صلاح الدكاك ارتدى ((الإصلاحيون)) ثورة الشباب كطاقية إخفاء سحرية واربوا خلفها سحناتهم المجذومة وخاضوا تحتها معاركهم الفئوية الضيقة و مرَّروا أطماعهم المحفوزة بنهم الاستحواذ ، باعتبارها معارك ومطالب عامة الشعب وفي سبيل الشعب وترجمة لروح ثورته الرامية للتغيير .. لكن ولسوء حظهم فإن الطاقية العجيبة لا تمنح لابسها قدرة سرمدية على التخفَّي، وبما أن ((الإصلاحيين)) لم يقرأوا الحكاية الشعبية جيداً فقد استمروا في لعب الدور اللئيم نفسه معتقدين بأن السحنات المجذومة لا تزال مواربة والطاقية لا تزال تسدل غشاوتها السحرية على العيون .. * لدينا اليوم مئات القتلة وأرباب السوابق والمطلوبين قضائياً وأمنياً والفارين من سجون الداخلية الذين ينعمون بالحماية في كنف (( الإصلاح )) ويوفر لهم حرية الحركة الآمنة ويفرد عليهم مظلة الحماية السياسية بوصفهم ثواراً وحماة ثورة .. بصورة مباشرة أو غير مباشرة يبقى (( الإصلاح )) مسئولاً عن مناخ أمني بات مؤتياً أكثر من ذي قبل لنشاط الجريمة واتساع خرق الانفلات في مدينة كتعز على سبيل المثال ظلت طيلة عام مسرحاً مفتوحاً للنزاع المسلح وساحة خلفية يصدِّر إليها رؤوس مركز السلطة خلافاتهم تلافياً لتبعات اندلاعها في العاصمة صنعاء، وبهدف قسر المدينة على الرضوخ وتجديد البيعة لرموز سلطة الإقطاع ذاتها .. لم يعد هناك طرف آخر في النزاع يفخخ ((الإصلاح)) اليوم باسم مواجهته تراب المدينة بالأسلحة والمليشيات . لكن إحساس قيادته العميق بانحسار شعبيتها لدى الشارع بوتيرة متسارعة لصالح تنامي سخطه إزاء أدائها القمعي الفج ، جعل هذه القيادة لا تثق في غير البندقية كوسيلة لتأكيد حضورها و لا تراهن إلا على الفوضى والانفلات في مراكمة المكاسب بذهنية غنائمية فاضحة . حتى مع الإقرار ببراعة ماكنة الدعاية والتضليل الإصلاحية في إنتاج مجسمات ضخمة لأعداء افتراضيين أبرزهم ((الحوثيون)) تبرر بها استمرار نشاز نفيرها العسكري، فإن ذلك لا يشوش كثيراً على سطوع حقيقة أن (( الإصلاح )) بات الطرف الخصم الوحيد في مواجهة أحلام المدينة والبندقية المصوَّبة في صدور أبنائها .. حين يرتفع مؤشر سخط ((الإصلاح)) على محافظ المحافظة يندلع الرصاص في سماء المدينة وتغدو مرتعاً لأرتال ((الكاوبوي))، وحين ينخفض مؤشر السخط يعود للمدينة هدوءُها النسبي وفي الحالتين تستمر الجريمة غير المسيَّسة في التهام المزيد من الضحايا ... من العسير للغاية ملاحقة الرقم الأخير في قائمة المجني عليهم على خلفية هذا السجال اللئيم وغير الآبه بأرواح الآدميين . في أكتوبر من العام الفائت صوَّب السائق الشخصي لمدير السجن المركزي بتعز بندقيته في قلب المواطن علي البحري (( 38 عاماً )) وأطلق النار ، على مرأى من حشود المارة ثأراً ل((خروف)) دهسه المجني عليه بسيارته وتعود ملكيته لعمَّة الجاني . الخروف لم يمت لكن (( علي البحري )) يرقد رقدته الأبدية في (( مقبرة كلابة )) ، والقاتل المطلوب أمنياً على ذمة جرائم جسيمة سابقة لهذه الواقعة ، لا يزال طليقاً و طائش اليد ... مصدر أمني رفيع في محافظة تعز أكد - لدى سؤالي إياه عن آخر مستجدات القضية الأنفة - أنه فوجئ باسم الجاني ضمن قائمة مجندي وزارة الداخلية الجدد المرشحين من قبل((تجمُّع الإصلاح )) ، وفيما لا يزال المتهمون المعروفون في واقعة (( اغتصاب طفلة حارة 26 سبتمبر بتعز )) طلقاء وآمنين، اغتصب آخرون (( طفلة أخرى في حارة المفتش )) حتى الموت وأفلتوا، وقتل أحد المجندين الجدد الطفل "أكرم البرعي – 17 عاماً" في حي ((السلخانة القديمة))، واختطف مسلحون نجل الزميل الكاتب الصحفي منصور زاهر وأحد أقاربه في وضح النهار جوار مستشفى الثورة الأسبوع الفائت .. إن قراءة طفرة نشاط الجريمة غير المعهود في تعز ، من خلال بُعْدِهِ الأمني بمعزل عن السياسي، هو ضربٌ من ضروب التواطؤ مع أسبابه الجذرية لا مصلحة لي فيه، كما وتفضي قراءة منقوصة كتلك إلى خلاصات منقوصة ومشوشة تعفي القتلة الحقيقيين من تبعات المساءلة عما يجري و ترفعهم - عوضاً عن ذلك - إلى مصاف الأبطال فقط لأنهم قتلة لا يضغطون على الزناد، بل على ضعف الدولة وآلام الناس . * إن تسامح قيادة المحافظة إزاء أحياء بكاملها تسوِّرها المليشيات وتتخذها بعض الجهويات الحزبية حرماً آمناً لا سلطة للقانون عليه ، هو تواطؤ يدحض مصداقيتها لدى الشارع وجديتها في محاربة الجريمة ويجعلها شريكة فيها أياً كانت مبرراتها ... كان شوقي هائل موفقاً حين شكل لجنة استشارية مؤلفة من أبرز جهويات المحافظة ، لكن كان عليه في مقابل ترضية كهذه أن يذهب في بسط السيطرة الأمنية إلى حيث لا ترضيات ولا تسامح . أدرك تماماً تعقيدات الوضع غير أن المضي إلى الأمام يستوجب المخاطرة ، فالمُرَاوَحَةُ عند هذه النقطة من اللا فوضى واللا استقرار ، تعني انتظار الأسوأ مع انحسار القدرة أكثر فأكثر على مواجهته .. ينبغي على شوقي هائل ألا يخسر تأييد غالبية أبناء المحافظة المراهنين عليه في محاولته لكسب ثقة قطيع من الدمى التي تسيُّرها أصابع المحاصصة والمصلحة الشخصية البحتة أياً كانت اللافتة التي تتمترس خلفها طاهرة و ثورية . *صحيفة اليمن اليوم