الحديث عن مهنة المحاماة دائماً ما يرتبط بطرفين، المحامي نفسه، الذي يشكو من قسوة مهنته وصعوبة عمله ومعاناته اليومية مع الخصوم والأطراف، خاصة في ما يتعلق بتحصيل الأتعاب المتفق عليها، والعميل القادم إلى المحامي الذي يشكو أيضا من ارتفاع الأتعاب المطلوبة إلى حد يسميه البعض جشع المحامين وأتعابهم المبالغ فيها . وخلال استعراض وجهة نظر كلا الطرفين في موضوع الأتعاب نجد شيئاً من المنطق والواقعية بحيث يصعب الانحياز إلى طرف على حساب الآخر، إلا أن الثابت من خلال كل مايطرح حول موضوع أتعاب المحامين أن هناك حاجة ملحة لوضع آلية يمكن من خلالها تحديد أتعاب القضايا مع ترك هامش محدد للزيادة أو النقصان تبعا لتفاصيل كل قضية وخبرة وكفاءة المحامي . والحديث عن أتعاب المحامين أمر مهم، خصوصاً أن مهنة المحاماة شهدت مؤخرًا تطوراً لافتاً في الدولة حيث تم حصر عملية الترافع أمام المحاكم بالمحامين المواطنين مما قلل من عدد المحامين المترافعين، وخلق بعض المخاوف من قبل الموكلين أن ينعكس ذلك على ارتفاع اتعاب المحامين . وللوصول إلى تقييم حقيقي وواقعي حول مايثار عن ارتفاع اتعاب مهنة المحاماة التقت "الخليج" بعدد من المراجعين في دور القضاء الذين تحدثوا عن تجاربهم الشخصية مع المحامين الاتفاق يقول إبراهيم حميد: إن تكاليف أحد المحامين في قضية إدارية عادية جدا اضطرته إلى دفع مبالغ فاقت 50 الف درهم، حيث بقي ينتظر مايقارب سنة كاملة لحين صدور حكم قاضي المحكمة، مشيراً إلى أن السبب في تأخير حكم القاضي يرجع بنسبة كبيرة إلى مماطلة المحامي، وتأجيل الدعوى لمرات عديدة كوسيلة للضغط من أجل الحصول على أجور إضافية له . وأضاف انه اتفق في البداية مع المحامي على مبلغ من المال، ورغم تسلمه للمبلغ كاملاً، إلا أنه عاد وطالبه بمبالغ إضافية بحجة أن قضيته متعبة وتكلفتها مرتفعة، وان تطورات القضية وتشعباتها لم تكن متوقعة مما ترتب عليه مزيد من البحث والمراجعات التي تتطلب جهدا ونفقات اضافية يجب اضافتها للمبلغ المتفق عليه سابقا . وأبدى استغرابه الشديد من التفاوت الكبير بين اجور المحامين في نفس النوع من القضايا، فبحسب رأيه ان تفاوت سنوات الخبرة بين محام وآخر لا يبرر أن يكون الفرق بالاجر اكثر من الضعف وأحياناً قد يصل إلى أكثر من ذلك علماً أن القضية قد تكون بسيطة ولاتحتاج إلى جهد في القانون لكي يتولاها . دفع مستمر ولا حكم وتعبر "أم راشد" عن استيائها من الارتفاع الكبير لأجور المحامين، وتسرد معاناتها في الحصول على حكم في قضيتها التي تؤجل يوما بعد يوم، وفي كل يوم تؤجل يحصل المحامي على مبلغ من المال، في حين ان المحامي الذي وكلته اتفق معها في البداية على مبلغ (15) ألف دهم، ومع ذلك لا تمر جلستان او ثلاث في القضية الا ويطلب منها مبالغ اضافية لحجج متعددة مستغلا جهلها بالامور القضائية، ومع ذلك لازالت قضيتها قيد التداول لم تحسم . وتضيف إن المعاناة مع المحامين لم تقتصر على أجورهم وحسب، بل مع بعض الممارسات الخارجة عن أصول المهنة وعرفها، ومنها حين يتغيب المحامي عن الجلسة او يرسل من ينوب عنه دون أن يقدم أي شيء جديد يفيد سير القضية، بل فقط يطلب التأجيل إلى موعد لاحق ضاربا عرض الحائط بمعاناة موكله وصبره الذي ينفد بانتظار البت في قضية عاش في دوامتها فترة طويلة قد تصل إلى سنوات عديدة، خاصة