غض البصر يفرغ الفكر للتفكير المفيد وتحقيق الغايات السامية ويكسب النفس الحزم والعزم والقيم الفاضلة يتساءل كثيرون عن أسباب غض البصر في الإسلام, ولماذا حذر الشرع الإسلامي من إطالة النظر إلى المحرمات من الرجال والنساء, ولماذا الكبت والحرمان من متعة النظر إلى الأجساد العارية ومثيرات الشهوة, وماذا لو استمتع المرء بالمواقع الإباحية في النت أو شاهد مناظر وأفلام جنسية? ماذا عليه? هذه الأسئلة وغيرها أجابت عليها تقارير علمية حديثة وأكدتها الأجهزة الإلكترونية والطبية المتطورة... نوجز كل ذلك في النقاط التالية: 1 - تقول الدكتورة ماري آن - مدير برامج الصحة النفسية والجنسية في جامعة بنسلفانيا, إن مشاهدة المناظر الجنسية المثيرة تضر بالفرد والأسرة والمجتمع, ويزداد هذا الضرر بازدياد مرات المشاهدة, وهذا الضرر يشمل المعتقدات الدينية والسلوكيات الأخلاقية والقيم والعادات... ففي المعتقدات الدينية تؤدي مشاهدة المناظر الجنسية والمواقع الإباحية في النت أو الأفلام وغيرها, إلى تغيير القيم وإفساد العقيدة, لماذا? لأن هذه المفاهيم الخطأ مثل إباحة الجنس وحرية إطلاقه بلا قيود, تؤثر على قدسية الحياة الزوجية, فلا يكون هناك احترام ولا التزام بالحقوق والواجبات الشرعية, وتنعدم روابط التواصل والمودة والتراحم, وتشيع الفوضى التي تؤدي إلى التفكك الأسري ويمتد كل ذلك إلى المجتمع بأسره فينهار. 2 - كما أن إفساد العقيدة بتلك المفاهيم الخطأ تؤدي إلى ممارسة الجنس مع الجميع حتى مع الأطفال والحيوانات, وتؤدي كذلك إلى العنف الجنسي والاغتصاب والجرائم الجنسية المختلفة... وكل ذلك واقع ومعروض في الأفلام والنت والفضائيات وغيرها... نشاهدها ليل نهار. 3 - وتضيف تقارير علمية وطبية حديثة بأن تكرار النظر للمشاهد الجنسية المثيرة تؤدي إلى الإدمان عليها, بل وإلى البحث عن المزيد والسعي وراء مناظر أكثر إثارة وعنفاً وشذوذاً, وقد أثبتت الأجهزة الطبية المتطورة بأن التفاعلات التي تحدث في المخ أثناء مشاهدة هذه المناظر هي نفس التفاعلات الضارة التي تُحدثها المؤثرات العقلية من كوكايين وحبوب هلوسة مع المدمنين, حيث زيادة ضربات القلب وسرعة التنفس, ونشاط العقد العصبية القاعدية والمهاد, وزيادة ضغط الدم في المخ. 4 - تشير تقارير علمية أخرى بأنه لا توجد أي أبحاث أو بيانات أو تجارب تفيد بأن هناك فوائد من مشاهدة المناظر الجنسية أو إطالة النظر إلى المحرمات من الرجال أو النساء... بل العكس كل ذلك يؤدي إلى أضرار صحية وعقلية كما يؤدي إلى عواقب وخيمة منها ضعف القدرة الجنسية وسرعة القذف وعدم ممارسة العلاقة الجنسية بشكلها الطبيعي. 5 - ثبت أن زيادة الهرمونات الجنسية الناشئة عن إطلاق النظر إلى المثيرات الجنسية يؤدي إلى استثارة الجهاز العصبي بشدة يصحبه زيادة ضربات القلب ويؤدي لإجهاده. 6 - تفيد تقارير علمية أخرى بأن إدمان النظر إلى المشاهد الجنسية تؤدي إلى إدمان العادة السرية وإهدار طاقة الجسم الحيوية وقد تؤدي هذه العادة المفرطة إلى أضرار صحية وعقلية.. كما أن التعرض للمثيرات الجنسية والإدمان عليها تؤدي إلى انتشار الشذوذ الجنسي وتسبب آثاراً ضارة على خلايا المخ الخاصة بالذاكرة والتركيز وفي تجميع واسترجاع المعلومات. 7 - فقدان السيطرة على النفس نتيجة الانفعالات الشديدة والنشاط الزائد لمراكز المخ المتحكمة في الاستثارة الجنسية فضلاً عن زوال التأثير المثبط لمركز المخ في المنطقة الصدغية مما يجعل السلوك الإنساني خارج دائرة التحكم. 8 - ثبت في دراسة إحصائية في الولاياتالمتحدة الأميركية ان نحو 750000 حالة حمل لدى الفتيات صغار السن وكذلك أربعة ملايين حالة إصابة بالأمراض الجنسية وأن هناك حالة اغتصاب كل 6 دقائق نتيجة الاندفاع في ممارسة الجنس بعد رؤية المشاهد الجنسية المثيرة في التلفزيون وأجهزة الإعلام الأخرى. الجانب الديني قول الله عز وجل: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون) - سورة »النور 30«. غض البصر معناه خفضه وعدم رفعه من الأرض والمقصود اجتناب التلذذ برؤية الأجنبيات وزينتهن الذي هو مبعث الفتنة للرجال وكذلك الطموح بالبصر إلى الأجانب من الرجال الذي هو مصدر فتنة للنساء.. كذلك عدم رؤية المشاهد الجنسية المثيرة. وهذا الحكم موجه إلى كل الرجال والنساء فلا دليل على اقتصاره على أحد الفريقين من دون الآخر, ودليل هذا ما أخرجه الترمذي في سننه عن أم سلمة رضي الله عنها أنها كانت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وميمونة قالت: (فبينما نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه وذلك بعد ما أمرنا بالحجاب فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: احتجبا منه فقلت يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا, فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: أفعمياوان أنتما? ألستما تبصرانه) - أخرجه الترمذي. وعن النظرة الحرام وأن العين تزني, يفيدنا في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العين النظر وزنا اللسان النطق وزنا الأذنين الاستماع وزنا اليدين البطش وزنا الرجلين الخطى والنفس تمن وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه (رواه البخاري). لماذا غض البصر? - ثبت علمياً ان البصر يلعب دوراً مهماً في الإثارة الجنسية. - مراحل الإثارة الجنسية تستلزم دوام النظر إلى المنظر المثير. - التغيرات الهرمونية المصاحبة للإثارة عن طريق النظر تحدث تغيرات نفسية وبدنية واسعة المدى وتؤدي إلى شحن الجسم بطاقة كبيرة إذا لم يتم تفريغها تؤدي إلى أضرار محققة. - وجود هذه الطاقة الكبيرة والإثارة المستمرة يؤدي في حالة عدم التمكن من إكمال الفعل الجنسي والوقوع في جرائم الزنا والاغتصاب والسلوك العدواني. ونظر لأن الشم واللمس يلعبان دوراً في تعزيز البصر كمثير جنسي أساسي لذا نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن تخرج المرأة متعطرة يشم الناس ريحها كما نهى عن مصافحة النساء, وثبت علمياً ان اللمس يلعب دوراً مهماً في إثارة الرجل والمرأة جنسياً. فوائد غض البصر ذكر الإمام ابن تيمية - رحمه الله - فوائد كثيرة تعود على الذين يغضون أبصارهم عن الحرام... منها: 1 - إن في غض البصر طاعة الله ورسوله وهي الغاية التي تجلب السعادة في الدنيا والآخرة. 2 - غض البصر يورث القلب أنسا بالله وجميعة على الله, فإن إطلاق البصر يفرق القلب ويشتته, ويبعده من الله, وليس على العبد شيء أضر من إطلاق البصر فإنه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه. 3 - غض البصر يكسب القلب نوراً وسكينة ووقاراً. 4 - غض البصر يسد على الشيطان مداخله, فالشيطان يدخل مع النظرة الحرام وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفاذ الهواء, ثم يوقد نار الشهوة ويلقي عليه حطب المعاصي وارتكاب الجرائم. 5 - غض البصر يفرّغ القلب للتفكير في المفيد وصالح الأعمال والاشتغال بالإنجاز والبناء والنماء وكل خير. ونحن من جانبنا ننصح ونقول لا تستهينوا بالنظرة, فالنظرة عواقبها وخيمة ونتائجها سيئة. فمثلاً إذا كانت الحرائق الكبيرة المدمرة من مستصغر الشرر, كذلك الفواحش والمفاسد وكل سوء وضرر وخراب كلها تبدأ من نظرة, نعم النظرة سهم من سهام إبليس كما بين ذلك سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكما بين كذلك في حديث ما معناه, من قاوم نفسه وغض بصره أبدله الله إيماناً ونوراً ويقيناً يجد حلاوته في قلبه, وكان جزاء تقواه حياة سعيدة ونجاحاً موفقاً, وهذا ما جربه كثيرون.