مأرب تقيم عزاءً في رحيل الشيخ الزنداني وكبار القيادات والمشايخ في مقدمة المعزين    السلفيون في وفاة الشيخ الزنداني    تعرف على آخر تحديث لأسعار صرف العملات في اليمن    الكشف عن هويات القتلى اليمنيين في تفجير حقل للغاز بطائرة مسيرة بدولة عربية (الأسماء والصور)    عشرات الشهداء والجرحى في غارات إسرائيلية على وسط وجنوب قطاع غزة    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    رفض قاطع لقرارات حيدان بإعادة الصراع إلى شبوة    قذارة الميراث الذي خلفه الزنداني هي هذه التعليقات التكفيرية (توثيق)    ما الذي كان يفعله "عبدالمجيد الزنداني" في آخر أيّامه    قوات دفاع شبوة تحبط عملية تهريب كمية من الاسلحة    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    قيادي إصلاحي يترحم على "علي عبدالله صالح" ويذكر موقف بينه و عبدالمجيد الزنداني وقصة المزحة التي أضحكت الجميع    دوري ابطال افريقيا: الاهلي المصري يجدد الفوز على مازيمبي ويتاهل للنهائي    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    لا يجوز الذهاب إلى الحج في هذه الحالة.. بيان لهيئة كبار العلماء بالسعودية    عمره 111.. اكبر رجل في العالم على قيد الحياة "أنه مجرد حظ "..    آسيا تجدد الثقة بالبدر رئيساً للاتحاد الآسيوي للألعاب المائية    وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    سلام الغرفة يتغلب على التعاون بالعقاد في كاس حضرموت الثامنة    حسن الخاتمة.. وفاة شاب يمني بملابس الإحرام إثر حادث مروري في طريق مكة المكرمة (صور)    ميليشيا الحوثي الإرهابية تستهدف مواقع الجيش الوطني شرق مدينة تعز    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    الإطاحة بشاب وفتاة يمارسان النصب والاحتيال بعملات مزيفة من فئة ''الدولار'' في عدن    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    مغالطات غريبة في تصريحات اللواء الركن فرج البحسني بشأن تحرير ساحل حضرموت! (شاهد المفاجأة)    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالملك شمسان :أهداف الثورة اليمنية.. لاتزال خارطة طريق للشعب اليمني
نشر في الجمهورية يوم 27 - 09 - 2012

ستة أهداف للثورة اليمنية الأم لاتزال عنواناً وخارطة طريق للشعب اليمني وهو يتحسس مستقبله.وكل حديث عن هذه الثورة التي انفجرت من صخر عزة اليمني بنفسه واعتداده بذاته، واعتزازه بتاريخه الحضاري الممتد لآلاف السنين. وقد شكلت العقود الزمنية التي تشرفت باحتضان هذه الثورة المجيدة عقوداً فاصلة، وتعد من الأزمنة المفضلة على غيرها بما أنتجت من ثورة أخرجت اليمن من الظلمات إلى النور، وأنقذت اليمنيين العالقين في القرن الثاني عشر إلى القرن التاسع – بتعبير كاتب غربي.وتقف هذه الأسطر على أهداف ثورة سبتمبر 62م، ويجدر الإشارة – أولاً- أن هذه التناولة ليست دراسة بحثية بقدر ما هي مقالة تعد مخرجاتها نتاجاً لشيء من التأمل في صياغة هذه الأهداف ومدلولاتها. كما يجدر الإشارة إلى أن الحديث عن أهداف الثورة لا يعني بالضرورة تمجيدها، أفكاراً ولغة وصياغة؛ إذ إن تعظيم الثورة وتمجيدها بما تتضمن من معان ودور مجتمعي عظيم وتحويل لمسار التاريخ ومناوشة المعالي، لا يعني – بالضرورة - تعظيم صياغة أهدافها التي خرجت بها.ذلك أن صياغة أهداف الثورة عمل وجهد بلاغي فكري يقوم به أشخاص محدودون، وربما شخص واحد، بخلاف الثورة التي هي ثورة الشعب وفعل جماعي عام ومستمر.
