اصوات الحرب شوشت الحياة اليومية في سورية.. يسمع الناس اصوات الرصاص ولا يرون الهدفلندن 'القدس العربي': من الغرابة بمكان، ولم يعد هناك غرابة في المشهد السوري ان تكون 'سامع - عيان' بدلا من 'شاهد عيان' على القتال الدائر منذ عامين وحصد حتى الآن اكثر من 70 الف روح. في وسط العاصمة السورية دمشق، يسمع السكان اصوات الانفجارات والطائرات التي تحوم فوقهم، ولا يعرفون الاهداف التي تضربها ومن قتل او جرح او شرد جراءها. هذا الوضع اصبح عاديا عند الدمشقيين اي ان 'تسمع ولا ترى' مع ان الكثيرين من اهالي العاصمة ليسوا منفصلين عما يحدث في الضواحي فمن ليس له قريب في هذه المناطق التي تقصف لديه صديق او معرفة. هذا ما يقوله جوناثان ستيل مراسل صحيفة 'الغارديان' في تقرير مطول له من العاصمة السورية، حيث رصد فيه الوضع المتغير بشكل دائم، ففي زيارته التي قام بها في شهر آب (اغسطس) العام الماضي لم تكن المدافع فوق جبل قاسيون تعمل بقوة عملها اليوم، ففي العشرة ايام التي قضاها في دمشق هذا الشهر كانت المدافع تطلق اعيرتها عدة مرات في الساعة، وفي اثناء الليل ظل ازيزها يتردد بقوة. ويضيف ان الاصوات قد تصدر من المدافع الرشاشة او البنادق. وصوتها يثير الرعب حيث يتردد صوتها في المناطق المأهولة بشكل لا يعرف ان كانت تطلق من على بعد امتار او اميال، وقد استمع لاصوات المعارك اثناء زيارة له لصديق في الحي المسيحي (القصاع) الذي لا يبعد كثيرا عن منطقة جوبر، وعرف بعد ذلك ان سبب الصوت كانت معركة بين القوات الحكومية والمقاتلين الذين كانوا يحاولون السيطرة على ساحة العباسيين التي نصب فيها الجيش المدافع والرشاشات ويحاول جاهدا ان لا تقع في يد المعارضة. تشوشت الحياة وفي هذه الاجواء فقد دمرت الحرب الحياة اليومية لاهالي دمشق خاصة في وسطها الذين لا تزال المعارك بعيدة عنهم ولا يزالون في مأمن منها. في المركز مظاهر حرب تثير الخوف، وتتمثل بنقاط التفتيش الدائمة والمتنقلة التي يقيمها الجيش بدون انذار لفحص الهويات، فيما اغلقت كل الشوارع التي تقود الى المباني الحكومي مما يؤدي الى اختناقات مرورية دائمة وتعرقل الحركة اليومية. ويضاف الى هذه الهموم الكفاح اليومي لتأمين الخبز والطعام، فسبب تراجع انتاج القمح الى 40 بالمئة، فهناك نقص حاد في الطحين، مما يعني طوابير طويلة امام المخابز، وهناك ايضا طوابير السيارات امام محطات الوقود حيث ينتظر السائقون ما بين 3- 4 ساعات الا في حالة دفعوا ثمنا مضاعفا لصفيحة السولار. كما اغلقت شركة 'بوتان' للغاز لعدم وجود الديزل. وفي هذه الاجواء الحانقة لم تتوقف عمليات الاعتقال والتحقيق. ونقل عن صديق له قوله عن رجل لا علاقة له بالسياسة ومع ذلك اعتقل منذ شهرين لان واحدا من اصدقائه الكثر على فيسبوك وضع صورة دبابة سورية على موقعه. ويحاول والده معرفة مكان اعتقاله حيث يطارد ما بين مراكز الشرطة والمخابرات. وينقل الكاتب صورة عن الوضع الهزلي في دمشق والمدى الذي ذهب فيه الجنود للبحث عن مبررات وذرائع للتحقيق، فقد نقل عن صديق له قوله انه كان يقود سيارته مع ابنه عندما اوقف عند نقطة تفتيش حيث نظر الجندي من الشباك وسأل الابن ان كان والده يملك بندقية مثل بندقيته اي الجندي. وعندما ضحك الاب على ما اعتقد انه 'مزاح' صرخ الجندي به طالبا منه السكوت وطلب الجواب من الابن. ينشغل الجنود بهذه الاسئلة في الوقت الذي انتشرت فيه عصابات الاجرام وزادت معدلات الاختطاف وانهار الامان الاجتماعي. الفقراء للمخيمات والاغنياء لبيروت في الوقت الذي هرب فيه ابناء القرى المحافظة والتي بدأت فيها