أكثر من خمسين عاماً مرّت على رياضتنا اليمنية، فغرق المسئولون عنها في تشعبات وتفاصيل لا تخدم الشباب والرياضة في بلادنا.. وأغرقوا سفينة هذه الشريحة الواسعة في محيط متلاطم الأمنيات والوعود التي لا تحمل من النوايا الطيبة إلا القليل، والكثير منها كانت سلباً ونهباً ومصادرة لأموال مرصودة للتنمية الرياضية، فنمت كروشهم وتعاظمت أرصدة قروشهم، ونفشوا ريشهم وتحجرت عقولهم وتجمدت حركة التطور الرياضي في عهودهم.. وهذا بالطبع أيضاً يجعل رؤساء الحكومات والرؤساء الذين تناوبوا على السلطة في بلادنا متهمين أيضاً بهذا التخلف الذي طال القطاع الشبابي والرياضي.. من شبع مرض رضي بالموت!! فيما تمكنت دول عربية خلال خطة خمسية أو اثنتية من إنجاز العديد من المشاريع العملاقة ،ونهضت وتطورت الألعاب الرياضية بفضل الأفكار التي تحولت إلى أفعال وتجسدت إلى صروح ومنجزات للبنى التحتية ،اختزلت بها تلك الدول الزمن وانتصرت في تحديها فسبقتنا ونحن كنا في مقدمة الركب عندما كانت الرياضة تنفخ فيها الروح بالهواية وليست بالاحتراف غير المنظم الذي قاد الكرة اليمنية إلى الحراف. ولأنه حسب الحكمة اليمانية “من شبع مرض رضي بالموت” فإن الكرة اليمنية من شدة مرضها قد ترضى بالموت ،هروباً من الألم المتتالي ،الذي لا تنفع معه أدوية الاسبرين والمهدئات ..التي أعطيت لها خلال أكثر من خمسة عقود مرت على ثورتي سبتمبر وأكتوبر الستينيتين.. فقد اكتفى المسئولون المتعاقبون على الوزارة الرياضية والهيئات الرياضية المنضوية تحت إدارتها بالقليل من العمل ،والكثير من المزاجية في التخطيط ،واللخبطة في التنفيذ ..وفي المحصلة النهائية كانت كل خطة خمسية تخرج الرياضة اليمنية منهكة بالأقوال ،فيما الإنجازات أحبار على الأوراق، ومزدحمة بالدوسيهات. وأما ملفات المشاريع فهي متهتكة من كثرة الإهمال في أدراج المسئولين المعنيين ممن أكلوا ملايين الريالات والدولارات المرصودة لهذه الصروح الرياضية، وكل عام وهم ينزلون مناقصات لذات المشروعات ويتقاسمونها كما الفيد. «راوح».. الاستثناء ويبدو أن مرحلة الدكتور عبدالوهاب راوح وزير الشباب والرياضة الأسبق هي أفضل المراحل التي يمكننا الإشادة بها والإشارة إليها إنصافاً لهذا الرجل الذي اجتهد في العمل ،ونفض عن ساعد الجد من أجل الابتعاد والنأي بالإدارات في وزارته عن انتهاج الفوضى الإدارية والعبث وإهدار الفرص المتاحة لاستثمار الزمن والدعم الحكومي من أجل الحصول على منجزات حقيقية وملموسة في الواقع ترتقي وتنهض بالرياضة وتؤسس لمرحلة جديدة تقوم على انتهاج الدراسة والتخطيط الصحيح والاستراتيجية الواضحة لعمل الوزارة وإداراتها ومكاتبها في المحافظات. وكان أبرز ما عمله وزير الرياضة عبدالوهاب راوح هو وضع استراتيجية الرياضة القائمة على بعث الحياة في الواقع المهيض للرياضة ،من خلال الاهتمام أولاً بالبنى التحتية والمنشآت وثانياً بالقواعد الأساسية للألعاب والمتمثلة في إيجاد الركائز لاستمرار الرياضات وهي الفئات العمرية من خلال التعميم للأندية والاتحادات ووزارة التربية والتعليم بضرورة استعادة دور الأحياء الشعبية والمدارس في اكتشاف المواهب الواعدة بالنجومية ورعايتها واحتضانها من الأندية لأنها الخطوات الأساسية التي يمكنها أن تحمي الرياضة اليمنية من الاندثار والتهتك والغيبوبة التي قد يعلن بعدها اليمن خلوه من الأنشطة الرياضية في ظل اجتياح القات والمعسّل والشيشة وأخواتهم للنشء والشباب.. ولذلك