بالرغم من أنني من عائلة متدينة جداً، تخاف الله، فإنه كما يقال "الشيطان شاطر"، فقد جعلني ارتكب خطأ لا أعتقد بأن الله سبحانه تعالى، سيسامحني عليه، إلا إذا أصلحته قبل فوات الأوان، لكنني كنت كلما أردت أن أصحح هذا الخطأ يحدث شيء فأنسى أو أتناسى، إلى أن كاد، ولولا ستر الله، أن يحصل شيء فظيع، لا أجد مسمى له، أهو إثم، حرام، جرم، مصيبة، لا أدري لم أكن أستطيع أن أفعل شيئاً تجاهه لو حصل إلا أن أقتل نفسي، كي يصبح ذنبي، أكبر وأقوى . لن أطيل عليكم، بل سأبدأ في سرد قصتي من البداية وحتى الساعة، فقد سافرت عندما أنهيت دراستي إلى الخارج كي أتخصص في المحاماة، لأدافع عن كل مظلوم، ثم أحببت أن أتابع دراستي لأصبح قاضياً وأحكم بالعدل، فكنت بما فعلته ظالماً وقاسياً، لا بل أصبحت جلاداً لا يعرف الرحمة، ومع من؟ مع إنسانة رائعة، لم يكن ذنبها إلا أنها وثقت بي وأحبتني من كل قلبها، كنت محظوظاً بها، لأسباب عديدة، أولها أنني، ومن دون كل الشبان في الجامعة، الذين كانوا يحومون حولها ويحاولون التقرب منها اختارتني أنا، لكنني للأسف خذلتها . هي التي كانت محط أنظار الكثيرين على اختلاف جنسياتهم، من حيث شكلها الذي يلفت الأنظار، فقد كانت حنطية البشرة مع شعر بني، عينان لونهما كالعسل الصافي، أنفها دقيق وصغير، وكذلك من حيث أخلاقها، فقد كانت لا تلتفت إلى أحد مهما كان . لا تجلس سوى مع بضع فتيات، أو وحدها في ركن تراجع دروسها، أتعبتني جداً وأنا ألاحقها، وصممت على الفوز بقلبها مهما كلفني الأمر من تضحيات، وصبر، لأنها بالفعل تستحق ذلك . وبعد جهد جهيد، استطعت أن أكلمها، فزت أنا بها . . لم أصدق نفسي . . كرهني الجميع وتهامسوا في ما بينهم قائلين ما الذي رأته فيه ولم تجده فينا؟ فهناك من هم أثرياء جدا، ومنهم كأنهم ممثلون بأشكالهم ووسامتهم، أما أنا فشخص عادي، ملامحي لا بأس بها، والمال وفير لكن هناك من هو أجدر بها مني لكن اختارتني بسبب إصراري عليها، وطريقة معاملتي لها، وقوفي ليلاً ونهاراً تحت نافذتها، انتظر أن ألمح ظلها، كنت أغفو وأنا جالس عند عمود الإنارة، كنت أملأ منزلها بالورود . . كل صباح أرسل لها باقة كبيرة، مع بطاقة تعبر عن حبي الكبير لها . وفي يوم كنت أسير خلفها كالعادة مثل ظلها، وكان معي صديقي، فقلت له والله العظيم إنني أدفع عمري فقط كي تكلمني، لم يبق شيء ولم أفعله، وهي لا تنظر حتى نظرة واحدة إليّ، هل تعتقد أنني لا أعجبها، أم أنها لم تقتنع بعد بحبي الكبير لها، لم يبق أمامي إلا أن ألقي بنفسي أمام سيارة، أو أقف على سطح المبنى وأهددها بأني سأرمي نفسي من فوق، ما رأيك أنت؟ توقفت فجأة ونظرت إليّ وهي تضحك ثم قالت بالعربية، لا . . . لا لزوم لذلك، (مهضوم) صدمت، وكذلك وقلنا صديقي وأنا، أنت تتكلمين العربية، أجابت نعم أنا لبنانية واسمي "الكساندرا" . بدأت علاقتنا تقوى وتزيد مع الأيام . . أحببتها حباً لا يوصف، لا بل عشقتها وكنت مستعداً أن أفعل أي شيء من أجلها، وهي بدورها أعطتني الكثير من حنانها وعطفها، اهتمامها ووقتها كانت فتاة مثالية بكل شيء، رائعة، بأخلاقها واتزانها، محافظة على نفسها واسم عائلتها الفخورة بها، شرفها وعرضها، أهم ما عندها في مجتمع غربي لا يهمه الأصل والفصل . وفي يوم، كنا خلاله جالسين كل واحد منا على كرسي ننجز ما لدينا من واجبات، نظرت إليها إلى وجهها الرائع فشعرت بقشعريرة، وأحسست بأنني أريد أن أقترب منها، فكانت ردة فعلها غير متوقعة، حيث انتفضت وقامت من قربي بسرعة، وقفت بوجهي وقالت، اسمعني جيداً يا "سعيد" هناك شيء مهم جدا كان يجب أن أخبرك به، لكن مجرد التفكير به يوترني، شعرت بالقلق ثم قلت لها تفضلي يا حبيبتي قولي ما عندك، أجابت والدموع تنهمر من عينيها، لقد تعرضت وأنا صغيرة للتحرش الجنسي، من قبل وحش آدمي، عند وصولنا إلى هنا، صحيح انه ما زال حتى الآن في السجن حيث يكون أمثاله، لكنني لاأزال أعاني آثار هذا الموضوع المؤلم حتى الساعة، وأنا لغاية الآن، أزور الطبيبة النفسية مرتين في الأسبوع . فوجئت بالقصة، وحزنت من أجلها، شعرت معها، وأحسست بمعاناتها، فهذا أفظع شيء ممكن أن يحدث لفتاة صغيرة، قالت لي لم يسلبني عذريتي فقط، بل سلبني كل شيء، طفولتي، سعادتي، حبي للحياة، أصبحت انطوائية، أخاف من الجميع، أرى الرجال مجرد وحوش ستنقض عليّ، لذلك كنت أضع جداراً بيني وبين الجميع إلى أن أتيت أنت، وبدأت استعيد بعضاً من الثقة في الناس، أخذتها بكل لطف وحذر، هامساً في أذنها لا تخافي مني، فأنا لن أؤذيك، ولن أدع أحدا يفعل، وهذا وعد مني بذلك، قبلتها على يدها وعدت إلى مكاني . استطاعت "الكساندرا" أن تنسيني غربتي ووحدتي بوجودها إلى جانبي، كانت تهتم بكل ما يتعلق بي، كانت قمة في الأخلاق والأدب، كانت ملتزمة ومتزمتة لأقصى حد، وفي يوم قلت لها كالغبي لماذا لا تنتقلين إلى منزلي ونسكن سوياً، جمدت مكانها، ونظرت إليّ بلوم وغضب، حيث اعتبرتها إهانة لها، وأجابتني بعنف، يبدو انك يا "سعيد" تحاول أن تستغل السر الذي أخبرتك به، لكن لا، أنت مخطئ، صحيح إنني أحبك، لكن حبي لك روحاني وطاهر، وهذا ما جعلني اقترب منك وأثق بك، أسرعت أشرح لها قصدي وصفاء نيتي، قلت لها إنني فقط أحاول أن أوفر عليك بدل السكن، ولا أحب بقاءك في منزل واحد مع فتاة غربية تأتي بحبيبها إلى المنزل . وجدت أنني فعلاً جعلتها تشعر بالخوف مني، فقلت لها اسمعيني يا حبيبتي، أنا أحبك وأخاف عليك جداً حتى من نسمة الهواء، أرجوك افهمي قصدي، فأنا رجل شرقي وأغار عليك، ولكي أثبت لك نيتي أنا مستعد أن اعقد قراني عليك الآن، استغربت الأمر وقالت: لا تستعجل الأمور؟ قلت أبدا فنحن سوياً منذ أكثر من ستة أشهر، أصبحت أعرفك جيدا وأنت أيضاً، أنت ابنة عائلة كريمة وقمة في الأخلاق والأدب، وأنا أيضاً لن افعل شيئا لا يرضي الله فلِمَ لا نذهب إلى الشيخ ونكتب كتابنا على سنة الله ورسوله، ترددت قليلا قبل أن تقول . . لا . . لا استطيع . وقفت أمامها كمن تلقى صفعة مدوية على وجهه، قلت لماذا، لأنك لست من ديني، صمتت ووضعت عينيها أرضاً، قلت لها لا إكراه في الدين، وتستطيعين أن تبقي على دينك لكن من أجل الحلال والحرام فقط، أجابت صحيح إنني من بلد متعدد الطوائف، ونعيش بتحرر إلا أنني من عائلة متعصبة دينياً وأنا ملتزمة كما تعلم، وان تزوجتك عند الشيخ سيكون وضعك سليما لكن ماذا عن وضعي أنا سأغضب عائلتي كلها، هذا قرار صعب يا "سعيد" لأن المرأة تتبع زوجها وليس العكس، لذلك يجب أن أفكر، قلت لها حسنا خذي وقتك، وأنا بانتظار ردك . اختفت لأسبوع كامل، أصبحت خلاله كالمجنون، فهي لا تأتي إلى الجامعة، ولا إلى المنزل، أين ذهبت يا ترى، ليتني لم افتح معها هذا الموضوع، لكنني عاجلاً أم آجلا كنت سأتكلم به لأنني أريدها، أهملت دراستي طوال فترة غيابها عني، كنت لا أفارق الهاتف وأحاول كل دقيقة أن اطلبها إلا أن خطها كان خارج الخدمة، كنت تائهاً من دونها، إلى أن رن هاتفي، فنظرت إلى الرقم وقلت ألو، أجابت أنا آسفة لأنني جعلتك تنتظر وتقلق، لكنني موافقة سأتزوج بك . أقمنا حفلة صغيرة بعد كتب الكتاب، ضمت أصدقائي وصديقاتها المقربين جداً، قضينا عدة أيام في الفندق، على أمل أن نسافر عند انتهاء الامتحانات في رحلة شهر العسل، ولم يمض الشهر الأول وهمست في أذني أنا حامل، دارت الدنيا بي لثوان قبل أن أصرخ ماذا؟ ابتسمت وقالت مفاجأة أليس كذلك؟ أنا أيضاً لم أتوقع ذلك، قلت لها كيف ومتى فنحن بعد عدة أيام نتمم الشهر أجابت نعم، لكن يبدو أن الحمل حصل منذ الليلة الأولى، كنت أنا شاباً وبالكاد أفهم في تلك الأشياء، لكن الشيطان لعب لعبته في رأسي، وجعلني أشك في أن الجنين الذي تحمله في أحشائها ليس مني، خاصة أنها اختفت لأسبوع كامل قبل زواجنا، صحيح أنها لم تكن محطاً للشك لكنني لم أصدق، تصرفت من دون تفكير، كأنني لم أدرس، كنت كإنسان أميّ، لم أفكر سوى أنها خائنة . بكت المسكينة كثيرا وشعرت بأنني أشك في أخلاقها، فطلبت مني مرافقتها إلى الطبيب كي أتأكد من أن الأمر يحصل بحسب الدورة الشهرية، لكنني رفضت رفضاً قاطعاً، وشعرتُ بأنها وافقت على الزواج مني بسبب حملها، وفي لحظة غيرة وغضب طلقتها غير عابئ ببكائها وتوسلاتها، ذهبت إلى منزل صديقي لأبقى معه لحين انتهائي من الامتحانات، حيث عدت إلى بلدي نهائياً، كنت غاضباً، ثائراً، كئيباً، حزيناً، مجروحاً، مذبوحاً . . كانت حالتي فظيعة، حاول الجميع معرفة ما الذي جعلني هكذا لكنني لم أخبر سوى والدتي، التي غضبت في البداية لكنها أكدت لي أن الأمر يحدث، لكنني لم اقتنع، لأن غيابها عني لأسبوع كامل، كان مدار شك بالنسبة لي . هل يعود سعيد ويبحث عمن أحب وما زال، أم ستنتظره مفاجآت لم يتوقعها، تابعونا أعزائي القراء في العدد القادم، لمتابعة أحداث هذه القصة الواقعية المشوقة، التي ستحمل لكم الكثير من الأحداث المشوقة وغير المتوقعة . [email protected]