اوباما لم يقدم وعودا للسوريين في خطابه للامة.. تمسك باستراتيجية القيادة من الخلف والضغط على الاسدلندن 'القدس العربي': تراجع التركيز على السياسة الخارجية في خطاب الامة الذي وجهه الرئيس اوباما للامريكيين ليلة الثلاثاء، وركز علاوة على ذلك على قضايا السياسة المحلية، من تحسين الاقتصاد واحيائه وخلق فرص عمل لابناء الطبقة المتوسطة ودعوة الشركات الامريكية العملاقة للعودة الى امريكا بعد ان نقلت عملياتها مثل 'انتل' الى الصين وغيرها، والتركيز على الصحة والتعليم، واستثمار اكثر من 50 مليار دولار لاصلاح وبناء البنى التحتية من شوارع وجسور، كما ودعا الى اصلاح نظام الهجرة. وكان الخطاب موجها للكونغرس كي يدعم مشاريعه الاصلاحية هذه، ووعد اوباما بسحب 34 الف جندي امريكي من افغانستان، مؤكدا ان العلاقة بين الولاياتالمتحدةوافغانستان فيما بعد عام 2014 ستتخذ شكلا اخر. تراجع دائم للسياسة الخارجية وفي الخطاب الذي جاء في 6500 كلمة لم تحضر قضايا السياسة الخارجية او ما انتظره الكثير من المعلقين تحديدا لعقيدة اوباما في السياسة الخارجية، بل وبدلا من ان تزيد جرعتها هذه المرة قلت وهذا يتساوق مع تراجع القضايا في خطابات اوباما في السنوات الاخيرة. ففي العام الماضي لم تحظ قضايا السياسة الخارجية الا 18 فقرة من 109 فقرة، وفي عام 2011 كانت 17 فقرة من 111، 2010 كان عددها 8 فقرات من 105، وفي عام 2009 ثمانية من 94 فقرة. وهذا العام ليس استثنائيا فلم تحظ قضايا الخارجية الا ب 13 فقرة من بين 88، وتحدث فيها عن عدد من التحديات التي تواجه سياسة ادارته الخارجية من كوريا الشمالية، الى دعم الديمقراطية في بورما، ودعوة ايران لحل الملف النووي بالطرق الدبلوماسية، ولم ينطق اوباما بالكثير عن سورية سوى ترديده نفس اللازمة عن ضرورة مواجهة جرائم النظام وانه سيدعم المعارضة السورية التي تعمل من اجل 'جميع السوريين'. من كوريا الشمالية الى مالي ويمكن اجمال ما قاله اوباما عن القضايا الخارجية بالاتي، حيث بدأ بافغانستان التي قال ان المهمة الامريكية لن تنتهي بعد سحب القوات بل ستظل واشنطن ملتزمة بافغانستان موحدة، ولكن طبيعة التعاون بين البلدين ستكون محلا للتفاوض وسيكون التواجد الامريكي من اجل تدريب القوات الافغانية ومواصلة تزويدها بالاسلحة، ويضاف الى هذه المهمة، اخرى تتعلق بمكافحة الارهاب بشكل لا يسمح لبقايا القاعدة العودة الى افغانستان مما يعني اشاعة الفوضى والاضطراب في البلاد من جديد. وقد تحدث اوباما بثقة عن ضعف القاعدة التي خططت لهجمات ايلول (سبتمبر) 2001 حيث وصفها بانها اصبحت ظلا للتنظيم السابق، ومع ذلك اعترف بتزايد خطر الجماعات المرتبطة بالقاعدة في اليمن وشمال افريقيا. وما يعزي اوباما ان ملاحقة القاعدة في هذه الاماكن لا تحتاج منه الى ارسال عشرات الالاف من الجنود، وبدلا من احتلال الدول التي تقيم فيها القاعدة حضورا لها، مثل ليبيا والصومال واليمن، فالولاياتالمتحدة ستعمل على مساعدة هذه الدول. وما لم يقله اوباما فان سياسة الطائرات الموجهة 'درون' كفيلة بملاحقة وقتل ناشطي القاعدة وان تحققت بثمن انساني باهظ. ايران واسرائيل وبعيدا عن القاعدة اشار الى التحدي الذي تمثله كوريا للولايات المتحدة ومنعها نشر السلاح الفتاك في انحاء العالم، حيث دعا الحكومة الكورية الى الالتزام بالمعايير والقوانين الدولية من اجل ازدهار بلادها. وقال ان الوقت قد حان للحل الدبلوماسي فيما يتعلق بالمشروع النووي الايراني