معدل النمو السكاني في بلادنا يعد من أعلى المعدلات، وبالتالي فإن تنظيم الأسرة وغيرها من أنشطة الصحة الإنجابية تعد أحد اهم الأدوات المتضافرة لتحقيق الأهداف الاجتماعية والإنمائية، بيد أن عموم الأمر ينطق بأن ثمة معوقات أمام الاستثمار في الصحة الإنجابية منها حالة المجتمع اليمني الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فهي تتأثر بانتشار الأمية وبعض تقاليد وعادات المجتمع، علاوة على مستوى توفر هذا النوع من الخدمات الصحية في ريف اليمن وحضره، الأمر الذي يضع المعنيين أمام تحديات جمة، خاصة بعدما أعلن المجلس الوطني للسكان أن اليمن يعاني من التضخم السكاني المؤثر قطعاً على جهود التنمية بكافة أبعادها ومضامينها. نمو سكاني متزايد 24.25 مليون نسمة سكان اليمن خلال العام الماضي 2012م مقارنة ب21.385.161 نسمة وفقاً لتعداد عام 2004م، هذا ما كشف عنه المجلس الوطني للسكان من خلال تقريره عن حالة سكان اليمن 2013م خلال الأيام القليلة الماضية، وتوقع التقرير أن يصل عدد سكان اليمن عام 2020م إلى نحو 30.8 مليون نسمة في حال بقاء معدل النمو السكاني الحالي على ما هو عليه، وأن حجم الزيادة للسكان في اليمن مستمرة ومتنامية رغم الانخفاض النسبي في معدل النمو السكاني منذ عام 1994م من 3.7 % إلى 3 % عام 2004م، فيما أعلنت وزارة الصحة العامة والسكان مؤخراً أن اليمن يستقبل 6 مواليد كل دقيقة بمعدل 360 مولوداً في الساعة الواحدة، و4320 مولوداً في اليوم الواحد، مشيرة إلى أن عدد سكان اليمن يرتفع بمعدل 129 ألفاً و600 مولود جديد شهرياً، ويرتفع بمعدل سنوي بنحو مليون و555 ألفاً و200 طفل وطفلة. - وحذرت دراسات سكانية رسمية من أن الزيادة في عدد سكان اليمن بشكل لا يتناسب مع حجم الموارد الطبيعية والمادية والاقتصادية الأخرى إلى جانب هشاشة بنية الاقتصاد الوطني وضعف مدخلات التدريب والتأهيل للعنصر البشري وتقلصها مع التطور العاصف في التقنيات والتكنولوجيا واستخداماتها المتنامية في عملية الإنتاج عوامل تقود إلى إحداث الكثير من المشكلات السكانية التي تؤثر بدورها على مجالات التنمية المختلفة، حيث تولد ظروف تعيق من قدرة المجتمع على تنمية قدراته المختلفة، بالتزامن مع زيادة الاحتياجات التمويلية لتوفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية للسكان، الذي يرافقه زيادة الأنفاق الحكومي في مجالات خدمية عديدة، من خلال توسيع قاعدة البُنى الارتكازية من الطرق والجسور للمساعدة في تنقل الزيادة في عدد السكان، وزيادة عدد المستشفيات والمراكز الصحية، وتوفير المستلزمات الطبية اللازمة، إلى جانب زيادة عدد المدارس لاستقبال الأعداد المتزايدة من السكان، وتوفير مستلزمات التعليم بمراحله المختلفة من مدرسين ومعلمين وأبنية مدرسية وتجهيزات، وتضيف هذه الدراسات في حال استمرار ارتفاع معدلات النمو السكاني واتساع الفجوة بين النمو السكاني والنمو الاقتصادي فإن الدولة في ظل ما تحوزه من إمكانيات لن تتمكن من استيعاب مطالب سكانها في المجالات الاقتصادية والصحية والتعليمية خلال الأعوام القادمة، ورغم التضاعف النسبي لعدد المؤسسات التعليمية والصحية والطرق والكهرباء وغيرها إلا أن العجز والضعف في نوعية وكمية تلك الخدمات لا زال هو الواقع المعاش حالياً وكما يبدو مستقبلاً. إنفاق متواضع أظهر تقرير حالة سكان اليمن للعام 2012م الصادر عن المجلس الوطني للسكان أن الإنفاق على الصحة بلغ في المتوسط خلال الفترة الماضية حوالي 4.9% من إجمالي النفقات العامة للدولة، وحوالي 1.5 % من الناتج المحلي الإجمالي مما يجعلها تبدو ضئيلة وفي تناقص دائم مقارنة بالطلب المتزايد عليها، الأمر الذي يؤدي إلى