وقبل الخوض في هذه القراءة المتتبعة لأهداف الثورة، نورد هنا أهداف الثورة بنصها الوارد في زوايا ثابتة في الصحافة الرسمية (صحيفة 26 سبتمبر، صحيفة الثورة، صحيفة الجمهورية)، وهي ستة أهداف لا يستبعد أن يكون قد طرأ عليها شيء من الزيادة والنقصان منذ العام 62 وحتى اليوم، وهي:
1) التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات.
2) بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها.
3) رفع مستوى الشعب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً.
4) إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف.
5) العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة.
6) احترام مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي وعدم الانحياز والعمل على إقرار السلام العالمي وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم.
بدأ الشعب اليمني ممثلاً بنخبه يفصح عن عدم إمكانية استمرار رضاه وتعامله مع وضعه المفروض عليه، وكان كل أمله أن يحصل على إصلاحات سياسية تخرجه من تلك الدائرة المظلمة.
ونحو عشر سنوات من الطرح المستمر لهذه المطالب، وما قابلها من تعنت النظام الإمامي، كانت كافية لإيصال اليمنيين إلى مرحلة اليأس من إصلاح يأتي على هذا النظام المستمرئ للظلم، والمتخذ للاستبداد منهج حكم لا يرى له بديلاً صالحاً لفرض السيطرة.
وهنا تحول الأمر من مطالبة بإصلاحات في مختلف المجالات وفي مقدمتها المجال السياسي، إلى ثورة وضع الشعب هدفها الأول إسقاط النظام، ليعقب ذلك عملية البناء وتحقيق المطالب التي تؤسس له حياة كريمة.
وعلى هذا فإن إسقاط النظام العائلي الإمامي لم يكن هدفاً للثورة بذاته بقدر ما كان هدفاً مرحلياً. وكان سقوطه بمثابة انفتاح بوابة يعبر منها اليمنيون إلى الأرضية التي يقيمون فيها دولتهم ويحققون عليها بقية الأهداف المرسومة لثورتهم المجيدة التي ستظل تلد الثورات المتتابعة حتى تحقيق الحلم وإقامة الدولة الحديثة، وكما كانت ثورة 63م ضد المستعمر في عدن البنت البكر لثورة سبتمبر، فإن ثورة 2012 لن تكون آخر العنقود.
وبالوقوف على أهداف ثورة سبتمبر المجيدة، تظهر الدقة المتناهية في صياغتها، وتتجلى في أكثر من موضع، ولنقف – هنا - على أحد هذه المواضع اللطيفة، لنرى أن الهدف الأول لم يقل إسقاط النظام الإمامي، أو النظام العائلي، أو شيئاً من هذا القبيل. فلم يكن لدى اليمنيين مشكلة مع ذلك النظام؛ لأنه نظام مذهبي، ولا لأنه نظام مناطقي، ولا لأنه ملكي أو أسري يقوم على التوريث.
إن كل تلك الصفات – رغم بشاعتها وكارثيتها واجتماعها فيه - قد لا تمنع من التطور في المجتمع والدولة. بل كانت المشكلة في كونه نظاماً استبدادياً.
وصفة الاستبداد هي الصفة الجامعية لكل المساوئ التي يمكن أن يتصف بها أي نظام، سواء اتصف بها مجتمعة، أو متفرقة، وهي الصفة التي تقف حائلاً دون أي تقدم وتطور، سواء للفرد، أو المجتمع، أو الدولة.
ولهذا جاء الهدف الأول لثورة 26 سبتمبر معبراً عن هذه النقطة بشكل دقيق؛ إذ يقول: “التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات”.
وعلى أن كلمة “التحرر من الاستبداد” تشير إلى النظام الإمامي المستهدف بالثورة، إلا أن شمولية وعموم العبارة تكسب هذا الهدف صفة الاستمرارية. فكل نظام قد ينشأ بعد سقوط النظام الإمامي، ويتصف بالاستبداد، يصبح –مباشرة وفق هذه الصيغة - هدفاً مباشراً للثورة يجب الإطاحة به.
