكيات إنسانية شامخة وساطعة من الإرادة والصمود والصبر والثبات، ومن النضال السلمي والمقاومة السلمية الأسطورية، وما فيها من صور البسالة والبطولات والتضحية، ومن الفداء والشهادة التي تقدم في سبيل الأوطان وقضاياها وحقوقها العادلة والمشروعة حتى أصبحت هذه المثل والقيم ملهمة لكل شعوب الأرض، وحتى أصبح الشباب العربي الثائر مضرب المثل والأسوة والقدوة في العالم كله.
- أستاذ عبدالله قد ينظر لكم البعض من الشباب من الملتحقين بثورات الربيع العربي بأنكم أنتم الرواد الأوائل قد قصرتم في حق هذه الثورات والشعوب، ما ذا ترى؟
ربما هذا صحيح.. وإذا كان الكثير من كبار الشعراء، وأعني بهم من بلغوا من العمر عتيا، وليس الكبار في مواهبهم وعطائهم وأنا واحد منهم قد قصروا في حق ثورات الربيع العربي فإن الله قد هيأ لهذا الربيع وثوراته العظيمة أفواجا من الشباب المبدعين الرائعين الذين كفوا ووفوا، وأعطوا هذه الثورات الشعبية حقها بكل حب واقتدار، وبكل أمانة وتفان وإحساس بالمسئولية، وانتماء مخلص وصادق إليها.
- أين أنت شخصيا من هذا الربيع ذاته؟
فيما يخصني فقد كان لي تجاه هذا الربيع العربي الثوري إسهام متواضع جدا، هو عبارة عن نصين طويلين، الأول: عمل شعري غنائي صيغ ليتغنى به، عنوانه: “نشيد الربيع العربي” والثاني قصيدة اتخذت اسم: “إرادة الأمة إرادة الله” والنصان لما يتم نشرهما بعد.. وكما سبق وأن قلت، فإن الربيع العربي غني بما فجره من ثروة وثورة أدبية وفنية عظيمة، فما عسى أن تزيده أو تضيف إليه بضعة نصوص تأتي من هنا أو هناك؟
- “سبتمبر المجد هل راقتك دنيانا”؟ رائعة “معجبية” من طراز فريد لطالما هام بجمالها الأثير عامل الحقل وراعي الغنم قبل الأديب أو المتأدب بحميمية لامست شغاف القلوب، ولا تزال واسطة عقد القصائد الوطنية ودرة تاجها وفي وجدان كل يمني سمعها وهام بها.. ما ذا يعني لك سبتمبر المجد وأكتوبر النصر كيمني أولا وكشاعر ومثقف ثانيا؟ ثم لماذا انقطع نتاج وإبداع الشاعر عبدالله معجب في الآونة الأخيرة؟ هل للأدب عمر محدد؟
سبتمبر وأكتوبر معا يعنيان لي الانعتاق والانطلاق، الانعتاق من الاستبداد والإذلال، من التخلف والتبعية، من الجهل والفقر والمرض، من قيود الإمامة وأغلال الاستعمار.. والانطلاق إلى آفاق العزة والحرية، إلى عوالم الثورة والتجديد والحضارة، إلى مواكبة العصر بكل ما يحمله العصر الجديد من أحلام وأشواق وآمال وتطلعات وبما يرسمه ويعج به من معانٍ وقيم ومبادئ تعلي قيمة الإنسان وتمجد كرامته وحقوقه باعتبار الإنسان غاية القيم وأعلاها على الإطلاق.
ومن يتأمل في صورة اليمن القاتمة والكالحة قبل سبتمبر وأكتوبر من استبداد وبؤس وتخلف وجهل ومرض في الشمال ومن إذلال وتبعية وتناثر المحميات والمشيخات والسلطنات في الجنوب، وما كان يخيم على أبنائها من تخلف شامل، أقول: من يتأمل بإمعان وعمق في تلك الصورة المأساوية المحزنة التي كانت عليها اليمن شمالا وجنوبا في ذلك العهد يعرف كل المعرفة ما تعني له ثورة 26 سبتمبر 1962م، وما تعني له ثورة 14 أكتوبر 1963م.
