الصناعات الحرفية في بلادنا تعاني الأمرين، الأول منها تداخل الجهات الحكومية ممثلة بالعديد من الوزارات “الثقافة، الصناعة،السياحة” مع العلم أن تلك الجهات لا تقدم للصناعات الحرفية وللموروث الثقافي والشعبي إلا القليل، وهو السبب الجوهري لما شهدته البلاد من ضياع واندثار الكثير من الحرف والصناعات الشعبية المتوارثة في غضون السنوات الماضية والى يومنا هذا، حيث أصبح الاهتمام شكليا فقط في المناسبات أو عند طلب دعم من المنظمات الدولية المانحة (تسول) باسم دعم الحفاظ على الموروث الحضاري لليمن الذي هو عنوان هويتنا اليمنية. للأسف الجهات المختصة أسهمت وبشكل مباشر في إتلاف الهوية والقيمة الاقتصادية والتاريخية الحضارية، التي قد تصبح تلك الصناعات في الأيام القادمة جزءا من الماضي بدون عودة، بفعل ذلك الغياب المتعمد والمتجاهل، وسط تراشق التهم بين الجهات المعنية ورميها على الطرف الآخر.. “الجمهورية “طرقت باب ضياع الموروث الثقافي من الصناعات الحرفية وتناولتها في إطار التحقيق التالي. الأمر بات جديا للتنبه لمثل هذه القضية التي تهم كل أبناء الوطن بالحفاظ على ما تبقى لدينا من موروث الذي أسهمت بعض الجمعيات وبشكل ملفت أن تحافظ وتحيي بعض الحرف على ديمومتها, رغم افتقادها لأدنى وسائل الدعم والتشجيع وتقاوم غزو كل الحرف والصناعات الأجنبية الدخيلة على السوق اليمني من منتجات “صينية, هندية, مغربية” والأغرب من ذلك كله إن تلك المنتجات تحمل الهوية والطابع اليمني المقلد وهذه الخطورة بحد ذاتها. ضياع الهوية الشاب عبد الرقيب عبدالله عبده، خريج جامعة ولديه معمل لصناعة المعاوز، تحدث عن ذلك بالقول: فعلا أخي تناولك لهذا الموضوع أمر في غاية الأهمية الذي لابد أن تنتبه إليه الجهات المعنية وكل القائمين على الموروث الثقافي وكل المهتمين، وتتخذ قرارات صارمة للحفاظ والارتقاء بالصناعات الحرفية التي بدأت تندثر, وقد لا نرى في السنوات القادمة أي حرفة يمتهنها الشباب؛ لأن هذا الجيل لا يعي بأهمية الحفاظ على الهوية الوطنية التي هي عنوان كل يمني، ورافد محوري مهم في التنمية لكثير من الأسر التي تعمل على التقليل من توسع البطالة والتخفيف من حدة الفقر. فشل ذريع واستغرب عبد الرقيب عندما سألناه: برأيك أي جهة تعنى وتهتم بالصناعات الحرفية “الصناعة أو الثقافة أو السياحة”؟!. كان رده نوعا من السخرية واستشهد بالمثل اليمني “كلهم ك “الأطرش وسط الزفة” و”عمياء تخضب مجنونه” كل واحد من الجهات يدور كيف يلهف الدعم والمخصص لذلك ما يهم أي احد بقاء أو اندثار تلك المهن والموروث بشكل عام الذي يحتاج إلى من ينتشله من ما يعانيه. مشغولات أجنبية يوافقه الرأي الأخ احمد إسماعيل مقبل مالك لأحد “ معمل صناعة المعاوز” أن عدم الاهتمام بمثل تلك الصناعات الوطنية والتاريخية الهامة التي هي جزء من موروثنا الثقافي الاجتماعي الهام ظاهرة خطيرة تتجه معظم الصناعات إلى الزوال ولابد أن تحظى بأهمية خاصة من قبل الحكومة, إلا أنه وعلى ما يبدو ليس هناك توجه جدي للحفاظ على هذا الموروث, مع العلم أن الجهات المختصة تمنح تجار استيراد المشغولات اليدوية والصناعات الصينية الصغيرة الرخيصة امتيازات وتسهيلات في دخولها البلاد, الأمر الذي أسهم وبشكل غير مباشر في ترك الكثير من المهن الحرفية من قبل محترفيها حيث أصبح السوق اليمني يغرق بالمنتجات الصينية وهو ما أدى إلى الانهيار الحقيقي في أوساط الكثير من المهن التقليدية اليمنية. غياب الدعم والتشجيع في إحدى المحلات التجارية لبيع المشغولات الحرفية في حي القاع بأمانة العاصمة عبدالكريم محمد غالب المسوري الذي ما إن تلج باب محله التجاري وكأنها قطعة فنية من شتى مختلف المشغولات اليدوية, حيث أشار أن واقع الصناعات الحرفية والمشغولات اليدوية مرير جدا حيث إن الدولة