| إعداد: د.أحمد سامح | منذ زمن بعيد يحتفل الادباء والشعراء بقدوم فصل الربيع واصفين الاثر النفسي والعاطفي وارتفاع المعنويات وتحسن المزاج في هذا الفصل. واعتبر الادب العربي فصل الربيع زمن ووقت عودة الدفء للعلاقات العاطفية والتخلص من كآبة وحزن وكسل فصل الشتاء. بل لقد بدأت البشرية مبكرة في اكتشاف فصل الربيع على الكائنات الحية والنفس البشرية ففي عهد الفراعنة سجلت أوراق البردي مشاهد الاحتفال بفصل الربيع واعتبروه عيدا للسعادة والحب والدفء والتكاثر والتناسل. وكتب الادب العربي حافلة بأقوال الادباء والشعراء عن تأثير طقس فصل الربيع على النفس البشرية في كافة عصور الثقافة والادب العربي منذ العصر الجاهلي والعصور اللاحقة. الا ان الطب الحديث اثبت هذه الحقائق الطبية في العقود القليلة الماضية وأرجع هذا الى استقرار افراز هرمونات رئيسية معينة في جسم الانسان كذلك اثبت الطب الحديث ان طقس فصل الشتاء بطول ليله وقصر نهاره وغيوم السماء وعتمة المساء في اشهر الشتاء التي تصيب الانسان بالحزن الشتوي والاضطراب العاطفي الموسمي والكآبة الشتوية وزيادة الوزن الموسمية وزيادة النهم للطعام والخمول والبيات الشتوي لجميع الثدييات. ذلك لأن طقس الشتاء هذا يؤدي الى زيادة افراز هرمون الميلاتونين الذي يفرز اثناء الليل وفي العتمة والظلام. ويقل افراز هرمون الميلاتونين في ضياء النهار وسطوع الشمس. وزيادة افراز الميلاتونين واطالة امده يؤدي الى انعدام فاعلية السيروتونين الداعم للمزاج والمحسن للحالة النفسية ويرفع المعنويات ويحد من اشتهاء الطعام. وبقدوم فصل الربيع تزداد ساعات ضوء النهار وتقصر وتقل ساعات الليل وتنقشع العتمة من السماء وتصفو فيقل افراز هرمون الميلاتونين وهذا يؤدي إلى أن يستعيد السيروتونين فاعليته فتتحسن الحالة النفسية وترتفع المعنويات وتعتدل الشهية ويزداد افراز الهرمونات الجنسية من الأعضاء التناسلية في جميع الثدييات ليكون فصل الربيع فصل الخصوبة والحيوية. عزيزي القارئ: نحاول في هذه الدراسة تسجيل بعض ما قدمته البشرية من اكتشافات لأهمية طقس الربيع في تحسين الحالة النفسية والعاطفية والجنسية للإنسان منذ عهد الفراعنة فأطعمة عيد شم النسيم، عيد الربيع مقوية جنسياً وتزيد الخصوبة والحيوية وسنتناول ذلك في الدراسة المقبلة في «الراي كلينك» إن شاء الله. كذلك نحاول الكشف عما أنجزه الأدب والشعر العربي في الكشف ووصف تأثير طقس الربيع على الكائنات الحية والنفس البشرية. عندما يقدم الربيع ويتحسن الطقس وتشرق الشمس مبكراً وتغرب متأخرة وتطول ساعات ضياء النهار وتقصر ساعات ظلمة الليل تتبدل حال كثير من أولئك الأشخاص الذين يعانون من كآبة وحزن الشتاء والاضطراب العاطفي الموسمي والشعور بالإحباط وفقدان الطاقة والحيوية والخمول الجنسي وفتور وبرود مشاعر الحب والشوق والغرام. كذلك يعمل طول أمد الميلاتونين في فصل الشتاء على زيادة أمد الميلاتونين وانعدام السيروتونين الداعم للمزاج والمخفف من النهم واشتهاء الطعام الذي يسبب زيادة الوزن الموسمية في فصل الشتاء. الربيع واعتدال المزاج عندما تزداد ساعات النهار المشرقة بضياء شمس الربيع الساطعة الصافية فإن الميلاتونين الذي يصنعه الجسم ويفرزه من الغدة الصنوبرية التي تقع في وسط المخ وأماكن أخرى بالجسم يتناقص افرازه، وهذا عكس ما يحدث في فصل الشتاء وأشهر العتمة وغيوم السماء وطول ساعات الليل البهيم، فمع بداية الربيع ينقص افراز هرمون الميلاتونين وبذلك يستعيد هرمون السيروتونين فاعليته وتبدأ المعنويات في الارتفاع ويتخلص الإنسان من الحزن والاحباط الشتوي والكآبة الموسمية والاضطراب العاطفي الموسمي وأحاسيس واحباطات أخرى مغايرة تماماً معاناة فصل الشتاء. الربيع واستقرار الهرمونات يرى الكثير من الخبراء والعلماء والباحثين أن استعداد جسم الإنسان لاكتساب الوزن في فصل الشتاء لا يعود كله الى عوامل البرد والحاجة الى اكتساب الدفء بتناول الاطعمة الدسمة والعصائر والمشروبات الساخنة الغنية بالسعرات الحرارية. بل يعود الى تضاؤل ساعات النهار وغيوم السماء وعتمة المساء وطول ساعات الليل. والعلماء تأكدوا ان مثل هكذا طقس يمكن ان يولد في نفوس الكثيرين شعور الكآبة الموسمية والاحباط الذي يرافقهم في اشهر الشتاء حتى نهاية شهر فبراير. اعتدال