ومن أجل هذا ضحى اليمنيون، واسترخصوا في سبيل انتصار ثورتهم أغلى التضحيات، وتدافعوا إلى ميادين النضال والمقاومة، وسقطت الآلاف المؤلفة منهم في دروب الشهادة والفداء، وتحمل الآلاف منهم أيضا آلام العاهات والإعاقات الدائمة ممن أصيبوا في خضم المواجهة والمقاومة التي فرضتها وحتمتها الثورة.. كل هذا فعله اليمنيون لأنهم أدركوا ما تعنيه الثورة، وأدركوا أن الخروج من ذلك الظلام والظلم والبؤس الذي كانوا يرزحون تحت نيره يحتاج إلى تلك الثورة، ويحتاج إلى كل تلك النضالات والتضحيات، وهذا ما فعلوه وأقدموا عليه، وتركوه إرثا خالدا للأجيال من بعدهم ليحفظوه ويفاخروا به، ويستلهموه عبر الزمن.
أما عن قولك: هل للأدب عمر محدد؟ فأظن أنها مقولة قد لا تكون صحيحة على إطلاقها، بمعنى أنها قد تكون صحيحة حينا، وفي حالات معينة، وقد تكون غير صحيحة حينا آخر وفي حالات أخرى. على أن هناك من النقاد والدارسين من يميل إلى القول بأن للأدب والإبداع عمرا محددا، ولكن هناك من زملائهم النقاد والدارسين من لا يوافقهم هذا الرأي.
ونحن نجد أن بعض الأدباء والمفكرين لا يزيدهم تقدم العمر إلا نضجا وعمقا وأصالة فيما يبدعون وينتجون، وهذا دليل ينسف مقولة من يرون أن للأدب والإنتاج الفكري عمرا محددا يتوقف عند بلوغه.
- ثمة أطياف “لازوردية” من بقايا حلم لطالما حلقت وحامت في وجدان الشاعر عبدالله معجب وهو ينسج صورها البديعة قبل ربع قرن من الزمن.. هل تجسد شيء منها على أرض الواقع؟ أم أن أحلام الأمس لا تزال أحلام اليوم؟
لا شك كما جاء في السؤال أن أحلام الأمس تظل هي أحلام اليوم.. لا. بل إن أحلام الأمس قد تضاعفت اليوم وأضيفت إليها أحلام كثيرة أخرى، بمعنى أن التركة والأعباء التي كانت تثقل واقعنا وحياتنا قد ازدادت شدتها ووطأتها. وكثير ما يلقاني أناس ممن يهتمون ويولعون بالشعر ويقولون لي: إن قصائدك التي ألقيتها قبل أكثر من ربع قرن من الزمن وهي قصائد تنتقد الأوضاع والأحوال التي كانت سائدة عندما قيلت ما زالت غضة طرية وكأنها قيلت اليوم، ومثلما كانت صالحة لتناول أوضاع تلك الأيام الخوالي فهي ما تزال محتفظة بصلاحيتها لتناول أوضاعنا الآن وفي هذه اللحظة. مثلا كنت في تلك القصائد الملتهبة أنتقد بشدة مساوئ الواقع العربي، بعد كل هذه السنوات الطويلة من نقد الناقدين له والمتبرمين به والمتذمرين من حكامه وممارساتهم وأخطائهم لن تجد شيئا ذا بال قد تغير من هذا الواقع إلا نحو الأخزى والأسوأ. ولم تزدد المشاكل والمآسي والمخازي فيه إلا تراكما وتعقيدا وحدة؛ ولكن بعد أن “بلغ السيل الزبى” و “طفح الكيل” من سوء هذا الواقع وترديه وبشاعته أشرقت شمس الربيع العربي وتفتقت أوراقه وأغصانه وأزهاره مع إطلالة العام 2011م وبدأت ثورات هذا الربيع العربي تسطر عهدا عربيا جديدا مشرقا بكل الآمال والتطلعات والأحلام التي ينشدها أبناء الأمة، وخاصة الأجيال الصاعدة منهم ولتنتهي كل التركات والمواريث الثقال التي رزح العرب تحت وطأتها عقودا، بل قرونا، على أن طريق هذا الربيع العربي ما يزال صعبا وكؤودا ومليئا بالأخطار والتهديدات والتحديات الكثيرة، ولكننا نؤمن بأن إرادة الجماهير هي المنتصرة في نهاية المطاف لأنها من إرادة الله، ولا أمل ولا مستقبل لمن يقف في وجه هذه الإرادة.
