في 25 يناير/كانون الثاني 2010 سقطت الطائرة الأثيوبية في بحر لبنان . بعد أشهر معدودة، بدأ الحديث عن مسلسل يروي المأساة الإنسانية التي أصابت تسعين راكباً حكي الكثير عن قرب بدء التصوير ومن ثم تأجيله، وعن صعوبات تعترض التنفيذ وما إلى ذلك . . حالياً أخذ المسلسل طريقه للتنفيذ بعنوان "وداعاً" ويجري تصويره بوتيرة متسارعة منذ حوالي الشهرين ليصبح جاهزاً للعرض على شاشة "المؤسسة اللبنانية للإرسال". هذه توقعات منتج العمل وصاحب شركة "فينيكس بيكتشرز انترناشونال" إيلي معلوف، "منطق الأمور يقتضي ذلك"، كما يقول . . . "لكنها تبقى مسألة خاضعة لإدارة البرامج داخل المحطة" . "الخليج" زارت مواقع التصوير في مناطق وبلدات لبنانية عدة، منها البترون، صور وغيرها . في بلدة "وادي شحرور" مسقط رأس أحد الضحايا (أسعد فغالي) تابعنا وقائع يوم تصوير لتواكب عن كثب أجواء التأثر الشديد في نفوس فريق العمل وأجواء الحزن المخيّم، وذرف الدموع التي لم يسلم منها حتى المخرج يوسف شرف الدين، خصوصاً أن العدد الكبير من أهالي الضحايا شرعت أبواب منازلها أمام فريق العمل للتصوير داخل جدرانها . تأثّر الكاتب طوني بيضون بالفاجعة التي أصابت كل اللبنانيين . تابع أدق تفاصيلها بحكم الصداقة التي تربطه بوالد الضحية مصطفى أرناؤوط . . . ويرى بيضون أن "ذاكرة اللبنانيين ضعيفة، والعمل الدرامي يثبت الحادثة في المخيّلة إلى الأبد خاصة مع تعاطف المشاهدين مع شخصيات المسلسل غير المعروفة إلاّ من خلال أسمائها" . . تداول بالأمر مع المخرجة كارولين ميلان (ابنة شقيقته)، المرشحة الأولى لإخراج العمل آنذاك . . هنا إشادة من الكاتب بالمخرج قائلاً "مع الاحترام لكل المخرجين، إلا أن وجود المخرج يوسف شرف الدين في هذا العمل غنى وفائدة للدراما اللبنانية" . . نالت الفكرة مباركة شركة الإنتاج، صاحبة الكلمة الفصل في أن يبصر العمل النور . "المنتج إيلي معلوف يبدي حماساً من دون تردد"، يقول بيضون . ينطلق الكاتب في جولاته على ذوي الضحايا . استمع إلى التفاصيل عن مغادرة أبنائهم، وردة فعلهم بعد وقوع الحادثة، ليتم انتقاء الشخصيات (يتجاوز عددها العشر)، قيد المعالجة في المسلسل وفقاً لتجاربها . يتحدث الكاتب بشغف عن فرحة أهالي الضحايا بالفكرة، وما استتبع ذلك من التوقيع على الموافقات الخطية، مقابل تحفظ البعض ورفضه ومن ثم العدول والاقتناع . من زاوية إنسانية -اجتماعية يجسّد المسلسل عدداً من الضحايا في حكايتهم المختلفة وحياتهم قبل "الوداع الأخير" . وتسليط الضوء على عائلاتهم والمأساة ووقع الصدمة، دون التطرق إلى مرحلة التحقيقات، بل فقط مرحلة العثور على الجثث والأشلاء والدفن . أكثر من 160 ممثلاً، بينهم مجموعة من وجوه الدراما اللبنانية المعروفة يشاركون في تجسيد شخصيات من ضحايا الطائرة وذويهم أو أصدقائهم . ورغم حجم مأساة القصة، لا يخلو المسلسل من