منذ آلاف السنين عرف اليمنيون بشواهد كثيرة في شتى مجالات الحياة، ويعد العقيق اليماني واحداً من أهم ما يميز هذا البلد العربي العريق على مستوى العالم، وتقول المصادر إن من أهم من ذكر العقيق هو “أرسطو”، الذي أشار إلى أن أجود الأحجار ما يجلب من اليمن وأحسنه ما اشتدت حمرته.. غير أن عوامل كثيرة من ضمنها غياب اهتمام الدولة ساهمت في عدم الاستفادة من هذا القطاع بالشكل الأمثل. يقول الحرفي محمد الذماري: إن اليمن اشتهرت بالعقيق منذ آلاف السنين كما هو حال البن والعسل والعنب وغيرها من المنتجات. ويتواجد العقيق في عديد المناطق اليمنية، خاصة في محافظات صنعاءوذمار وحضرموت ولحج وغيرها.. وفي السياق قال إبراهيم شرهان مدير مملكة العقيق اليماني في صنعاء القديمة: “العقيق يوجد في كافة جبال اليمن على شكل عروق، والعقيق اليماني هو أفضل أنواع العقيق في العالم، وتحديداً ما يتم استخراجه من جبال آنس بمحافظة ذمار، تليها عنس في المحافظة نفسها”. وأضاف شرهان: “العقيق الأحمر والرماني هما الأجود والأفضل والأرقى، إضافة إلى العقيق المصور، أي الذي توجد عليه أشكال، لها رونق خاص، مثل لفظ الجلالة، سبحان الله، وبعض الفصوص تأتي مرسوما عليها مركبات كالطائرات والسيارات، أو سيف، وصور شخصيات، يأتي أحيانا على أشجار الطبيعة مع غروب شمس، خيل و...إلخ”. أسرار الأحجار الكريمة والعقيق اليماني هي تلك الفصوص الملونة التي تزين خواتم الملوك والرؤساء ومواطنيهم من الرجال والنساء، وفقا لاعتقادات تاريخية تمكنت من أصحابها لتكون قابلة للتصديق، حيث ربط الإنسان قديماً وحديثاً الأحجار ببعض الفوائد، وظن أن لبس العقيق يسر الخاطر ويجلب الخير ويطرد الأرواح الشريرة، وأن الفيروز يجلب النصر، وأن بعض أنواع العقيق له قدرة على امتصاص السم، أو توقيف النزيف. وحول هذا يقول عبدالكريم سالم - أحد الحرفيين في المركز الوطني لتطوير الحرف اليدوية بصنعاء- أن شهرة العقيق اليماني لم تأتي من فراغ، وأن الاعتقادات المتداولة، هي أسرار الأحجار الكريمة.. من جانبه قال إبراهيم شرهان: “في العقائد فوائد، بعض الناس يعتقدون بهذا الشيء ويفيدهم وآخرون لا يعتقدون به ولا ينفعهم”. طرق بدائية للإنتاج ويمر العقيق بمراحل إنتاجية عديدة قبل أن تصل فصوصه إلى ألوانها الزاهية من الأحمر إلى البنفسجي والمزهر، بدءا بعمليات استخراجها من مناجمها الشهيرة في محافظة ذمار، وفقا للحرفي عبدالكريم سالم، يضيف: “نبدأ بأخذه من مناطق تواجده في المناجم، ثم نقوم بتنظيفه من الصخور الملتصقة فيه، ثم يمر بمرحلة التقطيع ثم القص والتلميع ثم مرحلة التجمير، حتى يأخذ لونه الطبيعي ويكون زاهي بعد الصقل، حتى يصل إلى هذه المرحلة”. باختصار مازال استخراج وإنتاج العقيق في اليمن يتم بالطرق البدائية التي استخدمها اليمنيون قبل آلاف السنين، بحسب الحرفي علي محمد صدقه، الذي يعمل في العقيق والفضة منذ أكثر من 35 عاماً، وقال أن طريقة الخرم التي استخدمها اليمنيون منذ آلاف السنين لازالت قائمة ومعمول بها حتى اللحظة، وأنهم يجدون في بعض المناطق والمناجم بقايا الأحجار التي استخرج منها اليمنيون القدامى فصوص العقيق. ويقول