وكما أن هذا الهدف هو الهدف الأول للثورة، فإنه – في حقيقة الأمر- يختزل الأهداف التالية، ويعد – بالنسبة لها - بمثابة المدماك المتين الذي تبنى عليه. بتعبير آخر:الأهداف التالية لهذا الهدف تكاد تكون مشتقة منه، أو تفصيلية له.
ف”التحرر من الاستبداد” يعني استمرار الثورة فكراً وعملاً ناقضاً لكل شكل من أشكال الاستبداد التي قد تنشأ بعد سقوط النظام المستبد المستهدف بالثورة (النظام الإمامي).
وعطف الاستعمار على الاستبداد في كلمة “التحرر من الاستبداد والاستعمار”، يشير إلى عمومية الثورة لتشمل كل اليمن من أقصاه إلى أقصاه، وعدم الانحصار على جغرافيا الشطر الشمالي من الوطن.
وبهذا تغدو ثورة سبتمبر ثورةً على الاستبداد في الشمال، وعلى الاستعمار في الجنوب.
وتقرر هذه الصيغة أن وحدة اليمن واليمنيين هي الأصل الثابت المحدد للعمل والموجه للمشاعر والطموحات، وأن الهدف الرابع الذي ينص على “العمل على تحقيق الوحدة الوطنية..” ليس إلا هدفاً تفصيلياً لهذا الهدف العام.
وإلى المعنى الوحدوي العميق الذي تتضمنه هذه الصيغة الجامعة للاستبداد والاستعمار، فإن ربط الاثنين معاً يرسم خارطة الفعل الثوري الذي يوجب الربط والتزامن بين التحرر من الاثنين معاً، تبعاً لواحدية الواقع والمصير، وباعتبار أن كل شطر يمثل مرتكز الدعم للشطر الآخر، كما أن النظام المستهدف بالثورة في كل شطر يمثل الداعم للنظام في الشطر الثاني؛ إذ ستقتضي المصلحة السياسية تحالفاً بين النظامين (الاستعمار في الجنوب، والاستبداد في الشمال)، وبما يجعل من كل منهما عدواً وخصماً مشتركاً للفعل الثوري في الجنوب، والفعل الثوري في الشمال.
وتشير لفظة و”مخلفاتهما” إلى الرفض المسبق لمخلفات النظام الإمامي في الشمال، بناء على ما يتوقع من أية تسويات سياسية قد تفرض على الثورة تحول دون النجاح التام للثورة.
وكذا الرفض المسبق لمخلفات نظام الاستعمار الذي قد يلجأ إلى تخفيف صيغته من الاستعمار المباشر إلى صيغ أدنى.
ولهذا ظلت الثورة في الشطر الجنوبي مستمرة حتى جلاء آخر جندي بريطاني عام 67 ، رغم أن سلطة الاستعمار المركزية قد سبقته إلى الرحيل عام 63. ويعد يوم (30 نوفمبر) الذي شهد جلاء آخر جندي بريطاني من عدن هو يوم النصر الحقيقي الذي أعلن فيه عن وطن متحرر من الاستعمار.
كما أن حلول القوة المصرية في شمال الوطن بعد سقوط نظام الإمامة ومؤشرات إعادة إنتاج ذات النظام الاستبدادي، كانت دافعاً لإعادة إنتاج الثورة، ومثلت الدافع للتحركات التي قادها القاضي محمد محمود الزبيري، والتي عبر عن مبرراتها ودوافعها بقصيدته السينية الشهيرة التي يقول مما يقول فيها:
وأنتم طبعة للظلم ثانية
تداركتموا كل ما أهملوا ونسوا
لقد قاد الزبيري عملية إعادة إنتاج ذات الثورة بمؤازاة ما كان يراه من إعادة إنتاج لذات النظام، منطلقاً – في ذلك - من كون الثورة لا تستهدف نظام الإمامة لذاته، بل تستهدف نظام الإمامة لكونه عنوان الاستبداد المستهدف بالثورة، ويجب أن يظل كذلك تحت أية لافتة جاء.
وجاءت العبارة التالية في هذا الهدف (الهدف الأول) تنص على “إقامة حكم جمهوري عادل”. وهي العبارة التي تختزل الهدف الثاني المتعلق ب”بناء جيش وطني”، والثالث المتعلق ب”رفع مستوى الشعب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً”، والرابع المتمثل بإنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل..”.