- “وغدا يطل الحق من عليائه ليطير في الآفاق والآماد” ألا ترى أن هذا الغد قد طال كثيرا؟ أم أن غد الشاعر لا يأتي أصلاً؟!
حتى وإن كان هذا الغد كما تقول قد طال فها هو قد أتى، وليس كما جاء في السؤال بأن غد الشاعر لا يأتي أصلا. هذا الغد “غد الشاعر” قد أطل من عليائه حقا، من علياء الربيع العربي وسحابه وبروقه، ورعوده وغيوثه التي ملأت الآفاق ودوى صداها ملء دنيانا العربية بل وملء الدنيا كلها. هذا هو الغد الذي ظللنا ننتظره طويلا، وليس للشاعر غد آخر خاص به إلا إذا كان شخصا نرجسيا يعيش داخل قوقعة ذاته، أما الشاعر الجماهيري فليس له غده الخاص لأن غده هو غد الناس، وغد الناس هو غده، بفرحهم يفرح، ولآلامهم يتألم، جراحاتهم تصيبه، وسعادتهم تناله وتصل إليه.
- الشعر موقف.. الشعر قضية إلى أي حد تنطبق هذه المقولة على كثير من شعرائنا؟ وهل تتفق أولا مع المقولة على إطلاقها؟ أم أن في النظرة استثناءات أخر؟
أنا مع مقولة أن الشعر قضية، والشعر موقف تماما، ولا مكان عندي لرأي يغاير هذا، حتى إن الشعراء الذين يحيدون بالشعر عن دروب الجماهير وقضاياها وآمالها وينصرفون إلى عبادة الأشخاص وتمجيدهم والدوران في فلكهم إنما يعمل الكثير منهم هذا لاعتقادهم خطأ وتوهما طبعا بأن مسلكهم وتوجههم الشعري هذا إنما يعبر عن قضية يؤمنون بها، ويعبر عن موقف يقتنعون به ويدافعون عنه، وهم على أية حال أحرار فيما يؤمنون ويقتنعون به، ولكن تقييم مواقفهم وقناعاتهم هذه والحكم عليها بالصواب أو الخطأ إنما يكون أولا وأخيرا للجماهير وحدها، فهي وحدها تعرف مَن مِن هؤلاء معها ومن منهم ليس معها، وعلى هذا الأساس يتفاوت الشعراء ويتفاضلون ويبقون إما محمودين في ذاكرة الشعوب أو مذمومين مقبوحين لديها.
لا مال قارون يثنينا اليوم بوفرته
ولا عصي السحر تجدي اليوم هامانا
إن الطموحات دين لا نخالفه
فكيف نعبد شيكات وأطنانا
لا بنك علان تغرينا خزائنه
ولن نداهن زعطانا وفلتانا
لنا إباء تعالى أن يدنسه
كسب رخيص فقري يا ضحايانا
دماك والله ما زالت تعلمنا
أن السيادة تأبى الخلد أحيانا”
-حبذا لو قدم لنا الشاعر قراءة نثرية لهذه الرائعة الرمزية؟
تستطيع أنت أن تقرأ هذه الأبيات وأن تفسرها وتفهمها أو تنتقدها كما تشاء، ويستطيع أي دارس أو ناقد أن يفعل ذلك، ومن هنا تتعدد القراءات للنص الواحد بحسب تعدد الدارسين والنقاد الذين يتناولونه ويقرؤونه، وما يحمله كل منهم من ثقافة وآراء وتصورات، والزاوية التي ينظر بها إليه وينفذ إليه من خلالها. أما الشاعر أو مبدع النص أي نص أدبي أو فني فلا يحسن به أن يقرأ نصه بنفسه أو أن يقدم للقراء رؤية تفسيرية أو شارحة له كما يقول بعض النقاد لأن هذا العمل يفقد النص جزءا كبيرا من متعته لدى المتلقين الذين يحب الكثير منهم أن يقوموا بهذه المحاولة هم أنفسهم وليس مؤلف أو قائل النص.
