ذات يوم من صيف عام 1982، بدأت قصة حب عليا (جوي كرم) وعامر (شادي تينة). فتاة تصل مع أهلها إلى ضيعة آمنة يحميها رجالها في زمن الاجتياح الاسرائيلي للبنان. يومها يدعوها الجيران للاحتفال بعيد ميلاد عامر الشاب الوسيم الذي سيصبح كاهنا، يرقصان معا، ويغرقان في حب من أول نظرة. فيلم "تنورة ماكسي" (Heels of War) يجسد ثلاث قصص حب محرمة، كل ثنائي منها يعيش لحظات متعة خيالية حتى الرعشة. "نعم هي قصص حب شبه محرمة"، قال مخرج الفيلم جو بوعيد لموقع "راديو سوا" إثر عرض فيلمه ضمن مهرجان السينما العربية (Arabian Sights) في العاصمة الأميركية واشنطن. وأضاف "القصة الأساسية هي بين البطلة عليا التي تأتي وتجتاح هذه الضيعة وعامر الذي يستعد ليصبح كاهنا. أما القصتان الأخريان فإحداهما تجسد حبا مستحيلا بين شاب وفتاة معوقين، والثانية هي قصة حب مادية، الجنس فيها هو المحرك لاستمرارها". العشق والخطيئة غير أن قصة حب عليا وعامر تتفاعل من خلال الألوان والأماكن، ويهيمن اللون الأحمر على عليا من أحمر الشفاه المثير، وصولا إلى الكعب العالي مرورا بالفستان الأحمر، والأحمر أيضا كان جليا في البيت والدير والكنيسة وفي الأيقونات. "إنه رمز للعشق والخطيئة والحرب والموت"، قال بوعيد. عليا وعامر لا يتكلمان مع بعضهما بعضا، إلا بسحر العينين وجاذبية الجسد. لكن بوعيد وضعهما خلال مشاهد الفيلم في إطار فرِح، متأثرا بالسينما الإيطالية الواقعية الجديدة (Italian Neorealism) وبأسلوب السينما الفرنسية في ستينيات القرن الماضي. واستطاع بوعيد الجمع بين المدرستين، ساعدته في ذلك طبيعة القرية التي كانت مسرحا لهذا الحب، والتي تشبه إلى حد بعيد قرى الجنوب الفرنسي وهضاب الجنوب الإيطالي. ورغم أن بوعيد أراد تجربة أسلوبه الخاص بالإخراج، على ما قال، إلا أن انعكاس الأسلوب الإيطالي لاسيما حقبتي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي كان جليا من خلال اختيار الممثلين الجذابين واختيار الأزياء، "أنا أنتمي إلى هذه السينما وتأثُري بها واضح في الفيلم". وكما أعمال فيديريكو فيلليني، مزج بوعيد أحداث "تنورة ماكسي" لاسيما تلك التي تدور في أماكن العبادة من دير وكنيسة بين الخيال وأسلوب "الباروك" (Baroque) المبالغ به في التصوير. وقال "يحمل الفيلم عدة رسائل تتمحور حول الحب: الأولى هي النضج في الحب إلى درجة التغيير في الواقع فيعيش كل منا حياته. والثانية هي أن الأحلام غالبا ما تترجم إلى حقيقة. والثالثة هي الاضطهاد في الحب". وأصاف بوعيد "الحب بالنسبة لي عبادة أيضا". واقع يلامس الخيال وفيلم "تنورة ماكسي" هو انعكاس لقصة حب حقيقة بطلاها كانا منذ 30 سنة والدي بوعيد، وهو أخذ قصة حبهما وسردها بحداثة، قائلا "أردت أن تكون القصة جميلة بعيدة عن الواقع لتلامس الخيال"، لاسيما في مشاهد ممارسة الحب التي يصل بعضها إلى الفجور. عن هذا قال بوعيد "يومها كان لبنان يعيش في خضم حرب، والناس فيه يخشون الموت وليس ممارسة الجنس". مشاهد الحب في أماكن العبادة وممارسات رجال الميليشيات في الفيلم، أثارت الكثير من الجدل حوله، ما أجبر بوعيد على وضع فيلتر على بعض المشاهد التي تم تصويرها في دور العبادة لتصبح أقل وضوحا، فتنجو من مقص الرقابة في لبنان. الحرية المطلقة والجدل الذي حصل في لبنان حول الفيلم، أعاد إثارة معضلة العلاقة بين حرية التعبير والمقدس. برأي بوعيد "لا يمكن وضع حواجز أمام الحرية، لأنها تصبح حرية مشروطة أو جزءا من الحرية". وأضاف "أنا أؤمن بالحرية المطلقة". وانتقد بوعيد مبدأ الرقابة، قائلا "في الفن أسوأ ما نفعله هو قمع الأفكار"، مشيرا إلى أن الرقابة تمنع التعبير عن الحقيقة. وشدد بوعيد على "أننا في لبنان مختبئون وراء شعار يقول إننا بلد متحرر ومنفتح، ولكن عند الجد نحن لا نؤمن بحرية التعبير". الحرية بالنسبة لبوعيد كالهواء الذي يتنشقه، أساسية للحياة، مضيفا بنبرة عالية "ردة الفعل على الفيلم إدانة لي وتشكيك بإيماني من أناس لم يشاهدوا الفيلم. لقد حكموا على عمل كلف خمس سنوات من الجهد من دون رؤيته، حتى أنهم لم يعملوا قراءة صحيحة له". ويذهب بوعيد إلى أبعد من ذلك، ليدافع عن فيلمه ويسأل "هل الله يريد من يدافع عنه أحد؟ برأيي إن الذي يشكك في الدين هو من يتوصل إلى إيمان حقيقي"، مشددا على ضرورة السعي إلى التطور الاجتماعي. وقال بوعيد "إن التطور والانفتاح في بلد ما لا يقاسان بالزحمة أمام الملاهي الليلية". خلال 95 دقيقة، نجح بوعيد في فيلمه الطويل الأول "تنورة ماكسي"، في أن يشد انتباه الجمهور إلى قصته التي رواها طفل صغير هو لسان حاله، غير أنه كان منحازا بعض الشيء إلى والديه. فالممثلان جوي كرم وشادي تينة اللذان أديا شخصية والدي بوعيد كانا جذابين كثيرا، إلى درجة أن كاميرا المخرج أحبتهما فسمرت عيون الجمهور على قصة حبهما الشيقة. عن ذلك، قال بوعيد "والدي جميل الروح، وهو في شبابه كان وسيما. لم يلتحق بسلك الكهنوت هربا من الحياة"، مضيفا "تقصدت أن أجعل من والدي نجمي سينما، لأني أردت أن يرى الجمهور وسامتهما الواضحة خصوصا أني أردتهما أن يستعملا لغة الجسد بدلا من الكلمات".