الإضاءة على قصة الحب بين الضحية "مصطفى أرناؤوط" (بيتر سمعان) وخطيبته "راغدة" (فيفيان أنطونيوس) . الشاب الميكانيكي الذي قرر السفر لتحسين وضعه الاقتصادي . شاءت الظروف أن يؤجل سفره مرتين، لينضم إلى طائرة الموت . دور يجسده "بيتر"، نزولاً على رغبة عائلة أرناؤوط ومباركة الكاتب وإشادة المنتج بحرفيته . يقول: "بقدر ما أفرحني ترشيح العائلة لي بقدر ما حملني مسؤولية . أتمنّى أن أعوّض لوالدة مصطفى ولو 1% من خسارتها التي باتت ترى بي ابنها الراحل- العائد" . يقول سمعان إن الدور الذي يلعبه يشبه "علاقتي بوالدتي رحمها الله" . مسلسل "وداعاً"، شهد على اللقاء الدرامي الأول بين الممثلة فيفيان أنطونيوس وبيتر سمعان والفنانة هيام أبو شديد . تروي أنطونيوس لحظات مؤلمة عاشتها، أثناء التصوير وبعده: "الدور أتعبني كثيراً . تألمت وباقي الممثلين لوجع أهالي الضحايا ما دفعنا للتمثيل من كل قلبنا" . . مسلسل تتوقع له الممثلة أن "يحظى بنسبة مشاهدة عالية"، وأن الدور "سيسجّل ضمن أرشيفي المهني لما يمثّل من شرف وفخر كونه يترجم أحاسيس بشر حقيقيين برع الكاتب في التقاطها وليست من نسج الخيال" . وإذا كانت فيفيان انطونيوس لم تتح لها الظروف بأن تلتقي ب"راغدة" بحكم "الارتباط والزواج"، فإن الممثلة هيام أبو شديد قصدت عائلة أرناؤوط في منطقة "صور"، والتقت بوالدة الضحية "نظمة" التي تجسّد دورها، فيما يؤدي فادي إبراهيم دور الوالد "هيثم" . تقول أبو شديد "تأثرت كثيراً . دونت كل الملاحظات والتفاصيل كافة التي ساعدتني على تأدية الدور بشكل متقن" . من قصص "وداعاً"، الغطّاس الضحية ألبير غطّاس، رسا على الممثل وليد العلايلي بعد ترشيح كل من عمّار شلق ومجدي مشموشي، زوجته "تقلا" الممثلة نغم أبو شديد، وابنته "إيريس" الممثلة لورا خبّاز التي ذرفت الدموع بغزارة في أحد المشاهد عند رؤيتها لصورة الضحية، تقول خبّاز ابنة "البترون" مسقط رأس الضحية، "أشارك بمشاهد الدور القليلة كتحية مني لكل الضحايا، ووفاء لأبناء بلدتي وأسرة عسّال التي تربطني بهم معرفة شخصية" . . هنا نشير إلى مشاركة الكاتب بيضون نفسه في دور "لوران" شقيق الضحية، إلى جانب أولاده الثلاثة "رالف، راندي وريّان" . أما عائلة الضحية أسعد فغالي (مازن معضم)، فهي تضم والدته (ختام اللحام) وزوجته (رانيا سلوان) ودور الشقيقة (كاميليا بيضون) . وفي منزل الضحية حيث تمّ التصوير عاشت عائلته عن قرب أجواء تجسيد شخصية "أسعد" . . ترحيب بالحضور، تأثّر وبكاء لمشهد ما، وفي مشاهد أخرى نسي الجميع المأساة وضحكوا من القلب لأداء مازن معضم وبراعته في التعريف بشخصية الضحية المرحة . . يقول معضم "صورت ثمانية مشاهد كضيف في العمل الإنساني لمواساة أهالي الضحايا وذكرى لمن ماتوا أننا لن ننساهم" . لم يتردد معضم في الموافقة والسبب الأول لكون العمل "يحكي مأساة عائلات لبنانية ولفّ الحزن الوطن