مواضيع ذات صلة أحمد أميري كانت معاداة الصهاينة إحدى الدعامات التي وضع عليها الإسلاميون قِدرهم حتى طبخوا طبخة السُلطة، وكانت في الوقت نفسه علكة في أفواههم ضد الأنظمة البائدة، في مصر تحديداً، فبسببها أغتيل السادات أثناء احتفاله بذكرى الانتصار على إسرائيل! وبقي نظام مبارك متهماً حتى آخر أيامه بالانبطاح أمام الغطرسة الإسرائيلية المدعومة أميركياً وبالمشاركة المهينة في عملية «الاستسلام». ولم ينزل الملايين إلى الشوارع في دول «الربيع العربي» من أجل تحرير فلسطين، وإنما للمطالبة بالعيش الكريم والعدالة الاجتماعية، وحين اختاروا الإسلاميين في بعضها، فإنهم فعلوا ذلك بعد أن وجدوا أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما: عودة الاستبداد الذي يلبس بدلة العلمانية، أو الاستبداد الذي يرتدي جلباب الدين، فاختاروا الثاني لأنهم في الأساس كانوا قد ثاروا على الأول. ولم تكن هذه حال شريحة ليست بالقليلة من الناخبين، وأعني جمهور تيار الإسلام السياسي، الذين كانوا قد حسموا أمرهم واختاروا منذ البداية الوقوف إلى جانب الإسلاميين، لأسباب منها معاداتهم لليهود الذين يحتلون فلسطين. هذه الشريحة مدعوّة لإعادة النظر في موقف تيار الإسلام السياسي من إسرائيل بعد الضجة التي ثارت بسبب شريط فيديو يحث على إرضاع الأبناء والأحفاد كراهية الصهاينة اليهود، واصفاً إياهم بمصاصي الدماء ومشعلي الحروب وأحفاد القردة والخنازير. وفي الرد على انتقادات البيت الأبيض لتلك التصريحات، قيل إنها أُخذت مجتزأة من سياقها الأصلي، وهو موقف جماعة «الإخوان» المناهض للهجوم الإسرائيلي على غزة عام 2010. ولم يكن مبارك، ولا أي رئيس عربي، يجرؤ على إدانة ذلك الهجوم الإسرائيلي بتلك الطريقة، لئلا يظهر كأنه معاد للسامية ويدعو إلى الكراهية الدينية، حتى لو كان هذا شعوره في قرارة نفسه. لكن مثل ذلك الشريط، في حينه، كان يرفع أسهم الإسلاميين، خصوصاً عبارات القردة والخنازير، والتي يوضع تلقائياً مستخدمُها إلى جانب الإسلام، خصوصاً في ظلّ العدوان الإسرائيلي، حتى ولو كانت الإشارة غير صحيحة، ذلك أن «الله عزّ وجل لم يجعل لمسخٍ نسلاً ولا عقباً»، كما في الحديث النبوي. وبطبيعة الحال، فإن ذلك الهجوم الذي لم يكن يكلّف شيئاً آنذاك، لن يقال مثله اليوم مهما فعلت إسرائيل، بدليل الرد على الانتقادات الأميركية بالقول إن التصريحات أُخذت مجتزأة، كأنّ اليهود لا يعودون أحفاد القردة والخنازير إلا في أيام العدوان! يلقي الإسلاميون، ما داموا في صفوف المعارضة، المزيد من الحطب على النيران المندلعة في الشارع الغاضب من أشياء كثيرة، ومن ضمنها الاعتداءات الإسرائيلية، ويظهرون في نظر أتباعهم بأنهم أهل الحق الذين لا يخافون لومة لائم، إذ إضافة إلى ارتفاع أسهمهم، فإن قضية العلاقات الدولية لا تعنيهم من قريب أو من بعيد، لذلك تكون التصريحات نارية تتجاوز الخطوط الدبلوماسية الحمراء وتحرق الخط المعتدل. وتثبت أيام الإسلاميين في الحكم بأنهم لا يختلفون عن غيرهم، على الأقل في ما يتعلق بالموقف من إسرائيل، وأنهم يتحولون فجأة إلى إطفائيين يتكلمون بدبلوماسية وبلغة واقعية وبلهجة مخففة تنزع عنهم الدسم الذي يمنحهم النكهة الإسلامية، ليبقى ما يصنع الفارق الحقيقي بينهم وبين غيرهم هو ما يقدمه الآخرون لشعوبهم.