التي دفعت الإدارة الفرنسية إلي ذلك علي الرغم من أن الرئيس الاشتراكي الفرنسي فرانسوا أولاند دخل الاليزيه متبنيا مبدأ السلام, وأصر علي الانسحاب من أفغانستان, وسبق له أن رفض اغاثة حكومة افريقيا الوسطي من زحف المتمردين, فضلا عن أن خوض فرنسا الحرب في مالي قد يكبد ميزانية الدولة ما لا تطيقه في ظل ظروف اقتصادية قاسية لا تهدد فرنسا فحسب بل دول كبري أخري. إن الجميع يعرف أن الهدف الأول للتدخل العسكري الفرنسي في مالي هو حماية مصالحها الاقتصادية والسياسية. ففرنسا كقوة استعمارية سابقة في افريقيا لم تقبل أن تفقد مناطق نفوذها السابقة لمصلحة قوي أخري بدأت تتغلغل إليها كالصين. كما أنها تمتلك مصالح اقتصادية حيوية في غرب إفريقيا خاصة في النيجر, حيث تدير إحدي الشركات الفرنسية مناجم يورانيوم تزود المفاعلات النووية الفرنسية المولدة للكهرباء بثلث حاجاتها. واللافت أن قوي المعارضة السياسية بمختلف انتماءاتها قد أجمعت علي تأييد قرار أولاند بالتدخل العسكري في مالي. ويبدو أن الإدارة الفرنسية نسيت أو تناست أن التجارب السابقة في تسوية النزاعات والأزمات سواء داخل القارة الإفريقية أو خارجها تؤكد أن الخيارات العسكرية لن تكون وحدها قادرة علي تحقيق الأمن والسلام, وأن غياب الحلول السياسية يؤدي إلي تعميق جذور الأزمات وانتشارها وايجاد بؤر صراع جديدة. كما يسبب تهديدا للمدنيين, ويخلق مشكلة نازحين, بالإضافة إلي ما يسببه من الإضرار بالبنية التحتية للدولة وتعطيل النمو الاقتصادي, وغير ذلك من مشكلات عانت منها القارة لسنوات طويلة وحان الوقت لإنهائها. من هنا فإنه من المهم ضرورة مواصلة جهود الحوار والمصالحة دون تفريط أو مساس بوحدة مالي وسلامة أراضيها, مع ضرورة التحرك بمنظور شامل يتعامل مع الأبعاد المختلفة للأزمة ويعالج جذورها سياسيا وتنمويا وفكريا وأمنيا في الوقت الذي يراعي فيه حقوق الإنسان للمواطن المالي وحقوق الأجيال المقبلة في التنمية, والأمن, والاستقرار.