بأكمله"، وثانيهما لأن "هذا العمل مع المنتج إيلي معلوف الذي جمعتني به أعمال ناجحة مثل "ورود ممزقة" . أمّا دور الضحية خليل الخازن المشرف السياسي على محطة "أم تي في"، فيؤديه الممثل بديع أبو شقرا، فيما يطل فؤاد شرف الدين بدور والده "الشيخ ناجي"، بينما الإعلامي روبير فرنجية يلعب دور النائب السابق فريد الخازن . وحدها شخصية "شيتو" الإثيوبية يسرد الكاتب قصتها بغالبيتها من نسج الخيال . ."شيتو"، نموذج لعدد من العاملات الإثيوبيات اللواتي لقين حتفهن . . انتظرت "شيتو" انتهاء عقد عملها عند السيدة التي تعمل لديها (الممثلة ليلى الحكيم)، لتعود إلى عائلتها وتتزوج غير أن القدر كان لها بالمرصاد . ثلاثية السيناريو والإخراج والإنتاج، معادلة ناجحة لاستقطاب الفنانين لإبداء موافقتهم من دون شروط في قصة "محض إنسانية" كما عبّر الجميع، حيث الكل في وضعية "البطل" وفق الشخصية المرسومة له . . واقعية القصة، وحجم المأساة والحزن الذي عمّ أرجاء الوطن، كلها من الحوافز، أيضاً الثقة المتبادلة بين المنتج والممثلين عنوان يجمع عليه من اختبروا العمل مع إيلي معلوف، أمّا اسم المخرج فكان محط مهنية واحترافية، فهو عند البعض مخرج "الرؤية الصائبة"، وكثيراً ما سمعنا عبارات الإشادة، ولعل خير معبّر عنها وصف الممثل بيتر سمعان للمخرج يوسف شرف الدين ب"الأب الكبير" في إحاطته لممثلي العمل . في موقع التصوير، المخرج يوسف شرف الدين الذي يعود ليضع لمساته الإخراجية في مسلسل لبناني، منذ إخراج مسلسل "زمن الأوغاد"، يقول إنها "عودة حب للدراما اللبنانية" . في القاهرة حيث يقيم يقول "تلقيت اتصالاً من المنتج الصديق إيلي معلوف لإخراج المسلسل . وبعد قراءة النص تشجعت كثيراً للموضوع الإنساني البحت الذي اعتبره بمثابة التحيّة للضحايا وإضاءة شمعة لأهاليهم من خلال تخليد ذكرى أبنائهم ضمن مسلسل . إنه فعلاً يستحق أن أؤجّل كل ارتباطاتي المهنية وأبدي الموافقة من دون تردد" . يبدي شرف الدين ارتياحه التام في اختيار شخصيات العمل، يقول "استعنت بخبرة المنتج معلوف لعدم معرفتي ببعض الأسماء"، ويشيد بفريق العمل الذي يحيط به، وبالأداء الرفيع لدى البعض من الممثلين . ولا يخفي المخرج تأثره الشديد، وما تركه المسلسل من "شعور لا أقوى على السيطرة عليه"، كما يقول، مضيفاً أن أصعب ما يواجهه هو "التصوير في بيوت الضحايا وبوجود أهاليهم" . يقول "هذا مؤثر جداً . أحاول قدر الإمكان اختيار أماكن تصوير أخرى تفادياً لأحاسيس الأهالي" . في حديثه يقول المنتج إيلي معلوف إن "وداعاً" هو "خارج إطار المعادلة الانتاجية الدرامية المتعارف عليها . وتبنّي الشركة له لكون قصتة واقعية تهمّ شريحة الرأي العام، وما خسرنا من أرواح بريئة رحمها الله" . يشير معلوف إلى عدد الممثلين في العمل، التي يرى أنها تفوق "قدرة أي مسلسل بخمسة أضعاف، لا قدرة للإنتاج اللبناني عليها" .