القاهرة - وكالات: انسحبت الشرطة المصرية الجمعة من مقر ومحيط مديرية أمن بورسعيد حيث تدور اشتباكات دامية منذ ستة أيام وسلمته للجيش في محاولة لتهدئة الغضب المتصاعد لسكان المدينة المطلة على قناة السويس، شمال شرق مصر. وقال مسؤول صحي إن شخصين توفيا أمس متأثرين بإصاباتهما في اشتباكات المحتجّين والشرطة التي اندلعت يوم الأحد واستمرّت على نحو متقطع حتى أمس بمدينة بورسعيد الساحلية المصرية. وناشد قائد قوة تأمين المحافظة، اللواء عادل الغضبان، الأهالي والمحتجين عدم التجمع في محيط المديرية وقال وكيل وزارة الصحة في بورسعيد حلمي العفني إن كريم عطعوط (33 عامًا) توفي في المستشفى الجامعي بمدينة الإسماعيلية القريبة وكان يُعالج من إصابة بطلق ناري في الرأس. وأضاف: توفي أحمد عبدالحميد مهنا (23 عامًا) في المستشفى الجامعي بمدينة الزقازيق القريبة وكان يُعالج منذ ثلاثة أيام من إصابة بطلق ناري في الرأس أيضا. ونقل عطوط إلى الإسماعيلية بعد إصابته في الاشتباكات أمس الأول الخميس. وأظهرت لقطات بثتها قناة العربية التلفزيونية شبّانًا يرتدون أقنعة طبية وأوشحة يرشقون الشرطة بالحجارة ويُشيرون بإشارات بذيئة لصف من ضباط الشرطة التي أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع. وقال حلمي العفني المسؤول في وزارة الصحة في بورسعيد لرويترز الليلة الماضية "مات كريم عطعوط (33 عامًا) بطلقة في الرأس بعد أن فشلت محاولات الأطباء لإسعافه. وقالت أجهزة الأمن في بورسعيد لرويترز إنها عززت الحراسة على سجن المدينة ومكاتب هيئة قناة السويس قبل حكم المحكمة الذي سيصدر اليوم السبت والمتوقع أن يؤكد إعدام 21 متهمًا من بين 73. والسجن هو العقوبة الأقصى لباقي المتهمين إذا أدينوا. ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط الحكومية عن الضباط الممتنعين عن العمل قولهم إنهم لا يريدون استمرار الزج بهم في الأزمة السياسية في البلاد. وفيما بدا وسيلة لنزع فتيل العنف، اعلنت وزارة الداخلية في بيان انه "فى ظل ما تشهده مدينة بورسعيد من أحداث إستمرت معها أعمال التعدي على القوات (الشرطية) والمنشآت وحرصا من الوزارة على تخفيف حالة الإحتقان وما يسفر عنها من أعمال عنف، تقرّر إسناد مهام تأمين مديرية أمن بورسعيد للقوات المسلحة التى تولت حمايتها". وانسحبت الشرطة بالفعل منذ الصباح من محيط مديرية الامن في بورسعيد مفسحة المجال لمدرعات الجيش لتامين المنطقة التي تعد مسرح الاشتباكات،. واغلقت كل اقسام الشرطة الخمسة في بورسعيد ابوابها وانسحب رجال الشرطة من الشوارع ولزموا مكاتبهم. وقال مأمور قسم حي المناخ في بورسعيد ممدوح الحرتي "اغلقنا الابواب لأننا لا نُريد ان نتسبب في اثارة أي مشاكل مع المواطنين، هذه رغبة المواطنين ونحن ننفذها" في إشارة الى مطالبة أهالي المدينة بسحب الشرطة منها. وقال النقيب يوسف ناصف "انسحابنا من الشوارع في بورسعيد مبادرة فردية منا ولم ناخذ اوامر بها من احد" بينما أكد العقيد حسن مصطفى مامور قسم الزهور "نحن متوقفون عن العمل لأجل غير مسمي لأننا نرفض أن نتحمّل أخطاء الحكومة التي تدفع بنا في العمل السياسي". وأضاف بغضب وحزم "نحن لا علاقة لنا بالعمل السياسي، المجتمع كله ضدنا... ليس لنا حق الدفاع عن أنفسنا، فيما يسمون المتظاهرين بالشهداء". وتابع منتقدًا وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم "لا يوجد وزير داخلية في مصر ولا يوجد دولة من الأساس". وقال ضابط في الجيش طلب عدم ذكر اسمه "صدرت لنا أوامر