الانتفاضة ضد الاسد هربوا الى المخيمات في الاردنوتركيا، تقضي الطبقة العلمانية من دمشق وقتها في لبنان، حيث يدير بعض من نظم التظاهرات مواقع على الانترنت اما الاخرون فيعيشون في الظل على امل ان يتغير الوضع. ويتساءل عدد ممن قابلهم ستيل عن السبب الذي دفعهم للخروج الى لبنان، وقال متظاهر سابق ان خروج المتظاهرين من ذوي التوجه العلماني امر سيىء لان من بقي في العاصمة هم من اصحاب النظرة الضيقة. ولاحظ رجل اعمال بنوع السخرية ان حزب البعث كان في بداية ظهوره يحمل رؤية اشتراكية اجتماعية تحمي الطبقات المعدمة، والساخر في الامر، ان الحزب نفسه او نظامه يقصف الفقراء والفلاحين ويهجرهم من بيوتهم اما الاغنياء والرأسماليون فيعيشون بأمن في العاصمة. يهرب الديمقراطيون من بين عدد من الاشخاص الذين التقاهم لم يجد الرسام يوسف عبدلكي حرجا من ان يذكر الكاتب اسمه الحقيقي، حيث عاد الرسام لسورية عام 2008 بعد حياة في المنفى، ورسم صورة عبر فيها عن حزنه من فراغ سورية من دعاة الديمقراطيين، لان خروجهم يترك البلاد للنظام والسلفيين، مشيرا ان هناك مخاطرة في البقاء هنا ولكن الذهاب لبيروت يعرض سورية للخطر. ويضيف ستيل ان اي حديث يقطعه دائما صوت القصف والتفجيرات والبؤس الذي تسببه في محاولة النظام الحفاظ على 'دمشق المدينة' المنطقة التي تقع داخل الطريق الدائري وفيها يعيش داعمو النظام ومؤسسات الدولة. اما خارج دمشق، ففي الشرق، سيطر المقاتلون على منطقة البساتين التي توسع فيها البناء العشوائي في العقود الماضية، والى الجنوب فالمقاتلون سيطروا على داريا ويقاتلون في مخيم اليرموك. انواع العقاب الجماعي وينقل التقرير عن مسؤول حكومي سابق سأل الجيش عن سبب قصفه هذه المناطق، فكان الجواب انه من اجل تعزيز معنويات الجنود وحمايتهم من الدخول راجلين الى هذه المناطق، وعندما تساءل المسؤول الذي شغل منصبا بارزا سابقا 'اليس هذا عقابا جماعيا' لم يردوا عليه. ولكن العقاب الذي يتلقاه السكان من الجيش على نوعين، خفيف وشديد، فالخفيف وصفه له احد سكان حي القدسية في شمال غرب العاصمة، والذي شهد مظاهرات ضد الاسد في بداية الانتفاضة. ووصف ساكن الحي ما حدث في آب ( اغسطس) العام الماضي عندما قام الجيش بالقصف في الساعة الخامسة صباحا، حيث تساقطت القنابل والقذائف من حي العرين العلوي، وبعد ساعة وصل الجنود والشبيحة وانذروا السكان ان معهم ساعة واحدة للمغادرة ومن يبقى في الحي سيقتل حيث هرب الناس على الاقدام او في السيارات. وبحسب نجل الرجل الذي بقي عند عائلة درزية فقد استباح الجنود والشبيحة الحي مدة لثلاثة ايام، حيث كسروا الابواب والمحلات وسرقوا اجهزة التلفاز والادوات الالكترونية، وقاموا بحرث البنايات واعدموا عددا من الاشخاص. بعد النهب والسرقة عاد اهالي الحي او معظمهم ليبنوا حياتهم من جديد لكن الرسالة كانت واضحة، ان من يريد التظاهر عليه التوقف ومن يدخل مقاتلا الى بيته فسيعاقب، وهو نفس الدرس الذي تعلمه اهالي حي الميدان والمزة القديمة حيث الح السكان على المقاتلين فيما بعد ان يبتعدوا عن احيائهم كي يجنبوها الدمار الشامل. عقاب مناطق المقاتلين في الضواحي، واحياء من مثل جوبر وداريا وحرستا والقابون ودوما فالسكان هنا لا خيار لديهم حيث يتواجد المقاتلون ولهذا ترد الحكومة عليهم بوابل من القذائف التي يسمع صداها في كل وسط دمشق. ويعلق ستيل ان الاستراتيجية وان كانت عقابا جماعيا الا انها محاولة لمنع السكان من العودة للاحياء تحت حماية المقاتلين بشكل تجعلهم قادرين على الاعلان عنها كمناطق محررة. ويشير التقرير الى