وان الولاياتالمتحدة ستعمل جاهدة كي تمنع طهران من امتلاك السلاح النووي. ومن اجل هذا ستواصل واشنطن العمل مع روسيا لتخفيض الترسانة النووية، وقيادة الجهود الدولية لمنع وقوع هذه الاسلحة في الايدي الخطأ. وبنفس السياق تحدث عن الحرب السايبرية وجهود امريكا لمواجهتها. وبعد حديثه عن العلاقات التجارية ومكافحة الفقر في العالم والامراض مثل الايدز، تحول الى مسألة الديمقراطية حيث قال ان امريكا يجب ان تظل منارة لكل من يبحثون عن الحرية، مشيرا الى التحولات الديمقراطية في بورما، وذكر كيف استقبلته الناشطة اونغ سان سو كي في بيتها الذي قضت فيه سنوات تحت الحبس الاجباري وكيف اصطف البورميون في الشوارع وهم يحملون الاعلام الامريكية ويعبرون عن رغبتهم بالعدل والحرية الموجودة في امريكا في بلادهم. وهنا نصل الى ما قاله اوباما عن الشرق الاوسط حيث قال ان الولاياتالمتحدة ستقف الى جانب المواطنين الذين يطالبون بحقوقهم الاساسية، كما وستدعم امريكا تحولا للديمقراطية، مع ان الطريقة للتحول قد تكون فوضوية لن تملي الولاياتالمتحدة النتائج في دول مثل مصر، وكل ما ستقوم امريكا عمله هو التأكيد على اهمية احترام هذه الدول حقوق الانسان. سورية القيادة من الخلف وفي الشأن السوري قال اوباما ان ادارته ستواصل الضغط على النظام السوري 'الذي يقتل شعبه، ودعم قادة المعارضة السوريين الذين يحترمون حقوق جميع السوريين'، اما بالنسبة لاسرائيل فامريكا 'ستقف بثبات' الى جانبها 'في البحث عن الامن والسلام الدائم'، وهذه هي الرسائل التي سيحملها معه اوباما في زيارته المرتقبة للمنطقة الشهر القادم. ومن هنا وبقراءة لخطاب اوباما فالسياسة الخارجية تتراجع ولم تعد اولوية بقدر ما اصبحت قضايا الاقتصاد وانقاذ امريكا تحتل المكانة الاولى في سياسته. ويؤكد الخطاب موقف اوباما الذي اتبعه في السنوات الاخيرة وهو القيادة من الخلف، حيث ظهر هذا في الحملة على نظام معمر القذافي، والحملة الفرنسية على مالي التي تركها لباريس ولندن، اللتين قادتا الحملة على ليبيا، وكذا الكونغو ومثل ذلك الموقف من سورية التي ترك عملية تسليح المعارضة او غض الطرف عنها للدول الخليجية. واكتفى اوباما بتقديم الدعم الانساني والتقني حيث احتيج اليه في الحالة السورية. وعليه فخطاب اوباما لم يتضمن ملامح لعقيدة في السياسة الخارجية او موقفا واضحا للتعامل مع الثورات العربية. وفي الوقت الذي يرى فيه معلقون امريكيون ان اوباما ليس مهتما بالعقيدة هذه يقول اخرون ان الاستراتيجية الخارجية لا تزال تحت الاعداد، حيث ينتظرون مشاهدة بصمات وزير الخارجية الجديد، جون كيري، الذي قال في جلسة الاستماع لتأكيد تعيينه ان الاقتصاد هو موضوع يتعلق بالسياسة الخارجية، من هنا نفهم اشارة اوباما في خطابه الى معاهدة التجارة الحرة مع اوروبا والشراكة مع دول المحيط الهادىء. ولاول مرة يختفي العراق من خطاب الرئيس الامريكي الذي ظل حاضرا في خطابات الامة من قرار جورج بوش غزوه عام 2003 وقبل ذلك، كما لم يشر اوباما الى العملية السلمية، واختفى الفلسطينيون من خطابه، ولم يشر الى غوانتانامو وان كان سيغلقه ام لا، ولم ينطق ابدا بكلمة 'الحرب على الارهاب'، مع انه تحدث عن القاعدة التي اصبحت حطاما. دمشق والحياة الصعبة وفي الايام المقبلة سنتعرف اكثر على سياسة اوباما من خلال جولات وزيره الجديد، وحتى تتحرك واشنطن او تقدم موقفا اوضح خاصة في المسألة السورية، فسورية ستظل تحترق، مدنها وقراها، والقتل