تصعيد المقاومة المسلحة في غزةحرص بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل على التأكيد، وطوال الاعوام الاربعة الماضية، على ان ايران هي الخطر الاكبر على المنطقة والعالم ولهذا يجب التصدي لها وانهاء طموحاتها النووية، واي قضية اخرى، والفلسطينية خاصة، يجب ان تؤجل باعتبارها ثانوية واقل خطرا. من المؤسف ان نتنياهو نجح في استراتيجيته هذه، وحول انظار العالم الى ايران، وساعدته في ذلك حكومات عربية، وسلطة فلسطينية خاملة مستكينة بات كل همها توفير الاموال اللازمة لتسديد رواتب 160 الفا من موظفيها. اربع سنوات ونتنياهو يقرع نواقيس الخطر الايراني ويواصل بناء المستوطنات في القدسالمحتلة ومحيطها الجغرافي، مطمئنا الى غياب اي رد فعل قوي سواء من الحكومات العربية او السلطة الفلسطينية، ومعتمدا على ضعف ادارة الرئيس باراك اوباما وتجنبها الاقدام على اي خطوة يمكن ان تثير اللوبي اليهودي ضدها في فترة ما قبل الانتخابات الرئاسية الامريكية. اقدام خلية مسلحة تابعة للجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على اطلاق صاروخ مضاد للدروع على ناقلة جنود اسرائيلية تقوم باعمال الدورية على الحدود مع قطاع غزة، واصابة اربعة من جنودها، اثنان منهم في حالة خطرة، هذا الاقدام اصاب الاسرائيليين بحالة من الرعب. الرعب لان من نفذ هذه العملية هو اليسار الفلسطيني القومي، ولان الصاروخ المستخدم كان سلاحا نوعيا متطورا والاهم من ذلك هو وجود جهات فلسطينية قادرة على تحدي نتنياهو في وقت يؤكد الرئيس محمود عباس ليل نهار بان الكفاح المسلح ممنوع منعا مطلقا، وانه اي عباس، لن يسمح بقيام انتفاضة ثالثة في الجزء الصغير من الضفة الغربية الخاضع شكليا لسلطته. اسرائيل ارسلت طائراتها لقصف قطاع غزة، وقتل ستة من ابنائه، الامر الذي دفع حركات المقاومة الى اطلاق عدة صواريخ على مدن اسدود وعسقلان وغيرهما، من بينها صواريخ غراد الروسية الصنع. الفلسطينيون يهاجمون دورية عسكرية للجيش الاسرائيلي، فترد اسرائيل بقصف المدنيين، الامر الذي يكشف الفارق الاخلاقي بين الجانبين. حيث يدعي الاسرائيليون انهم الجانب الاكثر تحضرا وديمقراطية في وجه 'الهمجية' العربية. نتنياهو قال انه مستعد للتصعيد، ولمح الى احتمال ارسال دباباته الى قطاع غزة، والفلسطينيون في المقابل لا يأبهون بهذه التهديدات، ويؤكدون ان المواجهة هذه المرة قد تكون مختلفة كليا، بعد ان حصلوا على اسلحة من بقايا النظام الليبي السابق جرى تهريبها عبر صحراء سيناء. الانطباع السائد ان حركة 'حماس' التي تحكم قطاع غزة لا تريد غزوا جديدا للقطاع، ولكن هناك فصائل اخرى، اسلامية متشددة بالدرجة الاولى وقومية يسارية بالدرجة الثانية (الجبهتان الشعبية والديمقراطية)، ترى ان حالة الهدنة السائدة في القطاع تخدم نتنياهو والتحالف اليميني الداعم له، خاصة مع اقتراب الانتخابات البرلمانية في مطلع العام الجديد. المعلومات القادمة من القطاع تقول عكس ذلك، فحماس باتت محرجة امام الفصائل الاخرى الاسلامية الاكثر تشددا، لان شعبيتها بدأت تتراجع لتحولها الى حكومة اولا، وصعوبة الاوضاع المعيشية لاكثر من مليوني فلسطيني يعيشون تحت حكمها بسبب الحصار ونقص الاموال، وتسلل بعض فيروسات الفساد الى سلطتها وان بشكل محدود. التصعيد في قطاع غزة يحرج ايضا الرئيس محمود عباس ويقلل من اهمية خطوته بالذهاب الى الاممالمتحدة للحصول على اعتراف بدولة فلسطين كعضو غير كامل العضوية فيها، وهو الاعتراف الذي يتطلع اليه بشغف حتى يقول للشعب الفلسطيني انه حقق 'انجازا' ما في مقابل ملف كبير من الاخفاقات، ابرزها فشل حل الدولتين واتفاق اوسلو الذي جاء لتحقيقه. في قطاع غزة لن يجد نتنياهو فلسطينيا واحدا لا يريد العودة الى قريته او مدينته التي جرى ابعاده منها قسرا، بما في ذلك عناصر تابعة لتنظيم حركة 'فتح' الذي يتزعمه الرئيس عباس. قطاع غزة بمقاومته يعيد القضية الفلسطينية الى الواجهة من جديد وهذا ما لا يريده نتنياهو وباراك اوباما وبعض العرب المشغولين حاليا بتأجيج نيران التحشيد الطائفي، وهو التحشيد الذي جعل من اسرائيل صديقا، او ليس عدوا على اقل تقدير.