لنحل محل الشرطة بعد أن أخلت مواقعها لنا". ورحّب الأهالي بانتشار الجيش وأخذوا يقبلون الضباط والجنود ويلتقطون الصور فوق المدرعات ويهتفون "الجيش والشعب ايد واحدة". وقتل متظاهر مساء الخميس في المواجهات المستمرة مع الشرطة منذ الاحد الماضي وتوفي اخر صباح الجمعة متأثرا بجروح اصيب بها قبل ايام لترتفع حصيلة هذه الصدامات الى ثمانية قتلى، من بينهم ثلاثة من رجال الشرطة. وكانت المواجهات اندلعت عقب نقل المتهمين في قضية "مذبحة بورسعيد" من سجن بورسعيد الى سجن آخر بعيد عن المدينة. وقال إبراهيم عطعوط عم القتيل كريم سيد عبدالعزيز عطعوط لفرانس برس ان جنازة شعبية ستنظم لكريم في بورسعيد الجمعة. ومن المقرّر ان تصدر محكمة جنايات مصرية حكمها اليوم في هذه القضية التي تشمل أكثر من 70 مشخصا متهمين بالتورّط في قتل 72 من مشجعي النادي الأهلي اثر مبارة لكرة القدم بين فريقي الاهلي والمصري البورسعيدي في استاد بورسعيد. وقررت المحكمة في 26 /يناير الماضي احالة اوراق 21 متهما كلهم من أهالي بورسعيد الى المفتي ما يعني حكمًا بالإعدام عليهم ما أشعل انذاك مواجهات أوقعت أكثر من 40 قتيلاً في المدينة. وطبقًا للقانون المصري يؤخذ رأي مفتي الجمهورية قبل النطق بأحكام الإعدام. وجرى العرف على ان يوافق المفتي على احكام المحاكم. إلاّ انه بسبب حساسية قضية "مذبحة بورسعيد"، اعلنت دار الافتاء المصرية في بيان الخميس ان المفتي الجديد شوقي عبدالكريم، الذي تولى مهام منصبه قبل بضعة ايام، لم يتمكن بعد من دراسة ملف القضية وبالتالي فانه يصعب عليه إبداء الرأي فيها قبل جلسة المحكمة السبت، ما يرجح ارجاء النطق بالحكم في القضية. وأصدرت رابطة مشجعي الاهلي المعروفة ب "التراس أهلاوي" بيانًا الخميس نشرته على صفحتها على فيسبوك حذرت فيه من أن أي "محاولات لتأجيل الحكم" ستعتبر "تلاعبًا" وتهرّبًا من القصاص و"الردّ سيكون هو الفوضى العاركة المدمّرة لكل شيء وأي شيء". وأكدت م. يخشى الأهالي في بورسعيد من ان يشهد السبت أحداث عنف واسعة يُراق فيها مزيد من الدماء. وقال البدري فرغلي، النائب البرلماني السابق عن المدينة لفرانس برس "ما سيحدث يوم السبت يتوقف على منطوق الحكم وأرى أنه من الأفضل تأجيل الحكم وإلاّ مصر ستشتعل سواء هنا أو هناك"، وأضاف "الشيء المرعب والمخيف هو عندما يفقد الناس الحق قي التظاهر والاحتجاج ثم يجد ان العصيان لم يعد له قيمة.. فالتطرّف يكون سيد الموقف.. وهذا ما نخشاه". ويتزامن انسحاب الشرطة من بورسعيد مع تظاهرات لرجال الشرطة في مدن مصرية عدّة أبرزها في مدن القناة الثلاث. ورفضت تشكيلات من قوات الأمن المركزي في مدينة الإسماعيلية التوجّه لمدينة بورسعيد للمشاركة في حفظ الأمن خشية التورّط في مواجهات مع الأهالي، بحسب مصادر أمنية. وتواصل إضراب الشرطة في عدّة محافظات مصرية لليوم الثاني على التوالي خصوصًا في القاهرة وجنوب سيناء والإسكندرية حيث رفع رجال الشرطة لافتة كتب عليها "لا لتسييس وزارة الداخلية". ويقول رجال الشرطة إنهم غير مجهّزين لمواجهة عنف المتظاهرين وإنهم يدفعون ثمن الأخطاء السياسية للحكومة. ونظمت تظاهرات مناهضة للرئيس المصري محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها عقب صلاة الجمعة في عدّة مدن مصرية من بينها المنصورة والإسكندرية والمحلة. وفي القاهرة وقعت اشتباكات بين عشرات المتظاهرين وقوات الأمن على كورنيش النيل بالقرب من ميدان التحرير وأطلقت الشرطة قنابل مسيلة للدموع لتفريق المحتجين الذين كانوا يلقون الحجارة.