مؤتمرات القمة وإنتهاك حقوق الانسان أصبح المواطن المصري حمادة صابر من أشهر الناس في العالم، وجاءت شهرته بسبب موقف سيء وشاذ في ليلة ليلاء دامية أمام قصر الاتحادية بالقاهرة. تعرض صاحبنا إلى السحل والتعرية ليس بسبب عوامل التعرية الطبيعية، ولكن أمام هجمة تتارية شرسة من بعض جنود الأمن المركزي، ظنوا فيها أن المواطن المصري إما مستورد يجب أن يعود إلى موطنه الأصلي في الغابات، أو عميل وخطر على الأمن القومي، فينبغي التخلص منه وتلقينه الدرس، حتى لو قضى نحبه بين أيديهم، دون تلقينه الشهادة لأنه في ظنهم، وظن فلسفتهم الموروثه، لا يستحق حتى التلقين قبل الموت. ولما تتعقد القضايا لابد من البحث عن كبش فداء، وقد يكون وزير الداخلية الحالي، وقد يأتي وراءه من يكون أشد منه إنتهاكاً لحقوق الانسان لأنها ثقافة منظومة وليست فرد. صحيح لم يكن أحد من المواطنين قبل الثورة يستطيع مجرد المرور من أمام ذلك القصر، فضلاً عن النظر إليه أو الكتابة البذيئة على جدرانه أو محاولة تسلق أسواره، ولكن بعد الثورة كل القوى لها حساباتها المعقدة وتحركاتها الطليقة غير المقيدة 'قل كل يعمل على شاكلته' وأصبح القصر هدفاً حتى في استخدام المولوتوف. وإشتهر القصر كذلك بسبب العنف لا بسبب العدل المنتظر. أصبح حمادة صابر مشهوراً، نتيجة الانتهاك السافر لحقوق الانسان، وهناك من يشتهر لاحترام حقوق الانسان كجزء أساسي من الحياة الديموقراطية، وملابسات تلك القضية المعقدة وما يمثله الصراع الخاطئ على السلطة في مصر، وبعضه نشاط سلبي لا يخلو من الصراع بين القديم والجديد أو بين الفلول والثوار، ومن ينتمون إلى الثورة اليوم ولم يكونوا منها يوماً ما، ولم يكونوا ممن طالبوا أو سعوا إلى التغيير يوماً ما. وسط هذا الصراع يأتي عنوان مؤتمر القمة الاسلامية التي ختمت أعمالها في القاهرة يوم الخميس7/2/2013، جذاباً كالعادة وهو التحديات المستقبلية والجديدة والفرص المتنامية. عنوان جميل لمؤتمر عظيم يمكن أن يغير العالم تماماً، سياسياً واقتصادياً وأمنيا وثقافياً وتعليمياً وإعلامياً. يمكن لهذا المؤتمر أن يسهم في تحول العالم أخلاقياً وسلوكياً ويفرض رأي الأمة وشرعها وشرعيتها الغراء الوسطية، ويعيد إليها كرامتها المنهوبة واستقلالها التام. ويمكن في الجانب الآخر أن يمر هذا المؤتمر- مرور الكرام-كما مرت مؤتمرات قمة عربية واسلامية أخرى من قبل لم تغير شيئاً في الداخل ولا الخارج' إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم'. وإعتقادي الشخصي وتحليلاً للأوضاع يؤكد لي، أنه سيمر كما مرت غيره من مؤتمرات. وسيقتصر للأسف الشديد على التحديات الظاهرة والتي أصبحت إلى حد بعيد نمطية. والجديد في هذه القضايا هى قضية مالي والعلاج نمطي ويزيد الفرقة. إختلطت الأمور فانقسم الثوار كما انقسم العالم العربي والاسلامي، وتعددت القيادات الفرعية أو المحلية دون زعامة حقيقية أو قيادة واحدة للأمة أو للثورة، فتنازع الجميع الشرف والجاه، وتجمع الفلول مع توزعهم على كثير من القبائل-ولا أقول الأحزاب- السياسية. تجمع الفلول مع توزعهم ليفسدوا في الأرض من جديد، في ظل حماية دولية وإقليمية أحياناً، و سياسية ودستورية وقانونية محلية أحياناً