سيتواصل والافظع من ذلك هو سرقة تراثها الانساني، فبعد حرق مدينة حلب القديمة صيف العام الماضي، يخشى الكثيرون من ان تواجه مدينة دمشق نفس المصير، والكلمات مكتوبة على الجدار، حيث اشار تقرير لصحيفة 'الفايننشال تايمز' الى الازمة الاقتصادية التي بدأت تضرب اصحاب المحلات ولم يعودوا قادرين على استيراد المواد الرخيصة من آسيا. ويقدم التقرير صورة عن الحرب التي بدأت تصل الدمشقيين حيث صار يسمع اصوات القصف والتفجيرات وقنابل الهاون في انحائها وان بصوت متقطع. وتقول الصحيفة ان المدينة تأثرت من الصراع من ناحية الانقطاع المتكرر للوقود والكهرباء، وارتفاع مستوى التضخم، حيث رأى معلقون ان التعديل الوزاري في حكومة وائل الحلقي الذي اجراه الرئيس السوري بشار الاسد شمل معظم الوزارات الخدمية. ومع ان التقرير يشير الى ان التحديات اليومية التي يواجهها اهل الريف في دمشق اكبر من الدمشقيين في المدينة الا ان طوابير شراء الخبز اصبحت مألوفة. وقد ادى التضخم ونقص المواد الغذائية الى انتشار السوق السوداء لبيع الوقود والمواد الغذائية وحتى الاسلحة، يضاف الى ذلك انتشار حالات من الخطف، ونقلت عن صاحب محل الكترونيات قوله ان الناس لا يشترون من محله شيئا لانهم قادرون على الحصول على ما يريدون من مصادر اخرى، ومواد بسعر ارخص سرقت من مناطق اخرى في البلاد. النهب والسرقة وهنا فالبلاد اصبحت مرتعا للصوص والناهبين وهو ما اشارت اليه صحيفة 'واشنطن بوست' حيث قالت ان المقاتلين يقومون بسرقة المقتنيات الاثرية والتراث الانساني السوري وبيعها لشراء الاسلحة ومواصلة القتال ضد الاسد. ويشير التقرير ان عمليات الشحنات المهربة الى داخل سورية من الدول المجارة، اصبحت تشمل اضافة للذخيرة والادوية اجهزة الكشف عن الذهب والمواد الاثرية والمعاول. ويقول التقرير ان المقاتلين انضموا الى التجارة السرية التي تقوم بجمع وسرقة تراث البلاد الاثري وبيعه في السوق السوداء، وغرض المقاتلين ليس الاثراء ولكن الحصول على المال اللازم لشراء الاسلحة. ونقلت عن مقاتل من ادلب قابلته في مدينة المفرق الاردنية قوله 'في ايام نحن مقاتلون وايام اخرى منقبون عن الاثار'، ويزعم انه استطاع الكشف عن لوحة تعود للعصر البرونزي عليها نقوش باللغة السومرية، في بلدة ايبلا. والمخاطر على التراث التاريخي السوري لا تنبع ايضا من السرقة بل من تحول اماكن تاريخية الى ساحات حرب بين المعارضة والنظام، فسوق حلب القديم احترق بشكل كامل، وقلعة حلب وقلاع صليبية اخرى من مثل قلعة الحصن تعرضت للقصف ودمرت اجزاء منها. وتحذر الامم المتحدة من وجود شبكات من المهربين وتجار القطع الاثرية التي تحاول الاستفادة من الحرب التي ستدخل عامها الثالث. وحذرت انا باوليني مسؤولة مكتب اليونسكو في الاردن من مخاطر التجارة وتهريب الاثار السورية، مذكرة بتجارب اخرى استفادت منها هذه الشبكات من الحروب والفوضى. ولهذا السبب يقوم مكتب اليونسكو بتنظيم ورشة عمل يوم الاحد القادم في عمان لمناقشة المخاطر الي يتعرض لها التراث التاريخي السوري. ولا يعرف احد حجم التجارة هذه ولا يمكن تقييمها بسبب الحرب التي تمزق البلاد، لكن مصير المتاحف الاثرية في البلاد يعطي صورة عما حدث فقد تم نهب 12 متحفا من بين 36 متحفا، لكن دائرة الاثار العامة والمتاحف السورية قالت ان معظم مقتنيات المتاحف هذه قد تم تأمينها ونقلت الى اماكن اخرى، وقالت الدائرة انه تم فقد قطعتين اثريتين تعودان الى العصر الارامي من متحف حماة.