علي صدقة: إن الخامة الموجودة في اليمن تحتاج إلى شركات: “العقيق موجود في جبال اليمن، المشكلة لا يوجد مستثمرين لاستخراجه - على سبيل المثال – استخراج طن واحد من العقيق في البرازيل لا يكلف ألف دولار أمريكي لأن المهمة تقوم بها شركات، بينما استخراج طن واحد من العقيق اليمني يكلف مئات آلاف الدولارات، لأسباب أهمها أنه يستخرج يدويا بطريقة المعول، وبالتالي يحتاج الشخص أكثر من 5 سنوات”. مميزات طبية (علاجية) وفي سياق متصل أكد الحرفي وتاجر العقيق محمد شامية، أن حجر العقيق يسمى في علم الجيولوجيا حجر شبه كريم (غير بلوري)، بمعنى أنه أخمد سريعا وأخرج إلى باطن الأرض وتشكل حسب التركيبات الجيولوجية أو مناخ المنطقة التي يتواجد فيها. وأشار شاميه إلى أن اختلاف ألوان أحجار العقيق دليل على وجود الأكاسيد في تركيبها، وأن العقيق الأحمر – على سبيل المثال- أدخل فيه أكسيد الحديدوز ونترات الألمنيوم وغيرها من المعادن. وأكد شاميه أن للأحجار الكريمة بما فيها العقيق مميزات طبية (علاجية) في علم الجيولوجيا أو في عالم الطاقات الكهرومغناطيسية، حيث تستخدم كعلاج حسب الطاقة الكامنة فيها، والتي يمتصها جسم الإنسان ويستفيد منها. وأضاف: “بعض الطاقات الكامنة الموجودة في هذه الأحجار تعوض فقدان جسم الإنسان بعض المعادن واغلبها من النحاس والحديد، ومؤخرا اكتشف أطباء في روسيا فوائد المعالجة بالمعادن (الفلزيات، اللافلزيات) – على سبيل المثال- أساور ابن سيناء، اكتشف أنها تمتص الشحنات الكهرومغناطيسية الموجبة والسالبة الموجودة في جسم الإنسان و ..الخ”. برجا التجارة في فص عقيق يتنافس المتنافسون على اقتناء هذه الأحجار الكريمة لكنّ للطائفة الشيعية تحديداً شغفاً لا يضاهى بأحجار العقيق، كما يقول الحرفي عبدالكريم سالم. ويضيف سالم: “85 % من إنتاج العقيق في اليمن يباع لأفراد الطائفة الشيعية وتحديدا في إيران والكويت والبحرين، و15 % تتوزع بين مختلف دول العالم، أما ما يقتنيه اليمنيون لا يتجاوز 1 بالمائة”. ويؤكد ذلك الحرفي علي صدقة، قائلا: “المصدر الرئيس لشراء العقيق اليمني وخاصة ذات الجودة العالية هي دول الخليج وبلاد فارس (إيران)، لأسباب ربما عقائدية أو من باب الزينة (الله أعلم)”. ووفقا لعبدالكريم سالم، فإن بعض فصوص العقيق اليماني يتجاوز سعرها مليون ريال، خاصة تلك المختلطة بالشوائب، والمرسوم فيها صور تكون أحياناً طبق الأصل لشخصيات معينة أو ملوك، فضلا عن صور الكعبة المشرفة، وأسماء محمد وعلي ولفظ الجلالة وغيرها. وكشف سالم أن أحد بائعي العقيق لديه فص مرسوم عليه طائرة في برجي التجارة العالميين في الولاياتالمتحدةالأمريكية.. في الأثناء قال إبراهيم شرهان، إنه يمتلك فص عقيق مرسوم فيه علم الجمهورية اليمنية، ويطالب مقابله مبلغ كبير، يمكنه من فتح معمل متكامل، بهدف تشغيل الحرف اليدوية، ويطالب شرهان بتبني هذا المشروع من قبل أي مستثمر، باعتباره سيوفر فرص عمل لآلاف الشباب والحرفيين، حد تعبيره. ضعف الإقبال على الشراء.. وإشكالية الاستيراد ويمثل استيراد العقيق إلى البلاد من دول كالصين والبرازيل وغيرهما إحدى الإشكالات التي تواجهها صناعة العقيق