إذا كان لانس آرمسترونغ قد اشتهر كأسطورة في سباق الدراجات، فقد ضاعف شهرته مرات كأسطورة أكبر في الغشّ. لكن مصائب قوم عند قوم فوائد، لأن اختياره الاعتراف بين يدي أوبرا وينفري حقق لها أماني تجارية صعبة المنال. صلاح أحمد: برغم شهرة «ملكة القاءات التلفزيونية» أوبرا وينفري في كل ركن وجحر في العالم، فلم يكن هذا بحد ذاته كافيًا لضمان النجاح لشبكتها التلفزيونية «أون»، التي بدأت بثّها قبل سنتين، وبالتحديد في الأول من يناير / كانون الثاني 2011. ورغم أن أوبرا أطلقت اسمها على هذه الشبكة (Oprah Winfrey Network)، ومثل كل مؤسسة كبيرة صارت تعرف بالأحرف الأولى OWN، فلم يضمن كل هذا نوع النجاح المأمول في عالم يعجّ بمختلف الفضائيات ومحطات الكابل. وربما كان هذا بسبب أن برامج الشبكة صمّمت لاجتذاب النساء، أو على الأقل اعتبرتهن فئة المشاهدين الرئيسة. عندما استقر متوسط مشاهدي «أون» عند حدود 147 ألف مشاهد في الفئة العمرية 24 – 54 سنة، اضطرت أوبرا للتدخل شخصيًا لرسم السياسة اليومية ونوعية البرامج المقدمة. ووفقًا لأرقام مكاتب الإحصاء الإعلامية فقد ارتفع العدد بنسبة 32 في المائة خلال العام الماضي. لقاء العمر مع كل هذا فإن هذه الأرقام ليست من النوع الذي يتمناه مالك مؤسسة إعلامية يعلم أن الساحة التي يعمل فيها لا تسمح بالكثير من الوقت ولا ترحم. ولذا فعندما نجحت أوبرا في الحصول على لقاء تلفزيوني معيّن، صار عالمها يحفل بالبشائر. بطل من ورق بطل اللقاء هو «الأسطورة الساقطة» لانس آرمسترونغ (41 عامًا) الذي صعد على أكتاف المنشطات المحظورة إلى آفاق لا تحلم بها الغالبية الساحقة من الناس. فهو لم يكسر سائر الأرقام القياسية في رياضة سباق الدراجات والتحمّل من منافسة إلى أخرى، ومن أولمبياد إلى آخر وحسب، بل أنجز ما كان يعتبر مستحيلاً بفوزه سبع مرات متتالية في سباق «تور دو فرانس»، الذي يعتبر قمة القمم في هذه الرياضة. ازدان كل هذا بإنجاز غير مسبوق، عندما قهر آرمسترونغ مرض السرطان، ليعود إلى الساحة، ويحمل القميص الأصفر – الحلم الأكبر مجددًا. لكن «وكالة مكافحة المنشطات الرياضية الأميركية» توصلت بعد تحقيقات مطوّلة إلى إدانة آرمسترونغ، قائلة إنه «أدار مشروعًا لفريقه، قصد به تفادي الكشف عن تناول أفراده – وهو أحدهم – تلك المنشطات». وتوصلت إلى هذا الحكم بناء على أدلة دامغة عديدة، من ضمنها شهادات 26 شخصًا، منهم 11 من أفراد ذلك الفريق نفسه، قالوا إن آرمسترونغ يتعاطى المنشاطات المحظورة بانتظام. ألقاب منزوعة بناء على كل ذلك، جرّدت الوكالة هذا «البطل» من سائر ألقابه التي نالها ابتداء من أغسطس / آب 1998، بما فيها السبعة التي فاز بها في «تور دو فرانس»، وكسر بها الأرقام القياسية. ومضت لتحرمه من المنافسة في أي سباق للدراجات مدى الحياة. عقود ملغاة وملايين مبددة لكن خسائر آرمسترونغ لم تقف عند ذلك الحدّ، لأنه فقد أيضًا سائر عقوده الإعلانية مع كبريات الشركات، ومعها عشرات ملايين الدولارات. ووصل به الأمر إلى حد قطعه علاقاته (الرسمية على الأقل) بمؤسسته الخيرية «تشاريتي لايف سترونغ» العاملة في مجال مكافحة السرطان. وكان آرمسترونغ قد أسسها بعد معافاته من هذا المرض، وعودته المدهشة إلى الفوز في مزيد من البطولات. كانت آخر أنباء في هذا الاتجاه ما أوردته «إيلاف» من أن صحيفة «صنداي تايمز» الأسبوعية البريطانية قالت إنها ترفع الآن دعوى قضائية على هذا البطل الساقط، مطالبة باستعادة تعويض كسبه منها بعدما اتهمته بتناول المنشطات المحظورة، وبناء أسطورته الرياضية على الغشّ. وكانت الصحيفة قد دفعت 480 ألف دولار لتسوية قضية قذف كان بطل سباق الدراجات الأشهر قد رفعها ضدها في 2006. وكان جرم الصحيفة وقتها أنها نشرت مقاطع من كتاب يتهمه بتناول المنشطات الرياضية المحظورة. ورغم ما قيل وأشيع في البدء - سواء في الأوساط الرياضية أوغيرها - من أن آرمسترونغ تمكن من الوصول إلى أعلى ما يطمح إليه أي رياضي عن طريق الغشّ، وأيضًا رغم إدانته من جانب «وكالة مكافحة المنشطات» الأميركية، فقد ظل على الدوام يقف هو على هامش من الشك، لأنه لم يعترف صراحة بأي مما اتُهم به. الاتهامات بريق آخر كان نصيب أوبرا وينفري أن يختارها هذا الرجل، الذي أضافت الاتهامات المزيد إلى شهرته، ليعترف لها للمرة الأولى بأنه مذنب حقًا في كل ما كيل إليه من اتهامات، وأنه ما كان ليفوز بقميص أصفر واحد على الأرجح أو بناء أسطورته تاليًا، لولا تعاطيه المنشطات. مما لا شك فيه هو أن عاصفة الجدل ستظل ثائرة حتى بعد هذا الاعتراف، لأن آرمسترونغ لم يكن ليخدع العالم كل تلك السنوات بدون أياد عديدة نافذة خلفه. لكن المهم في هذا المقام هو أن اختياره أوبرا قلب موازينها الإعلامية - التجارية نحو الأفضل... عبر الإعلانات التجارية. فالمعلنون أدركوا بالطبع أن لقاء آرمسترونغ مع أوبرا مناسبة ستجتذب من الأميركيين (والناس حول العالم) أضعاف تلك الأعداد التي تجتذبها منافسات «تور دو فرانس» نفسها. أوبرا.. التجارة شطارة من جهتها لعبت أوبرا أوراقها بحنكة التاجر الخبير. فقررت أن تكون الأولوية في قبول طلبات الإعلانات لكبرى الشركات العميلة أصلاً (مثل «جنرال موتورز») أو تلك التي تشتري عقودًا طويلة المدى تبدأ باللقاء نفسه. ورغم أن لا أحد يعلم نوع المبالغ المتفق عليها في تلك الإعلانات، فالمعروف عمومًا أن المناسبات التي تجتذب عشرات – إن لم يكن مئات - ملايين المشاهدين، تُحسب هي أيضًا بملايين الدولارات... للثانية الواحدة!. ... وكل هذا من وراء اللقاء مع آرمسترونغ، الذي تقدر ثروته الشخصية بنحو 100 مليون دولار، ويتوقع– بعد قضايا التعويضات التي سترفع عليه، وقد اعترف بنفسه الآن – أن تجرده منها بكاملها وربما أكثر.