أخفقت في الحفاظ على أمن البلاد، من حيث الاهتمام بذلك الموروث الهام وأن غياب الأمن قد أسهم في تلاشي بعض المشغولات التي كان يقتنيها السائح الأجنبي، وأرجع المسوري أن تداخل المهام بين الكثير من الجهات المعنية هو بحد ذاته الداء الخبيث الذي أدى إلى اندثار وتلاشي المشغولات اليدوية الصناعية في بلادنا. - وأضاف كونه مهتما بالموروث وببيع المشغولات اليدوية والصناعات الحرفية الصغيرة إلا أنه لم يلاق أي دعم أو تشجيع من الجهات المختصة، وكما يقول إنه لا يوفر إيجار محله التجاري الباهظ أو قوت أولاده اليومي. تحديات حقيقية طرحنا هذه الإشكالية وتناولناها مع رئيس الاتحاد العام للجمعيات الحرفية والصناعات الصغيرة عبد الملك السويدي الذي أكد قائلا: حماية الصناعات والحرف اليدوية مسؤولية وطنية يجب أن نتنبه لها اليوم وبقوة، وأن يستجيب الواقع للحفاظ على تلك المهن والعمل على النهوض بها, إلا أن ما يحدث اليوم هو العكس فحال الحرف والصناعات الصغيرة اليدوية في حال يرثى لها فعلا بما تواجهه من تحديات حقيقية أبرزها التمويل والتسويق والتدريب والتأهيل حتى نستطيع أن نرتقي بها لنغطي السوق المحلي وننافس بها الأسواق الخارجية, بدلا من أن تصبح بلادنا سوقا مفتوحا لكل المنتجات الحرفية الأجنبية, باتت كمنافس يهدد عددا من المهن في عقر دارها ليجبرها على الانهيار والزوال والاندثار؛ الذي لا يحس به احد سوى من يهتم بها وجعل منها مصدرا للعيش الكريم, لنجد المئات من الأسر في قائمة البطالة لتصبح حكايات من الماضي نترحم عليها. - وأضاف: ما يطلب منا جميعا هو الإرادة الحقيقية وتوحيد الجهود المشتركة من كافة الجهات المعنية، وتنفيذ قرار منع استيراد المنتجات الحرفية الأجنبية أو رفع قيمة الضرائب على تلك المنتجات وتعود نسبتها لصالح ودعم المنتجات الحرفية الوطنية. أسواق دائمة وعن الازدواجية التي تعانيها الصناعات الحرفية “الموروث الثقافي والحضاري” في بلادنا ووقوعها تحت سيطرة عدة وزارات, دعا السويدي إلى ضرورة إيجاد هيئة أو مصلحة حكومية منفردة ومختصة تعطي جل اهتمامها لهذا الموروث الحضاري الذي تزخر به بلادنا ولما لها من مردود متنوع في مختلف الجوانب إذا أحسنا استغلالها والارتقاء بها، حينها نستطيع اجتذاب الاستثمار فيها وكذا اجتذاب الحرفيين وعودتهم لمهنهم. بذلك تكون الانطلاقة الحقيقية وخطوة أولى في امتصاص البطالة وتحسين أوضاع الأسر اليمنية وسيسهم في تطوير المنتج الحرفي في بلادنا. - وشدد على ضرورة إيجاد أسواق دائمة للمنتجات الحرفية الوطنية في عواصم المحافظات بدلا من إقامة المعارض الموسمية المصاحبة على هامش بعض الفعاليات, وهذا سيمثل دعم وتشجيع عدد من الحرفيين والجمعيات للعمل وتسويق منتجاتهم. أسواق داخلية وللمراكز البحثية العلمية حديث في ذلك حيث أشار الدكتور عبد الرؤف الرمانة مدير مركز التنمية الحرفية، جامعة الحديدة، الذي قدم معالجات هامة في هذا الجانب، وحث على ضرورة أن يتم التركيز على الاهتمام بتوظيف التفكير المنظومي للصناعات الحرفية، من حيث صناعة الأفكار الحرفية وتحويلها إلى إنتاج, واختيار نوعية الخامات المحسنة للإنتاج مع أهمية تطوير الآلات ومعامل إنتاج وتدريب الأفراد على تطوير أدائهم الحرفي ومن خلال المعامل المطورة والعمل على تنوع الإنتاج الحرفي وتطوير الاستثمار في العالم القروي، وتحسين عملية التغليف والتخزين الذي يتطلب بعد ذلك خلق أسواق داخلية وخارجية للمنتج الحرفي. هيئة مستقلة ويؤكد الدكتور الرمانة أنه لا يمكن أن يتم تحقيق ذلك إلا بجمع شتات الجهات المسئولة عن هذه الصناعات في هيئة مستقلة، يمكن أن تسند إليها توظيف التفكير المنظومي لهذه الصناعات والأعمال الحرفية، فالمخطط الاقتصادي لهذه الصناعات والأعمال الحرفية يتغاير في شروطه عن شروط واضعي الاقتصاد