الشهية في الربيع مع ان الميلاتونين لا ينتج عنه بشكل مباشر زيادة في اشتهاء الطعام الا انه قد يؤثر على مادة كيميائية مهمة اخرى في الدماغ يطلق عليها «السيروتونين» وهذه المادة بطبيعتها داعمة للمزاج وتحد من قوة اشتهاء الطعام. وكما ذكرنا فان ازدياد ساعات النهار مع بداية فصل الربيع ينقص احد الميلاتونين ويزيد من فاعلية السيروتونين فيحد من اشتهاء الطعام ويضعف الشهية. وزيادة افراز هرمون الميلاتونين وانعدام فاعلية السيروتونين ربما كان العامل المؤثر الى زيادة الشهية وزيادة الوزن الموسمية عن فصل الشتاء. ذلك لان الجسم يقوم بانتاج السيروتونين من الاطعمة الغنية بالنشويات كالأرز والبطاطا والمعكرونة. زيادة الوزن الموسمية بسبب طقس الشتاء قصير النهار وطويل الليل تزداد حاجة الانسان الى السيروتونين ليتغلب على الحزن والكآبة والاحباط الموسمي ويظن ان الدماغ يتجاوب مع ذلك عن طريق اطلاق اشارات تنبئ بالحاجة الى المزيد من السكريات والنشويات. ويترجم ذلك عملياً باقبال الناس على تناول النشويات لاسيما الكعك والفطائر والارز والمعكرونة وليس عجيباً بعد ذلك ان يؤدي استمرار الانسان في تناول هذه الاطعمة الى زيادة وزنه. وعندما يأتي الربيع الطلق يختال ضاحكاً فضياؤه واشراقه يقصران الميلاتونين ويستعيد هرمون السيروتونين فاعليته ويستقر مستواه وتقل الشهية للطعام ويتحسن المزاج وترتفع المعنويات. مناخ الجزيرة العربية والتمر سر خصوبة وفحولة العرب طقس الجزيرة العربية يتميز بسطوع الشمس مبكرا او غروبها متأخرة في صيف يدوم أكثر ايام واشهر السنة يسبقه فصل الربيع الذي يبدأ النهار خلاله في ازدياد ساعاته وقصر ساعات الليل وصفاء السماء وخلوها من الغيوم التي تسبب العتمة. ويعمل مثل هكذا طقس على اقلال افراز هرمون الميلاتونين الذي تعززه الغدة الصنوبرية التي تقع في وسط المخ واماكن اخرى من الجسم. وبذلك يزداد افراز الهرمونات الجنسية فتزداد القدرة الجنسية وتقوى الخصوبة ويحدث البلوغ المبكر للفتيان والفتيات. وذلك لان مناخ الجزيرة العربية بشمه الساطعة في فصل الربيع وفصل الصيف ذي الاشهر الطويلة يقلل من افراز الميلاتونين ويزيد من افراز الهرمونات الجنسية. وهذا هو سبب البيات الشتوي والكمون الجنسي في الحيوانات في فصل الشتاء. كذلك فإن طبيعة غذاء اهل الجزيرة العربية يكون التمر سيد الطعام وهو سر فحولة وخصوبة العرب والبلوغ المبكر وزيادة النشاط الجنسي والشهوة الجنسية لاحتوائه على الفيتامينات والمعادن التي تنشط وظيفة الاعصاب والمحطات العصبية. كذلك يحتوي الحمض الأميني «الأرجنين» الذي تتكون منه مادة اسيدالنتريك التي لها دور كبير في زيادة القدرة الجنسية فهي تحمل على توسيع الاوعية الدموية في العضو التناسلي الذكري فتقوي الانتصاب وهي نفس آلية عمل عقار الفياغرا الشهير. طقس الربيع يزيد إفراز الهرمونات الجنسية زيادة ساعات النهار المشرق وقصر ساعات الليل وصحو السماء وانقشاع الغيوم من السماء وغياب عتمة المساء في فصل الربيع يؤدي الى قصر امد الميلاتونين وزيادة فاعلية السيروتونين وزيادة افراز الهرمونات الجنسية. ففي دراسة اجريت في فنلندا حيث تصل ساعات نور النهار وضياء الشمس الى عشرين ساعة وجد ان معدل الانجاب في هذا البلد من اعلى المعدلات في العالم بفعل طول النهار وضوء الشمس ونورها الساطع على مدى عشرين ساعة من الاربع والعشرين ساعة في اليوم. ويرجع العلماء معدل الخصوبة العالية الى الهرمون الذي قد يكون مفاجأة للكثيرين كونه من المثبطات الجنسية «هرمون الميلاتونين» الذي يفرزه الجسم من الغدة الصنوبرية التي تقع في وسط المخ. وهرمون الميلاتونين هو المسؤول عن تنظيم الدورة السركادية في الانسان والحيوان وينخفض مستواه في النهار او عند التعرض للضوء والنور ويزيد افرازه اثناء الليل وفي الظلام وعندما نشور العتمة والغيوم في السماء. ولقد تبين ان زيادة افراز هرمون الميلاتونين تثبط وتضعف نشاط الاعضاء التناسلية الرئيسية مثل الخصية والمبيض لاعطاء الحيوانات فرصة الكمون والبيات الشتوي اثناء هذه الفترة التي لا يوجد فيها اي نوع من النشاط ومازلنا في حاجة الى دراسات اخرى كي نقرر بالفعل التأثير الكامل للميلاتونين على الوظائف المختلفة لاعضاء جسم الانسان منها تأثيره المثبط على القدرة الجنسية.