أخرى، وبطرق مستحدثة لم تكن يوماً ما في حسبان الذين خططوا للثورة وأشعلوها. الفلول لهم من يهتم بهم حتى في مؤتمر القمة الإسلامي، ولكن حمادة صابر لا بواكي له. بل إن بعض الفلول هم من أهم من يحضر مؤتمر القمة الاسلامي، وتتوقع الشعوب منهم نتائج إيجابية أو ثورية. أما التحديات المستقبلية في ظني، فتتمثل إجمالاً في النمطية والتخلف المزري في الأداء على جميع الأصعدة، نتيجة غياب العقل العربي والاسلامي أو تكاسله، ونتيجة سياسات التمزق والتشرذم والتنازع، وكذلك نتيجة التبعية للغرب، والوقوع في شبك الهيمنة الغربية وخصوصاً الأمريكية، التي تحتل اليوم بقواعدها العسكرية وسياساتها الاقتصادية والأمنية في ضوء إستراتيجياتها القومية، معظم بلاد العالم الاسلامي، التي يجتمع قادتها وزعماؤها في القاهرة اليوم، ولا يستطيعون حتى طرح هذا الموضوع، موضوع القواعد العسكرية الأجنبية على جدول أعمال اللقاء ولا الهيمنة الأمريكية. هذا الأمر الخطير خط أحمر، مثل حدود سايكس بيكو التي يحافظ عليها سلاطين وملوك ورؤساء العرب خصوصاً، على عكس رغبة الشعوب المقهورة، ويتعرض بعض رجالهم للسحل وبعض نسائهم للتحرش والاغتصاب الجماعي فضلاً عن السحل الجماعي سياسياً وأمنياً وإقتصادياً حتى بعد ثورات الربيع العربي. وهذا طبعاً لا يمكن أن يدرج على جدول أعمال هذه القمة. نسى الجميع أو معظمهم 'واإسلاماه' التي تدرس في كل مناهج التعليم تغنيا واعجاباً بالماضي فقط. هذه سلوى جميلة ومرهم مسكن للآلام، طالما لم يكن لنا حاضر يمكن أن نعجب به، ولا مستقبل حقيقي في ضوء العشوائية السائدة حالياً. هناك في العالم أناس يشتهرون بالجهد الجهيد والعرق المديد والبحث العلمي الجاد والتفكير السليم بأدواته ومؤسساته اللازمة، يفكرون حتى في غزو الفضاء وفي خلق السماوات والأرض، ويستفيدون من تسخير الله تعالى لهذا الكون العظيم، والعقل والحكمة حيث أنه في ضوء القرآن الكريم 'فمن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً'، حتى لو لم يكونوا مسلمين، فالجميع خلق الله تعالى. فهناك من يؤتيه الله تعالى الحكمة في أمور الدنيا فقط دون الآخرة، ولكن أفضل الحكمة تلك التي يؤتيها الله تعالى لعباده، فتكون لهم ذخراً في الدنيا والآخرة، وهذا ما فعله الصدر الأول في تاريخ الاسلام. وهناك في العالم العربي والاسلامي أناس يشتهرون في لعب الكرة أو الفن أو الديكتاتورية والفساد المالي أو الاداري واللهو والسحل وتعرية المتظاهرين، أو يشتهرون بسبب الغلو في الدين وانتهاك حقوق المواطنين والفتاوي الشاذة والقدرة على إثارة الفتن بين السنة والشيعة على سبيل المثال لا الحصر. حدث كل ذلك في أجواء الصراع السائد في مصر منذ زمن طويل والذي نتعجب لاستمراره بعد تلك الثورة العظيمة التي سحرت أعين الناس بحضارتها ورقيها وقيمها وتماسكها، فإذا بأهلها يتفرقون بعد وحدة، ويتنازعون بعد إتفاق، ويتصارعون بعد إنسجام، ويضيق بعضهم ببعض، بعد رحابة صدر وصبر جميل وأداء حسن، فيفشلون بعد نجاح عظيم. في هذه الأجواء البشعة والفتنة بين السنة والشيعة، التي تثيرها من بين من يثيرها- اسرائيل وأمريكا حتى في مصر، التي يسميها بعض الفقهاء سنية المذهب شيعية الحب لآل البيت