ذلك أن جميع هذه الأهداف أهداف تفصيلية للجملة الواردة في الهدف الأول “إقامة حكم جمهوري عادل”. فإقامة الحكم الجمهوري العادل تقتضي –مباشرة - بناء جيش وطني، واتصاف الحكم الجمهوري ب”العدل” يقتضي –مباشرة - “رفع مستوى الشعب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً”، وكونه جمهورياً عادلاً يقتضي أيضاً “إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل..”.
فيما الهدف الرابع المتمثل ب”العمل على تحقيق الوحدة الوطنية” قد عبر عنه الهدف الأول بعطفه الاستعمار على الاستبداد – كما سبق الإشارة. وتبقى بعده الهدف السادس المتمثل ب”احترام مواثيق الأمم المتحدة..”، وسيأتي الحديث عنهما لاحقاً.
واستكمالاً للحديث حول ما نص عليه الهدف الأول، فإن آخر جملة فيه تنص على “إزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات”.
لقد عاش اليمنيون قروناً من الزمن تحت هجير الطبقية الاجتماعية المقيتة التي أورثته ثقافة وضيعة ومنحطة مانعة لأي تقدم أو تطور، وتعايشوا مع هذه الثقافة التي ترسخت فيهم حتى كادت تختلط بالدين وتصير جزءاً من العقيدة، إن لم تكن قد صارت كذلك فعلاً إلى حد ما.
وبالنظر إلى العبارة السابقة “إقامة حكم جمهوري عادل”، فربما أن فيها ما يغني عن هذه العبارة الخاصة بإزالة الفوارق الطبقية. إلا أن الحد الذي بلغته هذه الطبقية الاجتماعية وما إليها من تأثيرات تدميرية للحاضر، وآثار مانعة للمستقبل الأفضل، اقتضى إفراد مساحة لها وعدم الاكتفاء بإيرادها ضمنياً.
ذلك أن الزعم بأفضلية طبقة اجتماعية على أخرى، وأحقية طبقة اجتماعية بالحكم دون سواها، أمر يناقض أساسيات الدين القويم، ويتعارض مع أبسط مفاهيم الحياة المستقرة، ولا يترك مجالاً للحديث عن تعايش ثنائي بين الحكم الديمقراطي بما يتطلبه من مساواة بين الناس في الحقوق والواجبات، ومساواة أمام القانون، وبين ثقافة الطبقية التي توزع صكوك الأفضلية، وتقسم الناس إلى فاضل ومفضول لاعتبارات من المزاجية أو الأهواء.
ولا فرق بين أن تستند هذه الثقافة الطبقية إلى دين سماوي أو ثقافة وضعية، إلا أن اعتسافها للدين واستنادها عليه أعظم خطراً، وأسوأ أثراً.
وبالعودة إلى النقطة المشار إليها سابقاً، واعتبار هذا الهدف الأول هو الجامع لأهداف الثورة، فربما يعتبر جامعاً لكل أهداف الثورة، ولو جرت صياغته بشكل مختلف لجاء شاملاً لعدد من الأهداف اللاحقة على النحو التالي:
(1) التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما.
(2) إقامة حكم جمهوري ديمقراطي.
(3) إزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات.
(4) بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد.. إلخ.
(5) العمل على تحقيق الوحدة الوطنية... إلخ.
الهدف الثاني: الجيش وصفته ومهمته
وصف الجيش المطلوب تأسيسه في الهدف الثاني بأنه “وطني” يشي برفض بقاء أي قوات لجيش المستعمر، تحت أي صيغة أو صفة؛ إذ لا مجال لقوات مسلحة تعمل في البلاد غير القوات الوطنية المكونة من الشعب اليمني.
كما تعني الكلمة رفض الصيغة العائلية والأسرية التي كان الجيش متأسساً عليها في عهد النظام الإمامي.
