ينتظر المواطن لساعات طويلة عودة التيار الكهربائي, والذي أصبح هذه الأيام كثير الارتباط ب«ترمومتر السياسة»؛ ولعل المفاجأة في الفاتورة التي تأتي كل شهر في الميعاد محمّلة بمبالغ تثير الغرابة, وكأن التيار الكهربائي متواجد طوال 24 ساعة, ويسير على «سنكة 10».. قد لا تكون الفاتورة الضريبة الوحيدة التي يدفعها المواطن ثمناً للتيار الكهربي «غريب الأطوار », فهناك ضريبة أكثر قسوة وإيلاماً قد يدفعها بأشكال عدة, تتقاطع جميعها في كونها تدفع من دم قلبه وتتسبّب في خطف روحه وحياته. في حي عشوائي بأمانة العاصمة, لقي طفل في ال 8 من العمر حتفه أثناء اللعب بدراجته داخل فناء منزل أسرته, كان ثمة سلك كهربي مهمل لم يتنبه أحد من أفراد الأسرة لخطورته, بادر الصغير لإزالة السلك من عجلة الدراجة, فكان أن فقد حياته.. وللكهرباء في بلادنا حكاية مدمية, فليس حضور التيار القادم من الشركة هو الخطر الوحيد, بل حتى في غيابه أيضاً, فالخطر قد يأتي من (مولد الكهرباء) وهناك عائلة من 6 أشخاص لاقت العام الفائت حتفها, في منطقة بني حوات شمال العاصمة, اختناقاً بدخان المولد الكهربائي العالق بعد ترك المولد يعمل داخل صالة المنزل, وسرعان ما استرسل أفراد العائلة في سبات عميق لتحدث تلك الكارثة. عشوائية الكهرباء! وليست العشوائيات في أشكال المباني بمناظرها التشويهية المتراصة في الأحياء بمختلف المدن اليمنية, لكنها تنساب على أمور كثيرة بنفس الإطار العشوائي, فمثلاً الشاب (ع. ه) – 27 عاماً – كان يعمل بائعاً للقات في حي عشوائي شمال العاصمة تفتقت قريحته وتحوّل من بيع القات إلى هندسة الكهرباء؛ ذات يوم وصلت خبرته المتواضعة التي يتشرّف بها إلى منتهاها عندما قذف به خط الضغط العالي من فوق (كنبة) الكهرباء أثناء قيامه بتوصيل عشوائي للتيار إلى أحد المنازل فسقط أرضاً وأصيب عموده الفقري ليصبح مريضاً بشلل الأطراف السفلية!.. وتكاد خدمة الكهرباء أن تكون أم الكوارث, ويكفي ملاحظة عشرات الأسلاك المتشابكة فوق أعمدة الكهرباء والتي يُلاصق بعضها جدران وأسطح المنازل في العشوائيات في العاصمة والمدن الرئيسة, لإدراك حجم الخطورة التي وصلت إليها هذه المشكلة! عام.. حرائق الكهرباء! العام الحالي كان مأساوياً في حوادث الحرائق الناجمة عن الالتماسات الكهربائية لا سيما في العاصمة, ففي أبريل, قدّر الدفاع المدني بأمانة العاصمة الخسائر المادية الناجمة عن حادثة حريق معامل عجمان للتصوير الواقعة في منطقة التحرير والتي شبّت فيها النار بحوالي 30 مليون ريال.. وأرجع الدفاع المدني أسباب وقوع الحريق إلى التماس كهربائي، كما قدّر الدفاع المدني الخسائر المادية الناجمة عن الحريق الذي شبّ منتصف العام الحالي في عدد من المحلات التجارية الواقعة في منطقة الجراف بمديرية الثورة ب 10 ملايين ريال, وجاء في التقرير أن الحريق امتد إلى 11 محلاً تجارياً ونجمت عنه خسائر مادية تقدّر ب 10 ملايين ريال بالإضافة إلى إصابة 7 أشخاص من أصحاب المحلات التجارية، وقد أرجع أسباب وقوع الحريق إلى التماس كهربائي. أرقام ومؤشرات التقرير الإحصائي الصادر عن وزارة الداخلية كشف أن حوادث الالماس الكهربائي التي وقعت العام الفائت بلغت نحو (143) حادثاً بنسبة ارتفاع 49 % عن العام الذي سبقه 2012م أي بفارق 47 حادثة.. وقال التقرير: إن تلك الحوادث تسبّبت بوفاة ما يقارب (102) أشخاص بينهم (9) إناث, وإصابة (38) شخصاً, منهم (4) إناث.. وقدّر التقرير الخسائر المادية الناتجة عن الحوادث ب(49,730,000) ريال. كما ذكر التقرير أن أكثر الأوقات التي تحدث فيها حوادث الالماس الكهربائي تكون في بداية اليوم (الصباح), يليه وقت الظهيرة, ليأتي الليل في المرتبة الثالثة.. وبحسب التقرير, احتلت أمانة العاصمة المرتبة الأولى في عدد حوادث التماس الكهربائي بعدد (31) حادثة, يليها محافظة الحديدة بعدد (24) حادثاً لتتوزّع البقية بأعداد متفاوتة ومتقاربة على المحافظات الباقية عدا محافظتي شبوة وريمة، فلم تسجل أية حادثة من هذا النوع خلال العام 2013م. في هذا السياق يؤكد وكيل مصلحة الدفاع المدني العميد عبدالكريم معياد أن الماس الكهربائي يتسبب في وقوع الكثير من الحرائق سواء في المنازل أو المحلات التجارية والمصانع والشركات والورش ومحطات بيع المشتقات النفطية وغيرها من المحلات السكنية.. ويُرجع أسباب وقوع حوادث الحريق إلى ضعف شبكة الكهرباء الداخلية وعدم تأكد المواطنين من مدى قوة ونوعية أدوات الكهرباء التي يتم تركيبها واستخدامها قبل شرائها وكذا إلى الإنطفاء المستمر والمتكرر للتيار الكهربائي الذي يُضعف أسلاك وخطوط الكهرباء، مشيراً إلى أن المجتمع اليمني يقتني الأدوات الأقل تكلفة دون التفكير في عواقبها أو ما يمكن أن تتسبب به وينتج عنها. وشدّد على ضرورة الالتزام بالقواعد والقوانين عند إصلاح الشبكة الكهربائية واستقدام مختصين ومهندسين متمكنين من العمل في الجانب الكهربائي حتى لا يتم العبث بالشبكة من قبل مدّعي المهنة والقدرة. من جانبهم يشير باحثون في مجال الهندسة الكهربائية إلى أن وزارة ومؤسسة الكهرباء لم تهتم بقضية الماس الكهربائي رغم الحوادث المتكررة والتي تخلّف نتائج وخسائر بشرية ومادية هائلة.. لافتين إلى أن الأنظمة والمولدات المستخدمة غير صالحة للاستخدام كونها متهالكة ولا تقاوم الانطفاءات المستمرة. كما يشدّدون على ضرورة قيام وزارة ومؤسسة الكهرباء بحماية أنظمة وقواطع الكهرباء واستخدام الأنظمة الجديدة التي تساعد على حماية مولدات الكهرباء الرئيسية وكذا إيجاد أجهزة تساعد في منع حدوث أي ماس كهربائي, وضرورة أن تشرف مؤسسة الكهرباء وفروعها على شبكات الكهرباء في المنازل قبل القيام بتوصيل التيار الكهربائي.