شرع الوزير راوح في طرح مشروع إنشاء صندوق لرعاية النشء والشباب يكون فيه الدعم من بعض المصانع بنسبة 1 % من ضريبة المحصلة منها لصالح بناء المنشآت الرياضية التي يستفيد منها الجميع كالاستادات والصالات وغيرها ذات الصلة بالمجال الشبابي والرياضي.. وهذه الفترة هي الوحيدة نقطة الضوء في تاريخ الرياضة ببلادنا ،فقد نتج عنها حصول البلد على أول منتخب يمني يبلغ نهائيات كأس العالم بهلسنكي الفنلندية عام 2003م.. عندما حصل على المركز الثاني بركلات الترجيح أمام كوريا الجنوبية في نهائي آسيا الذي استضافته مدينتا أبوظبي ودبي الإماريتين في مثل هذا الشهر وذلك عام 2002م. المعضلة.. هي هي..!! ولما انقضى عهد التخطيط الصحيح ،وأفلت نقطة الضوء ،عاد الفساد يضرب أطنابه في الوزارة الرياضية ،وداهم الدخلاء على الرياضة هذا الصرح العظيم وحُرِمَ الشباب والرياضيون من حقوقهم في الاهتمام والرعاية ،وباتوا خارج إطار الاهتمام، وطالهم التهميش والتطنيش حتى اللحظة بجميع الألعاب بشكل عام ،وكرة القدم بصورة خاصة، باعتبارها واجهة الشعوب التي تهتم بهذه الرياضة عالمياً ويمارسها الآلاف من المنتسبين لهذا القطاع.. ولن تتقدم كرة القدم عندنا قيد أنملة ما لم يتقدم الدوري اليمني ،ولن يحدث ذلك إن بقي الفكر المتجمد يحكم إدارات الأندية واتحاد القدم بصورة خاصة، فكلاهما مسئولان أساسيان على نفخ الروح في كيان كرة القدم في بلادنا.. ومادامت إدارات الأندية تنزع إلى الموسمية والعمل الظرفي فلن يحصل التطور في أداء لاعبيها ،ولن تكون مخرجاتها من اللاعبين في الفئات العمرية ذات جدوى مهما كثرت وتعاظم عددها دون الالتفات إلى الاهتمام المبرمج والمحكوم باستراتيجيات قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد. وإن قامت إدارات الأندية اليمنية بمهامها كاملةً، فإنها بالتأكيد لن تقدر على تحصيل الثمرة يانعةً في المستقبل إلا إذا تكاملت معها الجهود التي ينبغي على الاتحاد الكروي بذلها في سبيل الارتقاء بالأداء والمستوى من خلال تنفيذ مهامه أيضاً بنجاح وبانسجام وتناغم مع الإدارات في الأندية.. وتتضمن مهام الاتحاد الكروي وإدارات الأندية أدوار الأجهزة الفنية، ومخصصات الوزارة وإشرافها ودعمها اللوجستي.. والجهات الداعمة وروابط القواعد الجماهيرية التي هي روح الرياضة ودمها وأكسجينها. فمنذ قيام الثورتين 26 سبتمبر و14 أكتوبر قبل أكثر من خمسين سنة بقيت المعضلة هي هي.. فالإدارة الضعيفة والفاسدة والدخلاء على الرياضة هي التي أنهت العديد من الآمال الكبرى، وعطلت جريان الدم في أوردة المشاريع لتجد النور في الواقع ويستفيد منها الجمهور الرياضي والشباب والمنتسبون للرياضة. ويمكننا اختزال التخلف الرياضي في اليمن في متهم رئيس هو المعضلة الإدارية.. ومتى تخلصنا من الإداريين الذين يهدمون ولا يبنون.. وعندما يبدأ العمل بنظام الأقاليم فربما تتضح الصورة الحقيقية للجائحة الإدارية التي أهلكت الأخضر والرطب واليابس منذ قيام الثورة ،إذ سيعمل كل إقليم على أن يبني نفسه في كل المجالات بعيداً عن التسلط والجمود الذي كان قاتلاً للنمو في كيان الرياضة ببلادنا.. وليس من دواء ناجع سوى تشخيص الداء أولاً ..ومعظم الأمراض المزمنة التي تعانيها كرتنا اليمنية نقلت عدواها لنا الإدارات الفاشلة وغير الكفؤة التي أتت إلى الكرسي الدوّار بالمحسوبية والقبلية والجهوية والمناصفة الحزبية.. وليس بالتخصص والنزاهة والكفاءة والانتماء للوطنية الحقيقية.