- سأخاطب فيك الآن الناقد والمثقف عبدالله معجب لا الشاعر لأن يقدم لنا قراءته الخاصة؟
إن كنت مصرا على معرفة قراءتي النثرية لهذه الأبيات فإنني أقول وباختصار شديد على الرغم مما أسلفت: إن الأبيات تؤكد على ثبات القيم والمبادئ والمواقف الوطنية التي لا يمكن أن تزعزعها وتزحزحها كل عوامل القوة والإغراء والتطميع التي قد تتأثر بها النفوس الضعيفة والطباع المنجرة وراء نزواتها ورغباتها. والأبيات تأكيد على هذا الثبات، وعلى هذه الثوابت التي لا تقبل المس ولا المساومة حتى ييأس المحاولون والطامعون ويعلموا ألا حيلة لهم في اختراق هذا الثبات والنيل من هذه الإرادة وزلزلة هذه الثوابت.
- جراحات الأمس جراحات اليوم.. هكذا تبدو الصورة. ندفن بؤسا ببؤس.. نودع ليلا بليل.. نواري دمعة بغصة.. وفيما بين الدمعة والغصة شهقة التمني. حتام يكتبنا الأسى؟ وهل قدرنا شقاء “أطلس” وبؤس “جان فالجان”؟
يبدو لي أن السؤال مغرق في التشاؤم ويحمل صورة مركبة من السواد والمأساوية. صحيح أن الواقع يغص بالأحزان والمآسي، ويمتلئ بالإحباطات والشقاوات والتحديات الجبارة، ويكتض بالحزانى والمحبطين والبائسين والمنكسرين، ولكنها الحياة، وهذه طبيعتها، وهذا ديدنها منذ أن خلق الله الأرض إلى أن يرثها، وقدر الإنسان في كل زمان ومكان أن يواجه تحديات الحياة وأزماتها ومشاكلها، وقدره أن يكافح البؤس ويتصدى للظلم والطغيان والفساد، ويقاوم الشر بشتى صوره وأشكاله، فتارة ينتصر في كل هذه المواجهات والمقاومات أو في بعضها، وتارة ينهزم وينكسر؛ ولكنه لا ييأس ولا يستسلم؛ بل ينهض من وسط ركام انهزاماته وانكساراته بإرادة جديدة وعزم أشد وأكثر صلابة ليواصل المواجهة والمقاومة. وفي هذه العصر الذي يتغول فيه الطغيان والظلم والفساد ويستأسد فيه الشر والقوة الباطشة العمياء المتعددة الأشكال والصور، يتحتم على الإنسان أن ينذر نفسه للمواجهة والمقاومة، وأن يتسلح بالأمل الذي لا يلين في غد أنظف وأطهر، وفي غد تسود فيه قيم الحق والعدل والخير والمساواة والعيش الكريم الآمن المستقر.
