الليل المغطاة بأطنان ثقيلة من الظلام, تخلد إلى النوم فئة من يعملون بالنهار استعدادا لسعي في نهار اليوم الثاني.. ويستفيق من يعملون ليلا, فقيود مهنهم الإنسانية وظروف معيشتهم الصعبة تلزمهم للعمل جبرا، وأخرى تتوزع مهامهم بين عمل يجني الربح؛ وفرص عمل متوفرة وسهرة شباب بلا حدود.. شقلبة موازين الكون والتعايش ليلا ككائنات ليلية تبدأ مهامها عند سكون حركة كائنات ليلية كان لي جولة موزعة أدوارها على من يؤرقهم السهر للحراسة في سبيل الله والفناء في تقاضي لقمة العيش, مبرمة تفاصيل حياتهم في غسق الليل فالنظام الكوني والجسمي (وجعلنا النهار معاشا والليل لباسا) يستبده نظام المعيشة ويبعدهم عن الصحة والحياة العادية.. فانهماك الكثير لتأدية عملهم بغفوة الليل قلبت لديهم موازين الكون فكثيرون تحولوا إلى كائنات ليليه تنام عندما يصحو الناس وتستيقظ عندما ينامون هذا الواجب وهذه الظروف الحتمية الملقاة على عاتقهم. علي مسعود موظف تابع للنظافة والتحسين، يقول وابتسامة مثقلة بنعاس البارحة تكسو محياه: لم يذق نومه من منتصف الليل حتى وقت الغداء, وبحسب رأيه العمل ليلا شيء جيد.. فبعد (تكييفة) القات وسكون حركة الليل يكون العمل أفضل بكثير من النهار فانعدام ضجيج السيارات وبقاء الشوارع خالية تسهل عليه عملية التنظيف.. نشوان الحميري موظف تابع لمصنع بيت هائل، تختلف وجهة نظره عن الآخرين, فهو مخدوع بنداء أيوب “يا عاشق الليل “ فعمل الليل يسترق منه لحظات يقضيها مع أبنائه, فعمله يأخذ فترتين أطراف النهار وآناء الليل, ويبدو له بأن الليل خلق للنوم لا للتعب والأرق ويسأل نفسه في لحظة تفكير عميقة بلهجة الطفشان من حياته “أيش اللي أستفيده” من عمل الليل غير تسديد الإيجار فالعمل بالليل متعب حسب تفصيله, والسهر والأرق أقوى من كل شيء موجود في الحياة. “ يا ليل طول “ في لحظة صمت وفي جلسة شبابية مدعمة بالضحك والحكايا دارت آراء حول أيهما أفضل العمل ليلا أو نهارا استحوذت أغلب الآراء على العمل ليلا من بينهم، محمد عبد الجليل، شاب مراهق، مركب عطور يبدأ عمله من المغرب حتى الساعة الواحدة ليلا كان أكثرهم إصرارا على العمل ليلا ويتمنى الليل يطول وبمعنى أشمل “ يا ليل طول واستلف ليل ثاني” يؤكد بأن الأجواء مناسبة للبائع وللزبون يعني بعيداً عن زحمة النهار وضجيجه، إلى جانب أن العمل في الليل من حيث الدخل لا يختلف كثيراً عن العمل في النهار. ماعدا أقسام الطوارئ (عينان لا تمسهما النار، عين باتت في سبيل الله وعين بكت من خشية الله) والأولى هي المقصودة لأصحاب المهمات الإنسانية من لا يعرف دوامهم وقتا معينا فهم مكبلون بمهامهم المهنية التي تلزمهم الحضور من هؤلاء رجال الأمن والصحة. - كان لي موقف في ليلة قد أسدلت ظلامها وباتت حركة الليل خفيفة في الساعة الثالثة ليلا حيث أصيب صاحبنا(ح – ن) بالتهابات في الدم والأمعاء تبادر إلى ذهن الجميع حينها بأنها “زائدة” مما جعل الأمر لا يحتمل التأخير في تلك الليلة الباردة والمظلمة, مرض صاحبنا فجأة وكانت وسائل النقل على وشك الاختفاء بشكل كامل، طال الانتظار حتى ولوج سيارة.. كانت الفرحة أكبر من علاج صاحبنا, قادتنا السيارة بمنعطفات صنعاء من مكان يبعد عن ضواحي المدينة