وتحديد مهمة هذا الجيش المنشود ب”حماية البلاد”، لفظ يشي برفض استمرار سياسة النظام الإمامي التي كانت تسخر الجيش لحماية الكرسي وتعتمد عليه في فرض السيطرة من خلال إشراكه في السلطة من خلال منحه صلاحيات الجباية وإعطائه فرص تحقيق الكسب المالي بالطرق المختلفة.
وإن تحديد مهمته ب”حراسة الثورة ومكاسبها” تعني إخراجه من يد العائلة الإمامية وأهدافها إلى العمل الوطني العام، ومن مربع خدمة العائلة الإمامية إلى دائرة الوطن اليمني الرحب.
كما إن التأكيد - قبل هذا - على أن وظيفة الجيش هي “حماية البلاد”، تحمل مدلولات واسعة بشأن مناطق تمركزه وانتشاره. وإن لم تكن تتضمن ذلك بتعبير صريح، تبعاً لعدم إمكانية التعبير الصريح عن هذا المعنى، حيث يعد ذلك من التفاصيل التي لا مجال لسردها في الأهداف العامة للثورة التي يشترط فيها الإجمال والإيجاز وصيغ العموم.
وعلى أن في هذه الصياغة شكلاً من أشكال القوة في السبك اللغوي للهدف، ونوعاً من الإجمال المطلوب في صياغة الأهداف العامة للثورة، إلا أن المعنى الضمني المتعلق بخارطة انتشار الجيش ومواضع تمركزه هو معنى بالغ الخطورة، ولم يكن يكفي أن يشار إليه إجمالاً.
وغياب الإشارة المباشرة والصريحة إلى هذا المعنى، كان سبباً في غياب هذا المعنى عن عامة الشعب اليمني، كما كان سبباً في تجاوز هذا المعنى - فيما بعد سقوط النظام الإمامي - من قبل الممسكين بالسلطة؛ إذ ظل تركز الجيش في المدن، وتوسعه بداخلها، هدفاً للأجنحة المتصارعة على القرار، وظل كل طرف يحاول تعزيز موقعه ونفوذه وقوته من خلال تعزيز القوات المسلحة التابعة له.
ودخلت اليمن – جراء غياب هذا المعنى - في دوامات من الصراع والاقتتال، راح ضحيتها الآلاف من أبناء اليمن، عسكريين ومدنيين، بل راح ضحيتها عقود من عمر اليمن، وحرفت مسار تطور ثورتها، وصرفت مسيرتها عن الوجهة المرسومة.
ولهذا، كان خروج السلطة من اليد المدنية (القاضي الإرياني عام 73م) بمثابة خروجها - بشكل نهائي - إلى القادة العسكريين الذين تناوبوا عليها، ابتداء بإبراهيم الحمدي ثم أحمد الغشمي، ثم علي عبدالله صالح.
وتحديد الثورة الشعبية الشبابية السلمية في (2011) مطلبها البارز بإقامة دولة مدنية لم يأت من فراغ، بل هو تعبير واضح عما وصلت إليه الأمور من تحويل الجيش عن مهمته الوطنية العامة إلى مهمته في تعزيز مراكز القوة والنفوذ في السلطة.
الديمقراطية.. منتهى الحضارة الإنسانية في الحكم
لقد وردت في الهدف الأول جملة تنص على “إقامة حكم جمهوري عادل”، وربما أنه كان يكفي أن تضاف إليها صفة الديمقراطية، فتأتي العبارة على سبيل المثال: إقامة حكم جمهوري ديمقراطي عادل. إلا أن هناك سبباً يبدو قد لعب دوراً، وأوجب إفراد الديمقراطية برقم مستقل من أهداف الثورة، مع الربط بين هذه الديمقراطية والإسلام الحنيف. وهو الهدف الرابع والذي ينص على: “إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف”.
وخلاصة ذلك أن الحديث عن الديمقراطية في تلك العقود الغابرة كان حديثاً عن شيء مجهول بالنسبة للشعب اليمني.