الحاليين، هذه الشروط ذات صبغة اجتماعية وثقافية كنتاج وخصوصية لتفاعل الإنسان اليمني ببيئة صعبة والمتطلبة العمل من الجميع رجالاً ونساء لتحقيق الإنتاج. - وأضاف: إن الأسرة تمثل فيه الركيزة الأساسية كوحدة إنتاجية مستقلة استغلالاً لعامل الزمن المغاير بتعاقيده التضاريسي وتناثره السكاني في أكثر من 129ألف نقطة تجمع سكاني حوته بيئته، حيث يبرز إعادة المخطط يمثل بعداً استراتيجياً للدخل القومي للبلد لما يمكن أن يوفره من عائدات النفط من المحدودة والناضبة عن المدى القريب، ما نفتقد إليه للمحاولة في الكشف عن مخزوننا الفكري والثقافي والتعريف بأنماط تفكيره وثقافته لدول مغايرة في أسلوب تفكيرها وثقافتها عنا. طرح الحلول كما أكد عبد الرقيب عبدالله ضرورة إيجاد وتحديد جهة حكومية مختصة تهتم بالموروث الثقافي الحرفي والشعبي, لأنه حقيقة لا يجب أن ننظر إلى أن تحتضر الحرف وينتهي الموروث بين أحضان العديد من الجهات المعنية الغائبة عنها في واقع الأمر؛ التي أثبتت فشلها الذريع في كافة المستويات. دعم الحرفيين ويلخص عبدالكريم المسوري قوله: إن المحافظة على الحرف ودعم الحرفيين في شتى المجالات والعمل على تشجيعهم, وتوفير الأجواء الآمنة حتى يتسنى للأجانب زيارة اليمن في مختلف المناطق السياحية وهو ما يرفع المنتجات من المشغولات الذي يحرص السياح على اقتناء المشغولات اليمنية الحرفية وتجويد تلك الصناعات حتى تنافس المنتجات الأجنبية من حيث الجودة والإتقان. برامج تأهيلية مدير مركز التنمية الحرفية جامعة الحديدة، الدكتور عبد الرؤوف الرمانة، يؤكد ضرورة أن تتبنى الحكومة برنامجا وطنيا يهدف إلى الارتقاء بواقع الصناعات الحرفية والمشغولات اليدوية لتصبح ملاذا آمنا لكثير من الأسر الفقيرة والعاطلة في ظل ثقافة العولمة، وكنوع من الحفاظ على الهوية الوطنية، ويمكن لمركز التنمية الحرفية بجامعة الحديدة المساهمة وبفعالية بتقديم برامج حرفية متنوعة ومدروسة في هذا الجانب تستطيع توفير فرص عمل لدعم القوة الشرائية وتقيهم مخاطر الفقر والبطالة، والأهم من ذلك كله توفير فرص عمل وأسواق محلية وخارجية لبيع الإنتاج الحرفي. - وحث الرمانة ضرورة استغلال طاقات الشباب من خلال برامج تأهيلية متنوعة ومتعددة لتحويلهم من قوى عاطلة إلى قوى إنتاجية تقيهم مخاطر الوقوع في شباك التطرف الناتج عن الفراغ الفكري استغلالا لظروفهم المعيشية. وضرورة أخذ بعض تجارب الأشقاء في بعض الدول ومنها سلطنة عمان من أجل التنسيق والتعاون لتنمية وتطوير الصناعات والأعمال الحرفية كقاسم مشترك. آخر الكلام الصناعات الحرفية تحتاج فعلا نوايا جادة وصادقة في وضع خُطط وبرامج هادفة وتنفيذ الاستراتيجية الوطنية على أرض الواقع، وليس مجرد كلام على الأوراق كل ذلك سيساعد في النمو الاقتصادي لما يمثله هذا القطاع من أهمية مختلفة ومنها إيجاد فرص عمل للشباب ومكافحة البطالة ورفع المستوى المعيشي للأسر اليمنية, وهذا لن يأتي إلا بدعم الحرف والحرفيين عن طريق تطبيق قرار مجلس الوزراء الذي منع استيراد المشغولات الحرفية الخارجية, وكذا رفع زيادة الضرائب على عدد من المنتجات الأجنبية والذي سيسهم بشكل كبير في إنعاش معظم الحرف وسيعود إليها المستهلك المحلي إذا شعر بقيمتها الوطنية. ويتبين من خلال ما يؤكده الكثير أن أسباب عزوف بعض الحرفيين عن صناعة الحرف يعود لعدم الإقبال عليها في السوق المحلي بسبب تغيير بعض هذه الحرف ولم تعد مواكبة ومتماشية مع العصر, في ظل ما يشهده السوق اليمني من تدفق وغزو للمنتجات الحرفية المقلدة والمغشوشة والمستوردة, حتى أصبحنا مجرد مستهلكين, وارتفاع المواد الخام كون تكلفة الإنتاج الحرفي المحلي مرتفعة جدا مقارنة بالمستورد الخارجي بأسعار رخيصة وزهيدة جداً مع أن للمنتج المحلي جودة عالية وصفاته مميزة.