للبحث عن مستشفى تعمل ليلا في الحقيقة كانت المستشفيات الحكومية خارج التغطية ماعدا أقسام الطوارئ وكانت لا تفي بالغرض حيث غيرنا بحثنا للمستشفيات الخاصة وحصلنا على طلبنا ولكنها كانت أكلة دسمة في نظر الدكتور الذي يعمل ليلا استغل حاجة صاحبنا وأثقله بطلب علاجات كثيرة ومكلفة غير رسوم الغرفة التي وصلت حوالي (40.000)بينما تكون تكلفتها بالوقت غير الضروري (10.000) تعريجي ليس للموقف الاستغلالي؛ بل للخدمة التي تلقى على عاتق الطبيب التي تستدعي دوام (24) ساعة ليلا ونهاراً وبالمقابل رجل الأمن. - عبدا لكريم الموصلي موظف في أحد المستوصفات دوامه ليلا يقول بأن حالات الليل أكثرها طارئة ومهمة ويصف عمل الطبيب بأنه عمل إنساني خالص يحتاجه المرضى في أي وقت بالليل والنهار وخاصة الأولى؛ لأنها تكون الأكثر ضررا وأهمية ويتعجب “مش معقول” واحد يأتي للعلاج ليلا لمرض بسيط ومن جانبه يشجع من يعملون ليلا في الكادر الطبي الذي يكون المراد منها خدمة المرضى وكسب طاعة الله. عاصم الفقيه خريج بكالوريوس صيدلة، يعمل صيدليا يقول: العمل في فترة الليل من الجهة البدنية يقلل من النشاط الحيوي حيث إن نظام الجسم وتركيبه يتباطأ عمله عند حلول الظلام وإن التغيرات التي تصيب الجسم من الصعب على الناس التكيف مع العمل المناوب ليلا حيث في بادئ الأمر يرتكب أخطاء لتغير أنماط النوم وانسياق النعاس. ويؤكد: هناك فئة يعملون في الصيدليات ليلا ونهارا نظرا لاحتياج المرضى للعلاج في أي وقت وقلة من خريجي دراسات الصيدلة يعملون بنفس المنوال لقلة الراتب وتطلب العمل لجهد أكبر أثناء الليل والنهار مما يصيبهم بالتوعكات الصحية. صمام الأمان أمين علي رجل أمن هو الآخر يبيت يحرس في سبيل الله، ولكن عمله يحتاج للقوة والصلابة أكثر؛ لأنها تكمن على الأرصفة والأماكن المنفتحة، يقول: واجب المهنة وضرورة الالتزام تحمل على عاتق رجل الأمن حيث تكثر الأعمال الإجرامية في فترات الليل، منها السرقة وشرب الخمر وتنفيذ الانتقام والثأر يكون أغلبه بالليل, ويؤكد: في اليوم السابق صاحب دراجه نارية قدم في الليل وأطلق النار على سيارة ضربها من جميع الجهات حتى أطاح بجميع جنباتها, أمسكت به الشرطة وهو ينتظر خروج صاحب السيارة من المطعم يريد قتله, ويضيف رجل الأمن خلية مركزة للحراسة لا تغفل في أي ساعة فهي صمام الأمان للمدن من غطرسة المتمردين والحاقدين وخاصة مفرق إبليس يقصد مفرق شرعب الذي تتواكب فيه المشاكل من كل مكان. دراسة جديدة العمل بالليل مريح ومكسب عند التجار وأصحاب البوفيهات والمطاعم على عكس من يقيدون بمهامهم الإنسانية التي تجبرهم على الحضور؛ ولكن يبقى جانب الصحة واختلال موازين الكون لها الجانب السلبي حيث تظهر في أماكن سهر بلا حدود من قبل الشباب حيث تصاب هذه الشريحة بالسهر والأرق؛ بجانب فئة من يعملون طوال الليل وتنتج أمراض القلب استنادا لدراسة الدكتور فورلان، الذي قاس نشاط الأعصاب التي تسيطر على حركة القلب عند اثنين وعشرين عاملا في مصنع للحديد يتناوبون على ثلاثة أنماط مختلفة للعمل, وقد أعطي العمال جهازا لقياس حركة القلب بعد مهلة أمدها يومان للتكيف لنمط العمل الجديد، وأُخذت القياسات على مدى أربع وعشرين ساعة, لاحظ الدكتور و