تضاؤل فعاليتها وشموليتها، لذلك تظل نسبة كبيره من سكان اليمن ومعظمهم من الريف لا يحصلون إلا على ما يقرب من ربع الخدمات الصحية، بينما يذهب ما يقرب من ثلاثة أرباع تلك الخدمات إلى سكان قاطني الحضر، ومن ذلك يتضح أن الخدمات الصحية المقدمة على مستوى الجمهورية لا تغطي إلا نسبة بسيطة من السكان، وأن معظم الكوادر الطبية والصحية وكذا المؤسسات الصحية تتركز في عواصم بعض المحافظات. ويظهر التقرير أن عدد المراكز التي تقدم خدمات الصحة الإنجابية في عموم محافظات الجمهورية 2422 مركزاً، وتبين المؤشرات الخاصة التي تعطي صورة عن وضع الصحة الإنجابية لعام 2012م أن 36 % نسبة النساء الحوامل التي ولدن تحت إشراف صحي، و47% نسبة النساء التي حصلن على رعاية أثناء الحمل، وبالنسبة لمعدل استخدام وسائل تنظيم الأسرة بلغ 28 % يستخدمن جميع الوسائل، و 19 % يستخدمن وسائل حديثة و 39 % حاجات غير ملباه، وأشار التقرير إلى أن اكثر من النصف 53 % لا يحصلن على خدمة رعاية الحمل وخاصة في الريف إضافة إلى انخفاض استخدام وسائل تنظيم الأسرة بين النساء من (15 - 49) سنة . في ذمار بلغ سكان محافظة ذمار (1.329.229 ) نسمة طبقاً للتعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت للعام 2004 م وبنسبة معدل نمو سكاني 3.04 % ما يعني أن عدد سكان المحافظة سيصل نهاية العام الحالي إلى أكثر من 1.700.000 نسمة يشكلون ما نسبته 6.76 % من سكان الجمهورية، يتوزعون على 3.3 % في الحضر و 8.1 % في الريف من إجمالي سكان الجمهورية وبنسبة 14 % حضر و 86 % ريف من إجمالي المحافظة، حيث تتركز الكثافة السكانية في المرتفعات الغربية وتحديداً في مديريات عتمة، وصاب العالي، مغرب عنس، وتتركز الكثافة السكانية المتوسطة في مديريات وصاب السافل جهران عنس جبل الشرق، أما مديريتا ضوران والحدأ فإنهما تمثلان الأقل كثافة مقارنة ببقية مديريات المحافظة. وفي هذا السياق التقت صحيفة الجمهورية الأخ الدكتور محمد الجماح مدير عام مكتب الصحة العامة والسكان بمحافظة ذمار حيث قال: يوجد بالمحافظة(305) منشآت صحية في القطاع العام موزعة ما بين مستشفى ومركز ووحدة صحية تقدم الخدمات الصحية للمواطنين بالمحافظة، إلا أن هذا العدد يرافقه نمو سكاني مرتفع يصل بحسب التقديرات إلى أكثر من(42.300) سنوياً، هذه الزيادة تؤثر على نسبة تغطية الخدمات بشكل عام والصحة الإنجابية بشكل خاص، إلى جانب ما يتطلبه كل ذلك من زيادة مستلزمات المرافق الصحية وخاصة في الريف الذي يشكل السكان فيه ما نسبته 86 % من إجمالي سكان المحافظة . - ويضيف الدكتور الجماح أن أسباب الزيادة السكانية تكاد تكون متشابهة في كافة المحافظات، ولعل الحمل المبكر قبل سن 18 سنة ابرزها، إلى جانب الحمل المتقارب والمتكرر والولادات المتقاربة حيث يعتبر معدل الخصوبة للمرأة اليمنية من المعدلات المرتفعة والتي تقدر5.2 كما أن قلة الوعي والتثقيف الصحي بين أوساط المجتمع تلعب دوراً هاماً، ناهيك عن تواجد الكثافة السكانية حيث تتركز الكثافة السكانية في محافظة ذمار في المديريات الغربية وهي في أغلبها مناطق ريفية ذات تشتت سكاني كبير. دعم وشراكة وحول مستوى تقديم الخدمات الصحية يقول الجماح: حظيت المحافظة إلى جانب ما تم اعتماده وتقديمه من القطاع الحكومي بدعم الأصدقاء الهولنديين للمحافظة طوال ثلاثة عقود وهذا الدعم عمل بشكل نوعي في تحسين الخدمات الصحية قسم هذا الدعم على ثلاث مكونات أساسية تحسين خدمات الصحة الإنجابية، والثاني لدعم خدمات الرعاية الصحية الأولية, والثالث مكون النظم لبقية الخدمات الأخرى من تخطيط ونظم المعلومات وغيرها من التدريب والتأهيل والتأثيث. وحول طبيعة العلاقة بين