في بعض القضايا الكبيرة والمعقدة . توثيق الاتفاق ويبدي عبدالله الخوري عدة تساؤلات حول قضية أتعاب مهنة المحاماة، منها لماذا لايوثق الاتفاق بين الموكل والمحامي في عقد قانوني يشمل كل بنود الاتفاق، ويحدد آلية الدفع، كما يتطرق إلى كل مايمكن ان يطرأ على القضية من تطورات، بالتالي فإن كلا الطرفين سيطمئن إلى أن حقوقه مضمونة وبشكل قانوني، بحيث يستطيع كل طرف محاسبة الاخر على اي تقصير يصدر منه خلال سير القضية . ويطالب الخوري بضرورة ان تضع الجهات المعنية نظاما يحدد معدلاً وسطياً لتقدير أتعاب الترافع في جميع انواع القضايا مع ترك هامش نسبي للارتفاع فوق هذا المعدل او النزول عنه تبعا لخبرة وتجربة كل محام، مشيرا إلى ان ايجاد مثل هذا النظام سيسحب اللغط الذي يثار حول المبالغة في أتعاب المحامين . "البرستيج" ولفت كهلان العقيل إلى أن بعض المحامين يطالبون بأتعاب مرتفعة لأسباب لا علاقة لها بنوعية القضية، بل بتفاصيل متعلقة بنفقات المحامي نفسه، مثل أجور المكتب والعمالة التي يستخدمها التي يبالغ بها بعض المحامين كنوع من "البرستيج" بين زملائه في المهنة، متسائلاً ماذنب الموكل إذا كان المحامي يرفض أن يستأجر مكتباً إلا في أرقى المناطق واغلاها، وما ذنب الموكل إذا كان المحامي يريد التفاخر بجيش من الموظفين في مكتبه ليظهر مدى ارتفاع الطلب عليه وعلى خدماته . وقال أمام هذه المبالغة في تقدير الأتعاب أفضل الذهاب إلى مكاتب مبتدئة ومحامين متدربين خاصة إذا كانت القضية بسيطة وغير معقدة، فهؤلاء المحامون لا يجدون غضاضة في القبول بأتعاب رمزية أو قليلة من أجل بناء الثقة مع العملاء واكتساب الخبرات . الارتفاع نسبي من جهته يرى بدر الدين صلاح أن ارتفاع أتعاب المحامين أمر نسبي فالأتعاب يتفق عليها سابقا بين المحامي والموكل، وعليه يمكن للموكل اذا لم يعجبه السعر الذهاب إلى محام آخر فلا يوجد شيء يجبره على القبول بالأتعاب المرتفعة، أما في حال الموافقة فإن الموكل ملزم بتأدية المبلغ المتفق عليه مع المحامي مادام هذا الاتفاق قد تم بالتراضي . وقال لا يمكن إنكار أن هناك تفاوتاً في الرسوم ما بين مكتب محاماة وآخر، فضلاً عن الفروق الموجودة ما بين إمارة وأخرى، لكن يمكن لكل شخص الاستعانة بالمكتب الذي يناسب إمكاناته المالية . وأضاف من الإنصاف أن ندرك أن المطالبة ببعض الأتعاب الباهظة أحيانا من قبل المحامين المتميزين أو ذوي الخبرة العالية والمهنية الراقية أمر غير مستغرب وذلك قياساً على الأطباء والاستشاريين وغيرهم . معاناة مع الموكلين بدورهم دافع عدد من المحامين الذين التقتهم "الخليج" عما نسب اليهم ولزملائهم من تهمة المبالغة في تقدير الأتعاب، بل تحدث البعض عن المتاعب والصعوبات التي يتعرضون لها لقاء تحصيل أتعابهم المستحقة من بعض موكليهم . وقال المحامي ناصر الفضلي: إن الأمر المهم الذي قد لا يدركه البعض هو معاناة المحامين في تحصيل أتعابهم من قبل موكليهم وعلى الرغم من وجود اتفاق مسبق بين الطرفين فكثيراً من الاحيان يفاجأ المحامي وبعد لهثه الطويل في القضية والحكم بها لصالح موكله بأن الأخير يقول إن الأتعاب المتفق عليها مبالغ فيها ومن ثم يرفض الدفع أو يماطل بتسديد ماعليه بعدما اطمأن إلى صدور الحكم لصالحه . وبحسب رأي الفضلي فإن أتعاب المحامين في الإمارات تعتبر معقولة