إذا أردنا تجسيد الأم قاسية القلب فلن نجد سوى الفنانة المسرحية القديرة دولت أبيض، الارستقراطية المتسلطة التي تذيق أبناءها سوء العذاب بما تتميز به من ملامح أوروبية ورثتها عن والدتها الأجنبية ووالدها ذو الأصول اللبنانية رشحتها وبجدارة لأداء هذا الدور بالمسرح والسينما كما في «المراهقات» مع ماجدة، «غرام الأسياد» مع أحمد مظهر، «موعد مع السعادة» مع فاتن حمامة. وبمحافظة أسيوط ولدت دولت حبيب بطرس قصبجي في 29 يناير عام 1894، وانتقلت وهي طفلة مع أبيها إلى الخرطوم حيث تلقت تعليمها بمدرسة الراهبات الفرنسية، وهناك نشأ حبها للمسرح الأوروبي والنهضة الحديثة للفنون المسرحية، فعشقت المسرح حتى الثمالة ولكنها مع ذلك لم تتخيل أن تكون أحد أركانه في يوم ما. وفي حفل زفاف ابنة خالتها على أحد أقارب الفنان عزيز عيد، لفت نظره تلك الفتاة الرقيقة ذات الروح الشرقية والملامح الغربية فأقنع أسرتها على انضمامها لفرقته المسرحية وبعد عدة أعمال انضمت إلى فرقة نجيب الريحاني لعدة عروض أخرى، حتى التقت بشريك عمرها الفنان جورج أبيض الذي ضمها إلى فرقته لتقدم دورًا من أكثر أعمالها تميزًا في مسرحية «أوديب ملكًا» وهو الدور الذي فتح لها الباب واسعًا لأدوار الارستقراطية المتسلطة. وفي عام 1923 تزوج دولت من جورج أبيض وحملت هي اسمه بعد ذلك وكونا ثنائيًا فنيًا وأسريًا، وبعد نجاحهما قررا بناء سينما «الهونولو» بجوار منزلهم في حدائق القبة، وأصبحت من أشهر الدور في مصر وقدمت عبر شاشتها أعظم أفلام الأربعينيات والخمسينيات إلى أن احترقت ضمن أحداث حريق القاهرة، التي سبقت ثورة يوليو 1952، ودمرت تدميرًا كاملًا، كما أحدث هذا الحريق جرحًا كبيرًا بجسد دولت ظلت تذكره حتى آخر يوم بحياتها. الفنانة القديرة أشهرت وزوجها إسلامهما عام 1953 وكذلك ابنتاها سعاد من جورج وايفون ابنة من زوج سابق لها، كان قد اقترن بها وهي صغيرة في السن قبل أن ينفصلا وتتجه هي إلى المسرح، واهتمت في أواخر أيامها بتربية أحفادها من ابنتيها سعاد وايفون، كما كانت تقضي معظم أوقاتها في القراءة والاستماع إلى القرآن الكريم كما قالت في آخر حديث إذاعي لها قبل الرحيل في 4 يناير عام 1978.
