دمشق: يقبل عبد الرزاق الايوبي (11 عاما) على ممارسة الرياضة وخاصة كرة السلة وكرة الطاولة في مدرسة ركن الدين الرسمية في دمشق، محاولا بذلك التخلص من مشاعر الخوف الذي عرفه في ضاحية المليحة الدمشقية التي تحولت الى ساحة معركة بين القوات النظامية والمقاتلين المعارضين. يقول الولد بخجل "غالبا ما كان الباص المدرسي لا يأتي لاصطحابنا. كانت المدرسة تغلق في فترات متقطعة، او تعلق الدروس فيها بسبب اطلاق الرصاص. لذا قرر اهلي منذ شهرين الانتقال الى هنا ومنذ ذلك الحين تسير الامور في شكل افضل". ويوضح باسم الحاج (30 عاما)، وهو مدير مدرسة "ست الشام" التي سميت باسم شقيقة البطل التاريخي صلاح الدين الايوبي، ان المدرسة خصصت حصصا يومية اختيارية لمدة ساعتين، للتخفيف عن التلامذة القلقين. اضاف "تستقبل مدرستنا 750 تلميذا، 200 منهم يأتون من الاحياء او الضواحي التي تشهد اضطرابات. عرفوا في سنهم الصغيرة هذه ظروفا صعبة، لذا اقترح على التلامذة ان يزاولوا الرياضة او يعزفوا الموسيقى او يهتموا بالحدائق". يدرب استاذ التربية البدنية مأمون العلي التلاميذ مرتين في الاسبوع على كرة القدم وكرة السلة والبادمنتون (الريشة) وكرة الطاولة. لكن الجميع يتوقفون عن اللعب كلما سمعوا هدير طائرة مقاتلة. يطوون اصابعهم ليصنعوا منها منظارا على اعينهم لمتابعتها. ثم يعود كل منهم الى لعبته. يقول العلي "لا يمكنكم ان تتخيلوا الى اي حد تفيدهم الرياضة. هؤلاء لم يعرفوا يوما الحرب، وفجأة باتوا يسمعون اصوات اطلاق الرصاص والقصف وعبور الطائرات المقاتلة في الاجواء. بعضهم كان متوترا جدا في البداية، لكنهم باتوا اكثر هدوءا اليوم". وانطلقت في سوريا منذ منتصف آذار (مارس) 2011 احتجاجات شعبية مطالبة باسقاط نظام الرئيس بشار الاسد، تحولت نزاعا عنفيا ادى الى مقتل اكثر من 37 ألف شخص، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان. وفي أحد الصفوف يقدم استاذ اللغة الانكليزية لنحو 60 تلميذا قواعد الاعراب. من بين هؤلاء، ليلى مدالي (11 عاما) التي اختار والداها الانتقال الى حي ركن الدين في شمال العاصمة السورية والذي تقطن فيه عائلات من الطبقة المتوسطة، بعد نزوحهما من مدينة حرستا في ريف دمشق حيث تدور اشتباكات عنيفة منذ اشهر عدة. تقول ليلى "اتابع دروسا في عزف البيانو لانسى صوت المدفعية المخيف الذي يصيبني بخوف شديد. الوضع افضل بكثير هنا". والى البيانو، تقدم المدرسة دروسا موسيقية في العود والكمان، بينما اختار تلامذة آخرون تعلم الاهتمام بالحدائق. وتعرضت اكثر من ألفين مدرسة من نحو 22 ألفا في سوريا، للضرر او التدمير الكامل، بينما تستخدم نحو 800 منها كملجأ للعائلات النازحة، بحسب منظمة الاممالمتحدة للطفولة (يونيسيف). وعرفت السنة الدراسية التي بدأت رسميا في 16 ايلول/سبتمبر الماضي، العديد من ايام التعطيل، رغم تأكيد وسائل الاعلام الرسمية السورية ان بداية العام شملت اكثر من خمسة ملايين تلميذ. وفي المدن التي يسيطر عليها المقاتلون المعارضون، والتي تخضع للحصار والقصف منذ اشهر عدة، تقام صفوف مدرسية صيغرة "للحؤول دون اضطرار التلامذة الى السير مسافات بعيدة"، بحسب ما يؤكد ناشط في القصير بمحافظة حمص (وسط)، عرف عن نفسه باسم "حسين". وتشير عزة ناصر، المعالجة النفسية في مدرسة ست الشام، الى حصول عدد من حالات العنف بين التلامذة. وتقول "يهزأ اولاد دمشقيون من بعض المتحدرين من حمص بسبب لكنتهم، فيرد عليهم هؤلاء بالايدي. يجب جمعهم لخفض التوتر". لكن الواقع هو ان الاهالي هم اكثر المصدومين من الاوضاع الراهنة، بحسب ناصر التي تقول "يتصل البعض منهم بي يوميا لمعرفة ما اذا كان الحي هادئا". تضيف "يطلبون مني تعهدا بابلاغهم في حال حصول حادث ما. هم اكثر قلقا من اولادهم".