وعلى امتداد عقود الثورة منذ أواخر الثلاثينيات وحتى ما بعد الثورة، كانت الآلة الإمامية الدعائية تنصب على تشويه الثورة والثوار، وتشويه مطالبهم، وتقديم الديمقراطية للشعب اليمني بأنها نموذج حكم وضعي سائد في الدول غير الإسلامية في الشرق والغرب، يسعى دعاة الثورة إلى استنساخه من هناك وإحلاله محل “الحكم الإسلامي” الذي كان يزعمه الإمام لنفسه.
وإذا كانت الديمقراطية لاتزال اليوم – في العقد الثاني من الألفية الثالثة - محل جدل، وموضوع نقاش، بما فيها من تفاصيل متعلقة بالدين، ولايزال هناك من يعتبرها كفراً، ويعتبرها غزواً فكرياً صليبياً للمجتمعات الإسلامية.. إذا كان هذا مايزال قائماً اليوم، فكيف نتخيل ما كان عليه الأمر في منتصف القرن الماضي، وما قبل منتصفه؟.
وكأن هذا كان سبباً في ضرورة إفراد هدف الديمقراطية ببند ورقم مستقل، وربطه وتقييده بالإسلام؛ حسماً لذلك الجدل، وإغلاقاً للباب الذي فتحه الإمام على الثورة.
ولهذا جاءت العبارة تنص على “إنشاء مجتمع ديمقراطي”، وربما كان الأفضل أن تستخدم كلمة “بناء” بدلاً من “إنشاء”؛ لأن الإنشاء يعني الإيجاد من عدم.
كما يلاحظ نصها على “إنشاء مجتمع ديمقراطي” وليس إقامة حكم ديمقراطي. الأمر الذي يشي بأن “إقامة الحكم الجمهوري” كان متفقاً عليه ولا جدال حوله، وقد ورد ضمن الهدف الأول، أما الحكم الديمقراطي فكان محل إشكال ونزاع، ولهذا أفردت له مساحة خاصة، وجاءت صياغته تنأى بالديمقراطية عن كونها منهج حكم، واقتصر التعبير عنها بصياغة يبدو أنها جاءت حلاً وسطاً بين أطراف الصراع أو الجدال، فكانت العبارة: “إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمد أنظمته من روح الإسلام”.
صياغة تعكس المشهد السياسي الستيني
منذ ظهور التيارات الفكرية والسياسية في شكلها الحديث، والتيار الإسلامي بمكوناته المختلفة، والتيار اليساري بمكوناته المختلفة، يستأثرون بالمجتمع العربي والإسلامي. وباستثناء تأثيرات انعكاسات تكون “اللقاء المشترك” في اليمن، فإن التمايز بين الطرفين بلغ مبلغاً يفوق حدود المعقول؛ إذ يتعمد الطرفان التمايز حد التعبير عن القضايا المتفق عليها بينهما.
وتعد “الوحدة اليمنية” ومن ورائها “الوحدة العربية” أحد القواسم المشتركة بين هذين التيارين، مع فارق في سعة الفكرة لدى الإسلاميين، وبما يتجاوز الوحدة الوطنية والعربية إلى وحدة العالم الإسلامي.
ولهذا فإن أدبيات اليسار وفي المقدمة الفصيل القومي، تعج بمفردة الوحدة العربية، فيما تكاد هذه المفردة تنعدم في أدبيات الإسلاميين الذين يكثرون –بالمقابل - من استخدام مفردة “الوحدة الإسلامية” الخاصة بهم. وهذا على رغم أنه لا وحدة إسلامية بلا وحدة عربية.
والهدف الخامس من أهداف ثورة سبتمبر الذي ينص على “العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة”، كأنه – فوق كونه تعبيراً عن هدف مبدئي ثابت - قد جاء انعكاساً لغلبة خطاب التيار القومي في تلك الفترة، وانعكاساً للدور الذي لعبته جمهورية مصر في إنجاح ثورة سبتمبر، وهذا بخلاف ثورات الربيع العربي التي جاءت مع غلبة لخطاب التيار الإسلامي، وخلت أهداف ثورة اليمن من الإشارة إلى الوحدة العربية.
وتأثير مصر بقيادة جمال عبدالناصر على صياغة هذا الهدف ضمن أهداف ثورة سبتمبر اليمنية، يؤكده أن أهداف هذه الثورة قد وضعت في ستة بنود، وكأن هناك محاكاة لثورة يوليو المصرية تتبع حتى عدد الأهداف فضلاً عن المضمون.