الباحثون أن نبضات القلب تتغير باستمرار، كما نظر فريق البحث في دراسات تناولت عينات من الدم والبول بهدف قياس التغيرات الكيماوية في الجسم التي يمكن أن تؤثر على عمل القلب وبقية الأعضاء الأخرى, وأكد الباحثون أن إشارات الأعصاب لا تتغير طبقا لتغير أوقات العمل؛ بل تتبع نمطا واحدا دائما، مما يعني أن العمل ليلا في وقت يعمل فيه القلب وباقي الأعضاء والهورمونات ببطء، سوف يعرض العمال المناوبين للإصابة بأمراض القلب في المستقبل. خلية معكوسة شقلبة موازين الكون والتعايش ليلا مع السهر والأرق كخلية معكوسة، ناتجة عن بعد نفسي واجتماعي، فالسهر هروب من حقائق اجتماعية, وأسرية, وزوجية, وفردية تتحدانا في حياتنا تترجم عنها بالهروب أمام شاشة التلفاز أو النت وغيره, خاصة في فئة المراهقين حيث تبدأ بالتمرد على قوانين البيت ومن قائمة “افعل أو لا تفعل” و بما أن الإنسان أقوى مخلوق على الكرة الأرضية حيث يستطيع بعقله التغلب على كل شيء إلا السهر والأرق لا يستطيع مقاومته.. الشاب علي عبدالكريم يقول: بينما يغط الجميع في النوم يذهب هو للسهر في الانترنت حتى نهار اليوم الثاني, فهو وغيره كثيرون, عبد لهذه العادة السيئة, فعند العودة تكون نفسيته متعبة من السهر ويفسر سهره الدائم داخل البيت وخارجها بأنه تهرب من مشكلاته الحياتية التي تواجهه أثناء النهار أما الليل فخير جليس له “النت ،ويشاركه فؤاد الخياط في رأيه, بأن كثرة السهر عند شريحة الشباب من المشكلات التي تواجهه أثناء النهار وقائمة الإملاءات من قبل البيت، وأيضا هو هروب من واقع سببه الفراغ وعدم وجود شيء يستحق التعب من أجله فبدلا من أن تعيش في حياة الاستهتار وعدم الرضا عن النفس من واقعك المحيط بك فالسهر ملجأ الجميع حيث يقيلون في النت أو أمام شاشات التلفاز وغيرها من الأماكن القاتلة للوقت. نوم هادئ الدكتورة حورية عبدالله تخصص علم نفس تقول: إن الطفل لم يرب منذ صغره على إعلاء قيمة الوقت أو الإحساس بالمسؤولية تجاه نفسه وتجاه مجتمعه حيث يسهر ولا يبالي, هذه الظاهرة نتاج التربية المدللة التي تخرج لنا شخصا مستهترا لا يعي مفهوم الحرية بحق, وهناك أسباب أخرى، ولعل أهونها وأيسرها علاجًا هي الأسباب الفسيولوجية الناتجة عن خلل في إفراز هرمون الميلاتونين الذي يؤثر تأثيرًا مباشرًا في النوم، والذي يزداد إفرازه ليلاً حسب الدراسات العلمية الحديثة التي أشارت إلى ذلك.. وتضيف الدكتورة: قد يكون السهر تعبيرًا عن اضطراب نفسي كالاكتئاب والقلق، أو التوتر، يحتاج لعلاج نفسي، وقد يكون تعبيرًا عن العدوان، خاصة في فئة المراهقين؛ حيث مرحلة التمرد على قوانين البيت، حيث يجد المراهق نفسه غير قادر على التعبير عن غضبه تؤدي إلى النوم وتتسبب هذه في احمرار العينين وانتفاخهما (توتر العصبي، قلق، وضعف الذاكرة والتركيز، وسرعة الغضب والتعب والصداع والغثيان وبعض المشكلات الجلدية) . - وتؤكد حورية أن السهر إن كان أمام فيلم تلفزيوني، أو أمام الإنترنت، أو مسلسل، أو مباراة، فإن امتد الأرق ليلة وليالي انحطت قوى الشخص، وتوقف العقل عن الإنتاج، ويسيطر على المؤرق التشاؤم والميل إلى الوحدة، وكره المجتمعات؛ فيكره نفسه ثم يكره الحياة، فالجسم يحتاج إلى نوم هادئ وطويل..