رفض الناشط القبطي مايكل منير السماح للدولة بالتدخل في عمل الكنيسة، مشددا في الوقت نفسه على أهمية منصب البابا واصفا إياه بأنه "الموقع الاخطر في مصر على الإطلاق" وتاريخيا كانت هناك محاولات من الدولة للتدخل في اختيار من يشغل هذا المنصب. القاهرة: حذر الناشط القبطي مايكل منير مؤسسة الرئاسة المصرية مما وصفه ب"التمادي في التقليل من شأن منصب البابا"، وأرجع منير هذا السلوك إلى "عدم فهم أو عدم خبرة سياسية". ووصف منير رئيس حزب الحياة، منصب بطريرك الأٌقباط الأرثوذكس، بأنه "أخطر منصب في مصر على الإطلاق"، مشيراً إلى أن البابا "يتحكم في علاقات قد تؤدي إلى رفعة البلاد أو هدمها، فلو كان متطرفاً، بإشارة من يده سوف تخرج الناس بأشكال وأعداد كبيرة جداً". وقال منير في مقابلة مع "إيلاف" تنشرها على حلقتين، إن حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمون يسير على نهج الحزب الوطني المنحل، فيما يخص الأزمة الطائفية في مصر، من حيث إنكارها، وإنكار عمليات تهجير الأٌقباط. وتوقع منير أن تقوم العلاقة بين الدولة والكنيسة على المصالح المشتركة، مشدداً على ضرورة إبتعاد الكنيسة عن العمل السياسي، ولكن شريطة منح المجلس الملي دوراً سياسياً، ليكون مثلاً للأقباط والكنيسة نفسها أمام الدولة. وكشف منير عن إستبعاد بعض المرشحين للمنصب البابوي ممن يصفون ب"مراكز القوى التي تكونت في نهاية عهد البابا شنودة"، مشيراً إلى أن بعضهم كانت لديه علاقات مع أجهزة الأمن، لكنها بعلم البابا شنودة الراحل. كيف ترى إنتخابات البطريرك رقم 118 في تاريخ الكنيسة، وتأثيرها على الحياة السياسية في مصر مستقبلاً؟ ما حدث إنجاز بكل المقاييس، لاسيما أن الكنيسة كانت قد دخلت في نفق مظلم تزامناً مع دخول البلاد النفق نفسه، خاصة بعد رحيل البابا شنودة الذي كان يمتلك كاريزما جعلت الناس ترتبط به عاطفياً وروحياً، فهناك أجيال في مثل سني لم تعرف غيره، ولكن الكنيسة إستطاعت عبور تلك المرحلة الحرجة في ظل قيادة الأنبا باخميوس لها بقوة وحزم. أجريت الإنتخابات بدون مشاكل، بدون إستقطابات أو تكتلات. وتم إسبتعاد البعض ترضية لرغبة الشعب، وتم التلاقي في منطقة وسطى فيما يخص بعض المطالب، وإستبعاد بعض الأساقفة من قائمة المرشحين. ويعتبر إنجاز الإنتخابات علامة مضيئة في ظل مرحلة حالكة سياسياً. وأعتقد أن إختيار البابا الجديد سيكون له مردود سياسي مهم، يتمثل في تحقيق الإستقرار في مصر، على الأقل بالنسبة للأقباط. طالما لا يوجد زعيم سياسي صاحب كاريزما يلتف حوله المصريون، فإن وجود البابا سوف يمثل نوعاً من الطمأنينة للمسيحيين وجزء كبير من المسلمين أيضاً. ومن المصادفة أنه في تاريخ مصر الحديث، لاسيما بعد ثورة 23 يوليو 1952، يتزامن إختيار البابا الجديد مع تولي رئيس جديد زمام السلطة، فمع تولي الرئيس جمال عبد الناصر السلطة جاء إختيار البابا كيرلس السادس، وبالتزامن مع تولي الرئيس أنور السادات المسؤولية، تقلد البابا شنودة منصب البطريرك، وأخيراً بعد ثورة 25 يناير، ومع تولي الرئيس محمد مرسي السلطة يتولي البابا تاوضروس الثاني منصب البابا، وأتمنى أن يكون هذا التزامن فاتحة خير على مصر، وأن تكون هناك علاقة عمل بين مؤسسة الرئاسة والكنيسة، وأعتقد أن كاريزما البابا الجديد سوف تؤثر في الحياة الإجتماعية والسياسية لمصر. ذكرت أنه حدث نوع من الترضية لشعب الكنيسة فيما يخص إستبعاد بعض الأساقفة، كيف ذلك؟ لاسيما أن بعض المرشحين المستبعدين كانوا يتمتعون بنفوذ واسع؟ تكونت مراكز قوى في الكنيسة خلال الفترة الأخيرة من عهد قداسة البابا شنودة، وهذا الأمر معروف للمجتمع كله، وحدث ذلك نتيجة تعرضه للمرض، وتصادمت هذه المراكز مع بعضها البعض إعلامياً وخارج الكنيسة، وعلى أثر ذلك نشأت العديد من الحركات القبطية، منها "أقباط 38"، وأقباط ماسبيرو. وعدد من أصحاب مراكز القوى ترشحوا لمنصب البطريرك، ولم يكن من السهل على لجنة الترشيحات إقصاء هذه المراكز، لاسيما في ظل النفوذ الواسع لها داخل الكنيسة، إلا أن اللجنة وقيادات الكنيسة إستجابت للرغبة الشعبية الرافضة لترشح هذه الشخصيات لمنصب البابا، وتم الإستجابة لتلك الرغبة، وإستبعدت الشخصيات التي تمثل مراكز قوى، وإستبعد معها شخصيات أخرى، كان تحظى بحب وإحترام الأقباط. ويسرت الطعون التي قدمها الناخبون عملية إقصاء هؤلاء من السباق إلى الكرسي البابوي. وهل حدث نوع من الترضية للدولة أيضاً؟ تاريخياً، كانت هناك محاولات من جانب الدولة للتدخل في إختيار البابا منذ عهد محمد على باشا، الذي حكم مصر في 1805، وكانت آخر المحاولات أثناء إختيار البابا شنودة الثالث في العام 1971، حيث كانت هناك رغبة في تصعيد شخصية معينة، إلا أن الكنيسة تصدت لهذه الرغبة. وفي جميع الأحوال لا يمكن السماح للدولة أو أية جهة بالتدخل في إختيار البابا، لاسيما في هذه المرة، خاصة أن الإنتخابات أجريت في أجواء تتسم بالشفافية الشديدة. نيافة الأنبا باخميوس شخصية قوية، وكانت له الكثير من المواقف الواضحة، بحيث ظهر أنه شخصية لا يمكن التأثير عليها، إلى جانب أن الآباء الأساقفة أعضاء المجمع المقدس معروف عنهم أنهم ضد أي نوع من التدخل في الكنيسة، فضلاً على أن الشعب ليس غبياً، ويعرف قدر القيادات الكنيسة، ويثق فيها، بدليل أني أجريت إستطلاعاً للرأي على الموقع الإلكتروني الخاص بي حول الشخصيات المرشحة، وحصل الثلاثة الأعلى أصواتاً الذين دخلوا القرعة الهيكلية على الأصوات الأعلى في ذلك التصويت، قبل إجراء الإنتخابات في 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. فهذه الشخصيات تحظي بحب وإحترام الشعب، ومتواجدة مع الناس، ولديها رؤية روحية وقيادية وسياسية. لكن في إعتقادي أن هذه الإنتخابات لو أجريت في عهد النظام السابق في ظل الدولة البوليسية، لحاولت الدولة التدخل فيها، من خلال الدفع بمرشحين على طريقتها الخاصة، لاسيما في ظل وجود قيادات كنيسة كانت مرتبطة بالنظام، لكن بعد الثورة، وفي ظل أجواء الشفافية الحالية، لا أعتقد أن الدولة أقدمت على التدخل، ولو حدث لم تكن الكنيسة لتسمح بذلك. بعض الشخصيات المستبعدة كانت تدور حولها علامات إستفهام فيما يخص علاقاتها بالنظام السابق، والأجهزة الأمنية؟ فهل كان إستبعادهم لهذه الأسباب؟ ثمة طعون تقدمت ضد هذه الشخصيات، بعض الأساقفة بالفعل كانت عليهم علامات إستفهام، بسبب علاقاتهم بالأجهزة الأمنية، لكن ذلك كان يتم بناء على إختيار البابا شنودة الراحل لهم للقيام بمهمات معينة، فكان يخصص شخصيات للتعامل مع الأجهزة الأمنية، من أجل التواصل معها، لحل المشاكل التي تنشأ من حين لآخر. وحتى في عهد الأنبا باخميوس القائمقام، بعض هؤلاء الأساقفة شاركوا في كتابة مذكرات ورفعها إلى الدولة، وبعضهم تواصل مع مسؤولين. ففي جميع الأحوال، لابد أن يتعامل هؤلاء مع الدولة، ولابد من تخصيص شخصيات لتك المهام. إلا أن ذلك لا يمنع أن جميع المرشحين على قدر من المحبة والإخلاص للكنيسة، وكان كل واحد منهم قادر على قيادتها. ما قراءتك لشكل العلاقة بين الدولة والكنيسة بعد إختيار البابا الجديد، لاسيما في ظل إمساك جماعة الإخوان المسلمون بالسلطة، ممثلة في شخص الرئيس محمد مرسي، وتصاعد نفوذ التيار السلفي المتشدد، الذي لا يتورع بعض قياداته في إظهار البغض للأقباط؟ نحن أمام مرحلة فريدة سياسياً، تتمثل في أن الكنيسة لديها بطريرك جديد، وجماعة الإخوان المسلمون في الحكم، وأعتقد أن هناك عدم فهم وعدم تقدير من قبل مؤسسة الرئاسة لطبيعة منصب قداسة البابا، وأعتقد أن التعامل مع طلبات الكنيسة في المرحلة الإنتقالية يثبت ذلك، وقد يكون ذلك ناتجاً ليس عن سوء قصد، ولكن عن عدم فهم جيد أو عدم خبرة في السلطة. حسب وجهة نظري، يعد منصب البابا من أخطر المناصب في مصر، إن لم يكن أخطرها على الإطلاق، فهو يتحكم في علاقات قد تؤدي إلى رفعة البلاد أو هدمها، فلو كان متطرفاً، بإشارة من يده سوف تخرج الناس بأشكال وأعداد كبيرة جداً. وأعتقد أن العلاقة في عهد البابا تواضروس سوف تكون علاقة عمل، لاسيما أنه رجل لديه خبرة إدارية واسعة، ويعي كيفية إدارة المؤسسات، ومنها الكنيسة. في المجمل أتوقع أن تكون العلاقة بنظام المصالح، فالدولة لديها مصالح مع الكنيسة، والعكس أيضاً. الكنيسة لديها مفاتيح ملف المياه في أثيوبيا، ومؤثرة فيه، لاسيما في ظل العلاقة الوثيقة بين الكنيستين الأثيوبية والمصرية، تحقيق الأمن والأمان السياسي في الداخل، وكذلك للكنيسة دور واضح في العلاقات الخارجية للدولة. وبالمقابل، فالدولة مطالبة بإنجاز مصالح الكنيسة، ومنها إصدار قانون منع التمييز، والقانون الموحد لبناء دور العبادة أو قانون ينظم بناء الكنائس على الأقل، قانون الأحوال الشخصية، تحقيق التمثيل السياسي العادل للأقباط، وكذلك المرأة، فهاتان الفئتان تحتاجان إلى وضع خاص في الدستور لمرحلة إنتقالية محددة. ولكن إذا تمادت مؤسسة الرئاسة في التقليل من شأن هذا المنصب، أو التقليل من شأن هذه المطالب، أو عدم التعامل معها بجدية، أو التعامل معها بمنطق الحزب الوطني المنحل، لاسيما أن الكلام نفسه يتكرر من حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان، ومنها إنكار وجود أزمة طائفية في مصر، أو إنكار التهجير. إذا حدث ذلك سوف يؤدي إلى تفاقم الأزمات، ولن يكون مقبولاً من جانب الكنيسة، فالشباب القبطي يرفض الإهانة. فالكنيسة على مستوى القيادات أو على مستوى الأقباط لم ترتضي أن تكون في موقف ضعف. لكن ما تقوله يتعارض مع مطالب سياسيين ونشطاء أقباط بضرورة إبتعاد الكنيسة عن العمل السياسي؟ أنا واحد ممن يطالبون بفصل الدين عن السياسة كلياً، ولذلك أدعو البابا الجديد إلى مراجعة لائحة إنتخاب البابا، إلى جانب مراجعة دور المجلس الملي، وتطويره ليكون له دور سياسيا إلى جانب الدور المالي والإداري بالكنيسة، حتى يكون ممثلاً قوياً للأقباط سياسياً، ويكون له دور في هذه القضايا المطروحة على الساحة، وفي حالة وجود هذا الكيان، أؤيد تراجع الدور السياسي للكنيسة. وللحق لابد أن نقول أن الكنيسة زج بها القيام بدور سياسي في الدولة، لأن وجهة نظر النظام البائد كانت تقول أنه من الأفضل له التعامل مع الأسقف أسهل من التعامل مع الآلاف أو الملايين مباشرة، وهذا أدى إلى خلل في علاقة الأقباط بمؤسسات الدولة المختلفة، لاسيما في ظل ضعف دور نواب البرلمان، وتجاهل مطالب الناس، فالقبطي صار يتوجه إلى الكنيسة أو الأسقف من أجل قضاء مصالحه. وأعتقد أن البابا تواضروس الثاني يؤمن أن زيادة الدور السياسي للكنيسة أدي إلى تراجع دورها في مجالات أخرى، أتوقع أن يراجع الدور السياسي للكنيسة في مقابل تصاعد دور المجلس الملي وبروز دور النشطاء الأٌقباط من الشباب، لاسيما في ظل زيادة عدد الحركات القبطية، وتفاعلها من المجتمع. وبرأيي أنه من الأفضل أن يتراجع دور الكنيسة سياسياً، وأن تترك أولادها يتعاملون مع السياسة بأنفسهم، وتكوين تيار مدني يكون قادراً على التفاعل مع التيار المدني الإسلامي، ويتم حل المشاكل والأزمات من خلال شخصيات مشهود لها من الجانبين. وأرى أن تقوية دور المجلس الملي سياسياً سيكون فيه إفادة كبيرة للجميع، فالكنيسة والأقباط سيكون لديهم ممثل قوى يثقون فيه، والدولة يمكنها أن تتحدث وتتعاون وتتناقش مع هذا المجلس، بإعتباره مجلساً منتخباً من الأقباط ويعبر عن آرائهم في مختلف القضايا.