ان اخر حي يتعرض لهذا النوع من العقاب الجماعي المنطقة الصناعية عدرا ' شمال شرق دمشق، وهي غابة من المساكن الغير مكتملة والبنايات الضخمة وقد هرب اليها اكثر من 100 الف ممن شردتهم الحرب لكن الحرب لاحقتهم مرة اخرى. فلان القرية الاصلية والتي يعيش فيها 20 الفا، تقع عند قاعدة جوية، بدأ المقاتلون باستهدافها وبدأت الحكومة بقصف المكان. مما اضطر اكثر من الفي عائلة على الهروب الى المنطقة الصناعية هذه حيث ساعد عاملون في الهلال الاحمر السوري المشردين على السكن في مدارس هناك ويخشون من تعرضهم للقصف مع ان غالبيتهم من النساء والاطفال. من سينتصر؟ ويتساءل ستيل في نهاية تقريره عن نتيجة المعركة، فعلى الرغم من الانجازات التي حققها المقاتلون في شمال شرق البلاد الا ان الحكومة تسيطر على المدن الاستراتيجية المهمة مثل حمص ودمشق التي لم يتقدم فيها المقاتلون خلال الستة الاشهر الماضية، ويقول ان الاعلام الاجنبي ومواقع الانترنت تخلق صورة كاذبة عندما يقولون ان 'الحرب تصل الى وسط دمشق' وان 'المقاتلين يقتربون من العاصمة' وهي تعبيرات تخلق حسا من ان النظام على حافة الانهيار، وحتى لو سقطت حلب فلن يكون هذا ضربة قوية للنظام. ويشير التقرير انه على الرغم من الانشقاقات الكثيرة التي حصلت في داخل الجيش ومن الرتب الدنيا وقلة من اصحاب الرتب العالية الا ان الجيش لم يتعرض لضربة معنوية كبيرة، فنسبة 60 بالمئة من جنوده هم من العلويين الموالين للنظام. ويضيف ان الصحافيين الاجانب لا يسمح لهم بالتعرف على وضع الجيش او مرافقته ولكن صحافيين لبنانيين رافقوا الجيش في قواعده او عملياته قالوا ان ولاء الجنود صلب للنظام. ومع ان الكثير من الجنود قتلوا الا ان هذا زاد من عزيمة رفاقهم على الثأر لهم ممن تصفهم الدولة بالجهاديين. ولا تزال الحكومة تدفع رواتب الجنود وكذا الموظفين والاساتذة والاطباء حيث تصلهم رواتبهم دون تأخر، كما توفر الحكومة السكر والارز باسعار مدعومة. لا نستطيع انهاء الحرب ويبدو خيار المفاوضات واقعيا في ظل نقص السلاح الذي يقول المقاتلون انهم لا يستطيعون بدونه انهاء الحرب. ويقول القادة الذين توقعوا تدفقا للسلاح من الخارج ونصرا قريبا على النظام ان ما يملكونه من السلاح لا يكفي الا لحرب استنزاف طويلة الامد، كل هذا على الرغم من الانجازات التي حققوها ونقاط التفتيش والقواعد العسكرية الصغيرة التي سيطروا عليها. ونقل عن نبيل امير، المتحدث باسم المجلس العسكري لدمشق قوله انه لا توجد نهاية عملية وسريعة للازمة. ويلقي القادة في المعارضة اللوم في بطء تدفق الاسلحة على امريكا التي يقولون انها تمارس ضغوطا على دول الخليج كي تخفف من دعمها للمقاتلين. وتقول صحيفة 'لوس انجليس تايمز' ان المقاتلين في المعارضة المنقسمة اعتقدوا ان وعود التسليح جاءت لتشجيعهم على الاتحاد، حيث اجتمعوا بدعم قطري وسعودي في كانون الاول (ديسمبر) من كل انحاء سوري واعلنوا عن المجلس العسكري الاعلى. ونقلت عن عضو في المجلس وهو العقيد قاسم سعد الدين انهم تلقوا وعودا حالة اتحادهم تحت مظلة واحدة فسيتلقون الرواتب والاسلحة الثقيلة اضافة الى الاعتراف بهم، ولكنهم لم يحصلوا على شيء. ومن هنا فالمقاتلون يعانون من تردد الغرب الخائف من صعود الاسلاميين ووصول اسلحة الغرب الى الجهاديين الاكثر مراسا وعتادا في المعارك. ويقول التقرير ان شحنات من الاسلحة الخفيفة وصلت عبر تركيا الى شمال سورية ساعدت المقاتلين على تدمير دبابات الجيش والسيطرة على مناطق واسعة من حلب وادلب، وقد تم شراء الاسلحة من السوق السوداء من تركيا والعراق.