كما إن صياغة الهدف على هذا النحو الذي يتحدث عن العمل على تحقيق الوحدة الوطنية “في نطاق الوحدة العربية الشاملة” وليس مثلاً: على طريق الوحدة العربية. يؤكد عدم اشتراط واضعي هذه الأهداف للوحدة اليمنية الوطنية مقدمة للوحدة العربية، وفي ذلك إشارة إلى ما ربما كانوا يعتقدونه من احتمال تحقق الوحدة العربية من الخارج إلى الداخل اليمني. وأن تأتي الوحدة بين عدد من الدول العربية حتى يصل موجها إلى اليمن.
وهذا – على افتراض صحته - لا ينفي ما تشي به صياغة هذا الهدف وترتيبه من فكر واع لتفاصيله؛ إذ جاءت البداية بالوحدة الوطنية بين شطري اليمن باعتباره هدف الثورة المطلوب تحقيقه، ولم يضع الوحدة العربية هدفاً للثورة، وإنما أشار إلى الوحدة العربية إشارة ولم يجعلها هدفاً.
والنص بهذه الصيغة: العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في إطار الوحدة العربية” لا يعني وضع الوحدة العربية هدفاً من أهداف الثورة.
وإلى ذلك، يتجلى الوعي في وضع هذا الهدف في الترتيب الخامس، لاحقاً للأهداف السابقة التي تصنف – في علم التخطيط - من الأهداف المستمرة التي لا تنتهي.
والزخم الإعلامي حول الوحدة العربية آنذاك، وما حدث على أرض الواقع من وحدة مصرية سورية، لم يشكل عامل إغراء يحمل واضعي تلك الأهداف على تقديم هذا الهدف؛ باعتباره الأقرب إلى التحقق. بل جاء موقعه في الترتيب الخامس، وكأنهم كانوا يدركون – تماماً- أنه لا وحدة وطنية ولا عربية قبل أن يكون هناك مستوى من الوضع الاجتماعي والثقافي والسياسي والنظام والمنهج الديمقراطي الذي يؤسس لها ويحققها ويحرسها.
وعلى أن وضع هذه الأهداف بهذه الصيغة لا يعني الترتيب، وأن صياغتها بهذه الطريقة أشبه ما تكون بعطف كل هدف على سابقيه بحرف الواو الذي لا يقتضي الترتيب، إلا أن مكانه هنا لا يخلو من دلالة بنائه على الأهداف السابقة له.
رسالة سياسية أم هدف للثورة!؟
لا يستبعد – ما سبق الإلماح إليه - من وقوع صائغي أهداف الثورة تحت تأثير ثورة يوليو المصرية، ونظام الرئيس عبدالناصر تحديداً؛ إذ يُلحظ – هنا - شكل جديد من التأثر بالقوى الخارجية انعكس بشكل واضح على الهدف السادس الذي ينص على “احترام مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي وعدم الانحياز والعمل على إقرار السلام العالمي وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم”.
وهذا النص لا يمكن فهمه هدفاً من أهداف الثورة يجب أن يظل اليمنيون يسعون لتحقيقه بقدر ما هو أرضية تبنى عليها السياسة الخارجية للدولة الجديدة، ومنهج في الحكم يحدد موقع هذه الدولة من الصراع العالمي الذي كان محتدماً يومها ومرشحاً للتصعيد.
وكما لو أن هذا النص رسالة ثابتة لطرفي الصراع العالمي في ذلك الحين (المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي)، الغاية منها تأكيد حيادية هذه الثورة، وأنها ليست نتاجاً لنشاط طرف منهما يستهدف به الآخر. خاصة وأن الدعم العلني الذي تلقته الثورة من نظام عبدالناصر الذي كان محسوباً على الاتحاد السوفيتي قد أثار حفيظة الأطراف الدولية الأخرى ممثلة بالولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة من دول الجوار ذات التأثير القوي على الواقع اليمني لأسباب كثيرة لا مجال – هنا - للخوض فيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.