جداً ومنصفة، مقارنة بالأجور التي يتم تقاضيها في الدول المتقدمة، مشيراً إلى ان ارتفاع الاجر في بعض القضايا يعود لطبيعة هذه القضية وتعقيداتها ومدة المداولة التي ستخضع لها في اروقة القضاء بمختلف تدرجاته من البدائي إلى الاستئناف وصولا إلى النقض . وختم إن المحامي في النهاية صاحب مهنة لها متطلباتها التي لا يمكن الاستغناء عنها مثل توافر المكتب اللائق والمساعدين القانونيين وبعض الاداريين، هذا بالاضافة إلى متطلبات المحامي نفسه والمسؤوليات الملقاة على عاتقه كرب اسرة لذا لابد ان تدخل جميع هذه الاعتبارات في تحديد الأتعاب . ليس تاجراً وقال المحامي حامد المنهالي: للأسف إن الرأي السائد بين الجمهور هو ان المحامين يبالغون دوما في تقدير أتعابهم، لكنني أذكّر أولاً بأن مهنة المحاماة هي مهنة أخلاقية مهمتها الدفاع عن الحق وإنصاف المظلوم وتحقيق العدالة، بالتالي فإن كل من يرتبط بهذه المهنة المقدسة يكون بعيداً كل البعد عن أية ممارسة أو سلوك فيه استغلال أو تدليس، فالمحامي ليس تاجراً بل هو مدافع عن الحقوق وباحث عن العدالة . وعلق حول مايثار عن مطالبة المحامين بمبالغ اضافية غير المتفق عليها مع الموكل في بداية القضية، حيث رأى ان الموضوع لايعدو كونه حالات فردية ونادرة جدا، لان المحامي في بداية كل قضية يدرس حيثياتها بالتفصيل ويحدد مسارها القانوني في المحكمة حسب نوعها سواء كانت قضية مدنية أم أحوالاً شخصية أم جنائية الخ، وعليه يحتسب قيمة أتعابه وفي حال طرأ أي تطور غير متوقع على القضية فإن المحامي يتحمل شخصياً هذا العبء ولا يلزم موكله بأي شيء غير المتفق عليه . مهضومة الحقوق يعتبر المحامي إبراهيم التميمي أن مهنة المحاماة من أكثر المهن المهضومة حقوقها في المجتمع، وهي مهنة متهمة بانها مصدر الثروات والنعم للعاملين بها الا ان الواقع عكس ذلك تماما، مشيرا إلى عجز بعض المحامين عن تغطية اجور مكاتبهم والعاملين فيها، وإلى هجر بعض المحامين للمهنة والاكتفاء براتبهم التقاعدي الذي يحصلون عليه من وظائف سابقة عملوا بها . وقال: عندما يأتي لنا الموكل في بداية القضية نتفق معه على كل شيء بما في ذلك الأتعاب، ولكن للأسف البعض منهم بعد صدور الحكم يمتنع عن تسديد مابقي في ذمته للمحامي، والبعض الآخر للأسف، وفي حال جاء الحكم بعكس ما يشتهي يتهم المحامي بالتقصير رغم علمه مسبقا ان قضيته لا أمل منها منذ البداية، ويشتكي المحامي في وزارة العدل بحجة المبالغة بالأتعاب والتقصير بأداء واجبه . وأكد أن المحامين الإماراتيين هم من نسيج هذه الدولة وهم من أبنائها الذين تربوا على قيمها الطيبة والاصيلة، لافتاً إلى كثير من الحالات الإنسانية التي تنازل بها المحامون عن أتعابهم أو ترافعوا دون أي مقابل كل ذلك انطلاقا من ايمانهم بضرورة تحمل جزء من المسؤولية المجتمعية الملقاة على عاتقهم تجاه أبناء بلدهم . حكم جائر من جهته، رفض المحامي عبدالله صالح الحمداني كل الذي يشاع عن المغالاة في أتعاب المحامين بالدولة، معتبراً أن هذا الحكم الجائر نابع من جهل بتفاصيل مهنة المحاماة والاعتبارات التي على أساسها يتم تحديد قيمة الأتعاب لكل قضية . وأضاف يجب أن يعلم الجميع ان القضايا عدة أنواع منها الجنائي والمدني والأحوال الشخصية والإداري وإلخ من التصنيفات، ولكل نوع من هذه القضايا طريقة في التناول