في اليمن، وأهم الصعوبات التي يشكو منها الحرفيين والعاملين، والذين ترك معظمهم هذه المهنة لصالح مهن أخرى، بحسب الحرفي وبائع العقيق، محمد علي معصار، يضيف: “الصين تحطم العقيق اليمني، بإنتاجها الكبير والأرخص سعراً، حيث تنتج كثيرا من المسابح والأفصاص والقلائد وغيرها، يقولون إنه عقيق والله أعلم، لأنه كله مضغوط ليزر”. يضيف علي صدقه: “كثير من التجار يستوردون خامات خارجية من البرازيل والصين وجنوب أفريقيا و..، ويشتغلونها في اليمن على أساس أنها منتج يمني أصلي، وهذا غش واضح ويؤثر سلبا على العقيق اليماني”. وبالرغم من ذلك فإن معظم الحرفيين العاملين في هذه المهنة، يستطيعون التمييز بين العقيق الأصلي والمقلد أو اليمني والخارجي. والحديث مجددا للحرفي علي صدقه: “جيولوجيا لا تستطيع أن تفرق بين العقيق اليمني والأجنبي؛ لأن التركيبة هي التركيبة والأرض هي الأرض والجيولوجيا هي الجيولوجيا، لكننا نستطيع أن نفرق بينهما من خلال طريقة الشغل (العمل)، كذلك اذا شاهدنا الخامة قبل معالجتها حراريا”. غير أن عبدالكريم سالم، يرى أن الاعتقاد الديني واعتقاد التداوي بالأحجار الكريمة يدفع بالكثيرون إلى اقتناء العقيق اليماني دون غيره، وأن غياب الوعي لدى البعض يدفع بهم إلى شراء العقيق المستورد، بينما المدركون لقيمة العقيق تجدهم أكثر تمسكا بالعقيق اليماني، إلى درجة أنهم يرفضون استبدال حبة عقيق مقابل ألفي حبة غير يمني، يقول سالم. في المقابل يشكو إبراهيم شرهان، من كساد السوق (ضعف الإقبال على الشراء)، وعدم تنظيم العمل في هذا القطاع، فضلا عن مخاوفه من اندثار هذه الحرفة كغيرها من الحرف اليدوية الأخرى. قطاع اقتصادي واعد من جهته كشف تاجر العقيق محمد شامية، وهو خريج بكالوريوس تخصص جيولوجيا جامعة صنعاء، أن اليمن تحتل المرتبة الثالثة أو الرابعة على مستوى العالم في النفائس أو المعادن كالذهب والفضة والأحجار الكريمة بشكل عام، موضحا أن اليمن مازالت بكرا ويتواجد فيها كثير من الأحجار الكريمة والنادرة، لكن الدولة غائبة ولا تهتم بهذا القطاع. يضيف: “خيرات هذا القطاع تذهب لغير أهل البلد، حيث يتم جلب مستثمرين أجانب يستثمرون لمدة 20 سنة، مقابل عائد بسيط للحكومة، وينهبون بقدر كبير”. وطالب محمد شامية، الحكومة اليمنية بعدم النظر إلى هذا القطاع بنظرة قاصرة، مؤكدا ضرورة الاهتمام به بالشكل المطلوب باعتباره قطاعا اقتصاديا واعدا، وقال إن زيادة إنتاج العقيق اليماني والتسويق داخليا وخارجيا وفق أسس حديثة، وإنشاء مكتب خاص لبيع المنتجات اليمنية في الخارج، وفتح باب الاستثمار وفق رؤية واضحة وسليمة، سيوفر آلاف فرص العمل للعاطلين، فضلا عن إيرادات بالعملة الصعبة للخزينة العامة للدولة. كما يطالب محمد علي معصار، الحكومة بتسهيل وتنظيم عملية استخراج العقيق، بحيث لا يتم بطريقة عشوائية، وحظر استيراد العقيق من الخارج. لاشك أن النهوض بواقع صناعة العقيق في اليمن، قضية معقدة، ولكن إجراء دراسة علمية لمعرفة المشكلات والصعوبات التي تواجهها هذه المهنة، يصبح من السهل معالجتها والنهوض بهذا القطاع، وهي المطالب التي أوجزها بائع العقيق والحرفي إبراهيم شرهان.