يا صادحا ملأ الحياة بجوده
زدنا هدى حطم لنا الأسوارا
غرد فأنت عطية علوية
تنشي القلوب وتلهب القيثارا
تشدو الحياة فينقشع الظلام
وتزدهي وتعانق الأحلام والأوطار
- من المخاطب هنا تحديدا؟ أين هو هذا النموذج؟ ألا ترى أن الشعر صار عند البعض سلعة تباع وتشترى؟
هذا النموذج من الشعراء موجود منذ عرف الإنسان الشعر وبدأ يدندن به ويتهجاه ويقوله بشيء من العسر والصعوبة. وهذا النموذج من الشعراء هو الذي يتخذ الشعر قضية وموقفا، ولا يعتبره ترفا ولعبا ومطية للوصول إلى أهوائه ونزواته وشهواته الرخيصة. وهؤلاء الشعراء أصحاب القضايا والمواقف هم الذين عبروا عن هموم جماهيرهم وتحدثوا بلسانها، وهم الذين قاوموا الطغيان والظالمين في كل زمان ومكان، وبثوا مشاعر الثورة والحماس والوطنية في نفوس شعوبهم وخاضوا بشعرهم النضال ومعارك التحرر مع شعوبهم حتى انتصرت على جلاديها ومستبديها، وعلى مستعمريها وسالبي خيراتها ومقدراتها؛ وما يزال أولئك الشعراء الوطنيون الأحرار وما تزال أشعارهم الثائرة الملتهبة منارات للثورات والثوار ورمزا للحرية والأحرار في مختلف الأزمة والأمكنة، وما زالت قصائد أولئك الشعراء تدوي في البقاع والأصقاع. وما زالت الألسن والحناجر تتغن بها وترددها، وستبقى كذلك إلى ما شاء الله.
- هذا نموذج وثمة نموذج آخر باع بالشعر وشرى؟!!
صحيح.. الفريق الثاني من الشعراء والذين يجعلون من الشعر سلعة تباع وتشترى فهؤلاء سرعان ما تموت أشعارهم وتمّحي من الذاكرة الجمعية للشعوب، فلا يبقى منها ولا من أصحابها شيء، لكن يبقى الذكر السيء، والسمعة السيئة تطاردهم وتحوم فوق قبورهم حتى يقوموا ويبعثوا منها مزنرين بالخزي ومشيعين بالعار والشنار لأنهم لم يقفوا مع الجماعة، ومع شعوبهم، بل وقفوا في الصف الذي يعادي الشعوب ويسومها سوء العذاب.
- أهديت ديوانك “مواكب الحب” لزوجك.. ما ذا تعني الزوجة للشاعر عبد الله معجب؟
بعيدا عن التعريفات الشاعرية والتحليقات الرومانسية التي يلجأ إليها الشعراء عند حديثهم عن المرأة الزوجة هي شريكة العمر ورفيقة الحياة وأم الأولاد وربة البيت، وحسبنا قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: “خير متاع الدنيا المرأة الصالحة” فإذا كانت الدنيا متاعا فإن خير متاعها المرأة الصالحة.
- الكلمة الأخيرة مفتوحة..؟
أود أن تكون مجموعة من التمنيات. أقول: بعد مضي نصف قرن من الزمن منذ قيام الثورة في اليمن أتمنى أن يقف اليمنيون وقفة تأمل طويلة دقيقة فاحصة عند هذه المحطة لينظروا في محصلة الأعوام الخمسين الماضية وما تحقق فيها من الإنجازات والنجاحات إن كانت هناك إنجازات ونجاحات، وما حصل من التعثرات والإخفاقات. ثانيا: أتمنى على اليمنيين الوقوف الطويل أمام الصراعات والأحداث المأساوية التي تعرضت لها بلادهم وبحث أسبابها والعوامل التي أدت إلى نشوبها، ووضع معالجات جذرية وصارمة للقضاء على رواسبها وآثارها ولمنع حدوثها وتجددها مستقبلا.. وأتمنى على الجميع أن يجعلوا النضال السلمي طريقا وحيدا للتغيير والتجديد والتطوير والابتعاد عن كل أشكال العنف والصراع. وإذا كان الحوار والنضال السلمي هو الطريق إلى التغيير وإلى تداول السلطة وإلى تنفيذ البرامج والرؤى التي تحملها الأحزاب والقوى السياسية كما هو حاصل في مختلف البلدان المتقدمة والمتحضرة فأتمنى أن أرى يمنا جديدا مختلفا كل الاختلاف عن يمن الماضي.. يمنا يسوده الحوار وثقافة الرأي والرأي الآخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.