والبحث التي يجب ان يتبعها المحامي، بالتالي من الطبيعي أن يلاحظ الجمهور فرقا بالأتعاب بين قضية وأخرى وبين محام وآخر بحسب تخصص هذا المحامي بنوع معين من القضايا . ولفت الحمداني إلى أن الترافع في قضية ما يتطلب من المحامي جهداً ظاهراً للعيان هو حضوره في المحاكم ومتابعة الجلسات والترافع، وآخر مخفي لا يراه الموكل وهو إعداد المرافعات وما يتطلبه من عودة إلى المراجع والأبحاث القانونية، والبحث في طعون المحكمة الاتحادية العليا في قضايا مشابهة للقضية التي يعمل عليها لاكتشاف الثغرات أو نقاط القوة التي يجب التركيز عليها بالمرافعة، وكل هذا المجهود يكون على حساب حياة المحامي الخاصة وعلاقاته الاجتماعية . استشارات إلكترونية يتجه عدد من المتقاضين إلى الاستعانة بالاستشارات القانونية والمذكرات التي توفرها مواقع إلكترونية ومنتديات، إضافة إلى بعض مكاتب المحاماة التي توفر خدمة الاستشارة القانونية عبر الهاتف، نتيجة ارتفاع رسوم المحاماة، حيث يرى هؤلاء أن هذه الاستشارات المجانية قد تكون بديلاً يلبي الغرض خاصة في بعض القضايا البسيطة . وحذّر المحامي علي العبادي من أن اللجوء إلى هذه المواقع ينطوي على مخاطر عدة، قد تكون سبباً في خسارة القضية، شارحاً أن هناك تفصيلات قانونية داخل أوراق القضية قد لا تثير اهتمام المتقاضي، أو قد لا يفهمها، وتالياً فهو لا يوردها عند شرحه تفاصيل قضيته للمسؤول عن الموقع الإلكتروني، ما يجعل الرأي القانوني الذي يحصل عليه منه بمثابة إجابة عن سؤال مختلف عن السؤال المطروح فعلاً . 637 محامياً بلغ إجمالي عدد المحامين المقيدين بجدول المشتغلين في وزارة العدل 637 محاميا وذلك بحسب إحصائية صادرة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني ،2012 وشكل المحامون المواطنون 97% من الإجمالي بواقع 615 محامياً، بينما شكل المحامون من دول مجلس التعاون الخليجي نسبة 3% بواقع 22 محامياً منهم 11 محاميا من سلطنة عمان، و7 محامين من دولة الكويت، ومحاميان من كل من مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية . وتشكل نسبة السيدات المحاميات المقيدات بوزارة العدل حتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 نحو 22% من إجمالي المحامين المقيدين بإجمالي 139 محامية، ووصل أقصى عدد للمقيدات في ،2007 ثم انخفض معدل القيد ليعاود الارتفاع في العام الجاري، وبلغت نسبة المحاميات المواطنات حوالي 3 .99% من إجمالي المقيدات بوزارة العدل بواقع 138 محامية مواطنة، بينما يشمل القيد محامية واحدة فقط من دول مجلس التعاون الخليجي . وفيما يتعلق بأعداد المحامين والمحاميات المشتغلين وغير المشتغلين في الدولة وطبقاً للإحصائية فكانت كالتالي 1320 محامياً ومحامية وتفصيلاتها حسب التصنيف، 139 من المحاميات مقيدات بجدول المشتغلين، بينما بلغ عدد المحامين المشتغلين المقيدين بجدول المشتغلين 498 محامياً، بينما كان إجمالي المحامين غير المشتغلين 683 محامياً . وفيما يختص بأعداد المحامين المقيدين أمام المحاكم الاتحادية في الدولة، وفي جميع الجداول فقد تم قيد 12 محامياً ومحامية أمام المحاكم الابتدائية، وتم قيد 333 محامياً ومحامية أمام المحاكم الابتدائية والاستئنافية، بينما وصل عدد المحامين المقيدين أمام الاتحادية العليا 292 محامياً ومحامية .