عليهم السلام، تجتمع القمة الاسلامية ويسقط في الفتنة بعض الغلاة الذين يرون في الشيعة كل شر، ويرون أن إيران رأس الفتنة، وأن مذاهب أهل السنة مثل الزجاج قابلة للكسر والاختراق الشيعي، ولا يرون هذا الشر في القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج أو تركيا، ولا حتى في العدوان الاسرائيلي على سوريا. وبعضهم صرح بذلك حسب ما نقلته وسائل الاعلام المصرية أول يوم من أيام القمة الأربعاء 6/2/2013 قائلاً:' أن إيران تسعى إلى تقارب سياسي مع مصر قد يأتي على حساب مصالح عليا لمصر ولأهل السنة والجماعة الجسد الأصلي للأمة الاسلامية' وطالبوا أيضاً الرئيس مرسي'بمواجهة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بملف إضطهاد أهل السنة في إيران وملف سوريا' ولكنهم لم يعبأوا باضطهاد الانسان أيا كان شيعياَ أو غير شيعي في بعض دول الخليج ومنها السعودية والبحرين، ولم يعبأواحتى بسحل حمادة صابر وتعريته ولا بالتحرش بالنساء في الميادين وإختطافهم لأن بعضهم يرى عدم خروج المرأة من بيتها إلا إلى القبر. النظرة الأحادية تزيد الأزمة تعقيداً. الحق الذي طالبوا به يختفي وراء الظلم الذي يسود ولا يجد من يقف ضده، وكان جهاد بعض أولئك الغلاة إلقاء الأحذية على موكب الرئيس الإيراني، إمعاناً في الإكرام. الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو، أمين عام منظمة المؤتمر الاسلامي، أو أحياناً تسمى الوحدة الاسلامية، رجل صاحب كفاءة وأدب جم، ولكن ماذا تنفع الكفاءة عندما لا تندرج على جدول أعمال القمة التحديات المستقبلية الحقيقية لمواجهتها؟ وماذا ينفع الأدب مع بعض اللصوص باسم الحكم أو الدين، وقد سرقوا ثروات البلاد ومقدرات شعوبهم ونهبوها وإستأمنوا الغرب عليها، ولم يستخدموها في تنمية بلادهم، ولا تنمية الأمة العربية والاسلامية وهى ثروات وامكانات تكفي كل ذلك وتزيد. ولا نتعجب في مثل هذه الأحوال أن يهتف الثوار في وجه من يتسترون بالدين شكلاً، ليس عن الرئيس مرسي خاصة بل للجميع: إحلق وشك بيّن عارك تلقى وشك زي مبارك تعاني مصر التي تستضيف هذه القمة، على سبيل المثال لا الحصر، من جراء تلك الجرائم التي إرتكبها النظام السابق وبعضها مستمر حتى اليوم. ويحضر هذه القمة أيضاً من الحكام العرب من وقفوا ضد ثورة الخامس والعشرين العظيمة في مصر، ويحترمهم للأسف الشديد بعضهم في مصر طالما أنهم ينتمون إلى مذاهب أهل السنة والجماعة أو بسبب أموال الاغاثة والدعوة. كيف يتعامل معهم الرئيس مرسي وخصوصاً وسط فرقة الشعب المصري وتمزقه. لك الله تعالى يا أكمل الدين أوغلو، ولك الله تعالى يا مؤتمرات القمة، ولك الله تعالى يا أمة العرب والمسلمين. وما أجمل ما قاله الشاعر الراحل بدر شاكر السياب: لم ألق في طول الطريق سوى اللصوص حتى الذين ينددون كما الضمائر باللصوص فرسان هذا العصر هم بعض اللصوص وهل هناك من إجابة في مؤتمرات القمة أو غيرها لأمير الشعراء رحمه الله تعالى، وهو يقول: إلاما الخلف بينكم إلاما وهذي الضجة الكبرى علاما وفيما يكيد بعضكموا لبعض وتبدون العداوة والخصاما؟ يظل السؤال قائماً، وتظل الإجابة حائرة إلى أن تتحقق أهداف الثورات العربية الحضارية العظيمة. ' كاتب مصري