الأعشاب الطبيعية كانت وما زالت وسيلة مُثلى للقضاء على كثير من الأمراض، وقد كان العرب أصحاب السبق في التداوي بها، والتعامل معها كعلم له قواعده وأصوله، وتركوا وراءهم مخطوطات قيمة، تناولت تفصيلاً طرق استخدامها، وما زال يعتمد عليها كمراجع موثوقة يلجأ إليها كثيرون، والآن وفي ظل التطور الذي يشهده قطاع التصنيع الدوائي، وبعد أن استبدلت العقاقير التقليدية بالعلاجات المتطورة الحديثة، ثمة دعاوى للعودة لما جبل عليه الآباء والأجداد، وأصبح لعالم الأعشاب الطبيعية سوق رائجة مربحة تحت مسمى «الطب البديل»!! سمعة سيئة من جهته صالح الشميري «خبير في الأدوية العشبية» أوضح أن كل شيء في الحياة له ضرر ونفع، وأن الأدوية العشبية تعد أقل ضرراً من غيرها، لأن الأغلب في الأدوية العشبية أنها غير ضارة وليس لها سميات، ويستخدمها حتى للأطفال حديثي الولادة. وأشار الشميري إلى أن المختصين أكدوا قدرة الأدوية العشبية على علاج أمراض مستعصية، بعد خضوعها لعديد شروط، من أهمها أن تكون العشبة أو الأجزاء النباتية التي تحتوي على المادة الفعَّالة قد جمعت ونظفت وجففت وخزنت تحت معايير علمية صحيحة، فضلاً عن تعبئتها بشكل سليم. ويستحسن حسب توصيف الشميري أن تطبق عليها شروط وإجراءات التسجيل بوزارة الصحة. - وأردف قائلاً: من النادر جداً وجود أضرار للأدوية العشبية في حال استخدامها، إلا أن الأخطاء الدوائية واردة في كل أنواع الطب، ونسبة كبيرة منها تحدث في الطب الحديث، فقد أثبتت التحاليل أن هناك خلطات لأدوية عشبية وأخرى طبية حديثة تستخدم لزيادة الوزن تسبب الفشل الكلوي وتلف الكبد وسرطان القولون. مشيراً إلى أن هذه الوصفات وغيرها من الخلطات التي تروّج على أنها صالحة لعلاج أكثر من عشرة أمراض في آن واحد الهدف الأول والأخير وراءها هو هدف ربحي بحت، مطالباً بضرورة تدخل وزارة الصحة لتصحيح أوضاع مراكز العلاج بالأعشاب، ووضع ضوابط لها لمنع الدخلاء على المهنة من العمل باسمها، وإلحاق الضرر بمن يتعاملون بها من المرضى، فضلا عن رواج سمعة سيئة لهذا النوع من الطب. ضوابط ومحاذير يقول د. عبد الرحمن خالد «استشاري باطنية» إن للتداوي بالأعشاب الطبيعية أهمية كبيرة، وقد تداوى بها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وأصحابه، مشيراً إلى عديد ضوابط ينبغي الأخذ بها أثناء التداوي بهكذا أعشاباً، وأهمها أن تكون هذه الأعشاب مضمونة المصدر، وأن يقتصر التعامل مع مواصفاتها وطرق استخدامها على المراكز الطبية والعلمية المعتمدة، وذلك لتحديد الجرعة الملائمة لكل مريض ومدى ملاءمة العشبة لحالة المريض العامة، حتى لا يترتب على استخدامها بشكل عشوائي تعارض مع عقاقير أخرى يتناولها أو ما شابه ذلك. - وأضاف: من الخطأ أن نتصور أن التداوي بالأعشاب آمن تماماً، فهناك أعشاب يسبب استخدامها أضراراً جسيمة للصحة العامة مثل استخدام الأعشاب الطبيعية كبديل للأنسولين في حالات السكري؛ فقد يترتب على مثل هذا حدوث مضاعفات حادة للمرضى مثل غيبوبة السكر، ويلجأ البعض أيضاً لاستخدام هذه المواد المجهولة مع الجروح مما يترتب عليها آثار بالغة الخطورة. تأثير خفيف الأعشاب الطبيعية منحة من منح المولى عزَّ وجل لبني البشر، خلقها للتداوي من الأمراض تحقيقاً للحديث الشريف «إن الله لم يخلق داء إلا وجعل له دواء»، هذا ما ابتدأ به الشيخ أحمد عبد الخبير «معالج بالأعشاب» حديثه، موضحاً أن التأثير العلاجي للأعشاب الطبيعية لطيف خفيف، ويحدث تدريجياً، بل ويعد عنصر أمان ضد الوصول إلى جرعات مفرطة أو سامة، أي انها من هذه الناحية تعد أكثر أماناً من الأدوية المستخلصة أو المصنعة، وخلاصة القول إن الفوائد العلاجية للأعشاب الطبيعية لا ينكرها أحد، ولكن يجب معرفة متى وكيف تستخدم؟ فنحن لا نرجحها على الأدوية المصنعة، ولا نرجح الأخيرة عليها، فلكل موقعه على الخريطة العلاجية، والقاعدة هي اتباع الإرشادات العالمية في مجال التداوي من الأمراض، وعدم اللجوء من تلقاء أنفسنا أو بنصائح يوجهها لنا الأصدقاء من دون علم. - وأردف قائلاً: هناك شروط للاستخدام الآمن للأعشاب، أهمها هو الحصول عليها من مصدر موثوق، وأن تكون هناك معايرة لهذه الأعشاب من قبل المنتجين لتحديد نسبة المادة أو المواد الفعالة بطريقة علمية سليمة، وتجهيز العشب على شكل جرعات محددة في أكياس أو أقراص مثلاً حتى يتجنب المريض الحصول على جرعة زائدة منه. والدواء ليس سلعة استهلاكية يمكن تشجيع المستهلك على شرائها، والمريض أسير لآمال الشفاء، ويجب عدم العزف على أوتار الأمل بالشفاء بأي وسيلة إعلانية لا تلميحاً ولا تصريحاً، لكي يظل المفهوم السائد هو أن كل دواء سم لا يتم اللجوء إليه إلا للضرورة. موروثات خاطئة تقول مها عز الدين «طالبة جامعية»: إن استخدام الأعشاب الطبيعية ووصفاتها معروف منذ القدم، وهو أمر متوارث في مجتمعاتنا ولكن ليس كل ما هو موروث صحيحاً، فهناك عادات يجب مكافحتها والقضاء عليها، وبالرغم من ورود بعض هذه الأعشاب والنباتات الطبيعية في الأحاديث النبوية الشريفة التي توضح لنا فوائدها، إلا أن هناك استغلالاً لهذه الأحاديث الشريفة في الترويج لوصفات ليس لها أساس؛ وقد يترتب على استخدامها ما لا يحمد عقباه، وتؤيد مها اللجوء لمثل هذه النباتات الطبيعية في علاج الأشياء البسيطة مثل المغص أو نزلات البرد البسيطة، مع استشارة ذوي الخبرة من الأطباء المتخصصين لتصحيح بعض موروثاتنا الخاطئة. فئران تجارب أما خالد العديني «موظف» فيقول إنه لا يلجأ لمثل هذه الوصفات، لأنه يرى أنه من الأفضل اللجوء إلى الأطباء من ذوي الخبرة والاعتماد على وصفاتهم من الأدوية الطبية المجربة والمعروفة والمحددة بجرعات معينة تختلف باختلاف السن أو الوزن، موضحاً أن هذه الآثار الجانبية لهذه الأدوية معروفة ومحددة، ويرى أن مروّجي مثل هذه الوصفات مجهولة المصدر يعتبرون المرضى فئران تجارب، ويتجاهلون آلامهم ويستغلون أملهم في الشفاء لتحقيق الثراء السريع. - وأردف قائلاً: إن استخدام هذه الوصفات من مظاهر التخلف والجهل، خاصة في الوقت الذي يشهد تطورات كبيرة في مجال معالجة هذه الأعشاب بشكل علمي متطور يضمن استخدامها بشكل آمن يتناسب مع طبيعة حالة المريض. أمر محير وتقول علياء معياد «ربة منزل»: إن الكثيرين من أقاربها وجيرانها يقبلون على هذه الوصفات المعلن عنها في وسائل الإعلام المختلفة، أو التي توصف لهم من خلال أحد العطَّارين المشهورين بتقديم مثل هذه الأشياء، وتستخدم أحياناً لعلاج أمراض خطيرة مثل السرطان أو الحصوات، وحتى لمن يرغبون في الإنجاب. - وتضيف أن هذه الوصفات تأتي فعلاً بنتائج إيجابية مما يشجع الآخرين على استخدامها، فهذه الحالات التي تشفى باستخدام هذه الوصفات هي أفضل دعاية لها، وإن كانت هذه النتائج الإيجابية على المدى القريب دون أن نعرف تبعاتها، وفي المقابل أعرف أشخاصاً تعقّدت حالتهم المرضية وازدادت سوءاً مع استخدام هذه الوصفات، فالأمر حقيقة محير ويحتاج لنوع من التوعية من خلال كافة الجهات المعنية بالصحة.