(القاهرة) - لكل فتاة أحلامها وطموحاتها التي تتراوح بين الشطط والمبالغة والواقع، وهذا يختلف من واحدة لأخرى حسب تربيتها ونشأتها، والظروف المحيطة بها والفرص المتاحة أمامها، وأنا واحدة منهن أرى وأسمع من الفتيات من تشترط الفيلا والسيارة والرصيد البنكي والشقة المصيفية، والأثاث الفاخر المستورد والمجوهرات الثمينة والمهر الكبير وجدول رحلات مشغول دائماً في كل فصول السنة، وفوق هذا كله عريس شاب ثري وسيم في مركز مرموق يبادلها الحب. لكني لم أكن كذلك، فأحلامي بسيطة، وإن كانت تبدو كثيرة، بينما هي في حقيقتها من الضرورات الحياتية، فبعد أن انتهيت من دراستي الجامعية تركزت أمنياتي في زوج يبادلني الحب والاحترام ومسكن مناسب ووظيفة وأسرة صغيرة، وليس هذا تواضعاً مني أو تنازلاً عن حقوقي وإنما هو اعتراف بالواقع، فأنا لست فائقة الجمال، بل مثل كل الفتيات ومن أواسط الناس، المستوى الاجتماعي عادي ولا داعي للمبالغة في أي شيء ويجب التعامل مع الأمر على ما هو عليه ولا أريد أن أقلد الأخريات. واحدة من هؤلاء كانت حاصلة على دبلوم فني متوسط، وهي بالفعل دميمة وكانت تشترط أن يكون عريسها حاصلاً على مؤهل عال ويمتلك شقة في العاصمة، ولأنها ظلت تردد ذلك لم يتقدم أحد لها، إلى أن تنازلت عن المؤهل العالي بمؤهل متوسط مثلها وحتى هذا لم تجده، وأخيراً تزوجت واحداً غير متعلم بالمرة وكان يشبهها في الأوصاف وأصبح الناس من حولنا يتندرون عليها ويضربون بها المثل، لذا كنت حريصة على ألا أكرر التجربة، وإن كان في المقابل هناك من وقعن في زيجات غير مسبوقة، كانت على خلاف المتوقع، فهناك فتاة عادية أيضاً، وكانت محظوظة لأنها تزوجت أستاذاً بالجامعة وتفتحت كل الأبواب المغلقة أمامها وكانت إمكاناته كبيرة وحالته المادية ميسورة. لم يكن أمامي إلا أن أقبع في بيت أبي وأنتظر العريس ولم أكن أرى في هذا استسلاماً، ولكن هو السبيل الأمثل للتعامل مع الحالة والظروف المحيطة، فأنا أقيم في منطقة ريفية في أسرة متفاهمة، نلتزم بالعادات والتقاليد، ولا يسمح للفتيات بالخروج إلى أي مكان ما عدا الدراسة، إلا مع ذويهن، وكما نشأت وتربيت فإنني لا علاقة لي مع أي شاب لا في الجامعة ولا من الأقارب، وكانوا يضربون بي المثل في الالتزام والأخلاق، ومن ثم كنت حريصة على هذه الصورة الجميلة وألا تهتز أبداً. ولم أنتظر كثيراً فبعد عام واحد جاء من يطرق باب أبي ليخطبني، شاب مجهول بالنسبة لي لا أعرف عنه أي شيء، ولم يكن بعد ذلك متاحاً لي إلا التعرف على شكله ومظهره، وكان لا بأس به، أما عن أخلاقياته وشخصيته وظروفه، فكل ذلك كان بعيداً عني ولم تتح لي الفرصة للتعرف عليه، ولم أعرف إلا ما قالوه عنه إنه موظف في شركة للنفط ودخله كبير ويكبرني بعامين وأمامه مستقبل باهر وسنقيم في بيت والده إلى أن يحصل على شقة خاصة بنا، ووافقت على أمل أن تتحقق الأمنيات واحدة تلو الأخرى ولم أكن أبداً متعجلة ولا أشترط أن تتحقق جميعها في وقت واحد ومن الطبيعي أن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة. خلال أقل من عام تم الزواج، كانت الإقامة في غرفة بمنزل عائلة زوجي، لا أعيش فيها بحرية لأن الغرف المجاورة بها زوجات أخوة زوجي أو أي من أخوته وأخواته، أشبه بالإقامة في غرف فندقية لا تعرف الاستقلالية أو الحرية، الباب مغلق دائماً لتتحول إلى حبس انفرادي، لا يوجد إلا تلفاز واحد نتجمع حوله كل مساء، وليس لنا اختيار فيما نود أن نشاهد، الكل شركاء متشاكسون، أمزجتهم واهتماماتهم مختلفة، هذا يريد أن يشاهد المباريات، وهذا يريد الأفلام والمسرحيات والنسوة يفضلن المسلسلات، والكلمة العليا لوالد زوجي الذي يتابع البرامج الإخبارية، وبعد أن يتوجه إلى غرفة نومه يسيطر أبناؤه الكبار على الموقف ويتحكمون في الرغبات، ولا يمكن أن يأتي الدور علينا أبداً لنشاهد ما نريد، ووسط هذه الاختلافات لم يكن متاحاً لي أن أبدي رغبتي لأنني أعرف أنه لا مجال لتحقيقها على الإطلاق، فاحتفظت بها على أمل أن تتحقق فيما بعد في بيتي عندما أنال الاستقلال وأكون في مسكني أنا وزوجي وحدنا، ومثل الهبوط الاضطراري كان التأجيل الاضطراري لأبسط الحقوق إلى حين ميسرة. ... المزيد