الزيادة السكانية والصحة الإنجابية وما يرتبط بها من أنشطة تعمل على تنظيم النسل يقول الجماح: أقام مكتب الصحة العامة والسكان بالمحافظة وبرنامج الصحة الإنجابية وعدد من الجهات ذات العلاقة عدداً من اللقاءات التوعوية والتعريفية والبرامج والدورات التدريبية استهدفت قيادات وأعضاء السلطة المحلية بالمحافظة والمديريات والمعنيين بالشأن الصحي والتربويين والأكاديميين والخطباء والمرشدين والمهتمين بقضايا السكان والصحة من منظمات المجتمع المدني، تضمنت في مجملها نشر الوعي حول قضايا الصحة الإنجابية وخدماتها، إلى جانب تنفيذ عدد من الدورات التدريبية لنظراء الصحة، كما تم فتح مركز في جامعة ذمار خاص بالتوعية لقضايا الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة. خدمات الصحة الإنجابية وفيما يخص الخدمات المقدمة تقول الأخت أميرة عراف مديرة إدارة الصحة الإنجابية في مكتب الصحة العامة والسكان بمحافظة ذمار: هناك أربع خدمات أساسية خاصة بالصحة الإنجابية تقدم من خلال المراكز الصحية المنتشرة في عموم مديريات المحافظة البالغ عددها 66 مركزاً، تقوم بها العاملات الصحيات، وتشمل هذه الخدمات رعاية الأم الحامل من بداية الحمل وحتى موعد الولادة، وخدمات الولادة وما بعدها، إلى جانب خدمات تنظيم الأسرة والتي تعتبر سلوكاً حضارياً يوفر للزوجين خياراً مناسباً للتحكم بموعد البدء بإنجاب الأطفال وعددهم والفترة الفاصلة بين طفل وآخر، وتضيف: أن لتنظيم الأسرة فوائد كثيرة أهمها خفض معدل نمو الأسرة، وهذا يساعد على تحسين مستوى الحياة والصحة بشكل عام، والحد من الصعوبات الاقتصادية المصاحبة لكثرة الأولاد، إضافة إلى الحد من الإصابة بسوء التغذية للأم والطفل. أرقام أشار تقرير التغطية التراكمية لخدمات الصحة الإنجابية الذي حصلنا عليه من إدارة الصحة الإنجابية لمكتب الصحة بمحافظة ذمار أن عدد النساء الحوامل والمتزوجات اللاتي ترددن على مراكز الصحة الإنجابية المتواجدة في المحافظة من بداية يناير وحتى نهاية أكتوبر من العام الحالي 2013م بلغ 59430 حاملاً، وعدد النساء المتزوجات 206363 متزوجة، وفيما يخص الولادة تحت إشراف طبي بلغ خلال نفس الفترة 15862 حالة ولادة على مستوى المحافظة، ما نسبته 28 % ، أما الرعاية بعد الولادة الأولى والثانية والثالثة فبلغ عدد الحالات على مستوى المحافظة خلال الفترة المذكورة 15103 – 6869 – 6926 على التوالي. مسئولية مشتركة من خلال ما ذُكر يتضح للقارئ التشخيص الموضح لواقع حال النمو السكاني وأسبابه وآثار زيادة النمو على الفرد وأسرته ومجتمعه، وما يرتبط بكل ذلك من خدمات يزداد الضغط عليها وعلى المواطن بشكل ارتدادي في ظل الإمكانيات التي تحتاج إلى إشباع اقتصادي وموارد إضافية، الأمر الذي يفرض بذل مزيد من الجهود المشتركة التي تعزز من ضبط إيقاع النمو السكاني المرتفع، بدءاً بواضعي السياسات والقيادات المعنية الصحية منها والمحلية ومؤسسات التنشئة الاجتماعية والقطاع الخاص، والمنظمات غير الحكومية، والعاملين في وسائل الإعلام، وتتمركز هذه الجهود في اطار الوعي المجتمعي لتوليد طلب على خدمات الصحة الإنجابية، وما يرتبط بها من أنشطة مترافقه بإنتاج سبل الحصول على خدماتها المتكاملة بوفرة ويسر في ريف اليمن وحضره، إلى جانب تحسين قدرات العاملين الصحيين والأخذ بمناهج حديثة ومبتكرة في مجالات تنظيم الأسرة بالمحافظات ووسائل خدماتها، ومن الثابت أن زيادة الإنفاق الحكومي على خدمات الصحة وبالذات الإنجابية منها لمواجهة متطلبات التزايد السكاني وخاصة في الريف تظل مسألة موجبة التنفيذ في اطار استراتيجية مخططة تضمن تطوير القدرات الوطنية في مجالات الإدارة والتخطيط والرصد.