الزميل عبدالعزيز ناصر العتيبي كتب في «الحياة» اللندنية مقالاً قيماً يدعو للتفكير بعنوان «ماذا لو دخل غيفارا لجنة المناصحة السعودية؟» العتيبي كتب في مقاله انه بعد نجاح الثورة الكوبية بقيادة فيدل كاسترو على النظام الحاكم عام 1959، عين كاسترو رفيق كفاحه ارنستو تشي غيفارا سفيراً لكوبا في الاممالمتحدة، ثم زعيماً للميليشيات الوطنية، ثم رئيساً للبنك المركزي، ثم مسؤولاً عن التخطيط، واخيراً وزيراً للصناعة، فلم تعجب هذه المناصب غيفارا، الذي شب على الثورة وتصفيق الاعجاب، لانه يعتقد انه خلق لذلك، بالاضافة الى عدم امتلاكه اي خبرة قيادية ادارية خلاقة. تخلى غيفارا عن كل تلك المناصب اللامعة والوظائف الرفيعة وتخلى عن رتبته العسكرية وجنسيته الكوبية، وغادر كوبا الى الكونغو في افريقيا! لينضم الى قائد الثورة التحريرية هناك باتريس لومومبا، الذي اغتيل فيما بعد. غيفارا كان يبحث عن مجد بطولي جديد ونمط معيشي اعتاد عليه، ولكنه مني بنكسات عديدة جعلته يغادر الكونغو الى بوليفيا في اميركا الجنوبية بمجرد ان عرف ان ثورة جديدة اشتعلت فيها لينضم الى ثوار العصابات في غابات بوليفيا، ليلقى ذلك البطل الاسطوري حتفه على يد ضابط صف بوليفي صغير، بعد وقوعه في اسر القوات الحكومية. مات غيفارا ليصبح شكلاً وسيرة ورمزاً لمن يستعذبون البقاء في الظلم او في واقع لا يقرونه. * * * عبدالعزيز العتيبي من ثم يعرج على الجهاديين العرب العائدين من افغانستان والعائدين الى بلدانهم ولم يستطيعوا التأقلم والاندماج في المجتمع مرة اخرى، وعانوا بادئ ذي بدء البطالة، واتعبهم الشعور بهامشية الوجود ليتواصلوا من جديد، وقرروا تشكيل تنظيم «بطولي» جديد ليعيدهم إلى الضوء والبريق اللذين أصبحا بمنزلة الهواء لهم. واضيف هنا ان هؤلاء الشباب اندفعوا في كل حراك جهادي، رأيناهم في العراق يفجرون بالابرياء والمدنيين، لان الغازي الاميركي جندي مدجج محصن لا يستطيعون مواجهته ففروا من امامه مثلما فروا في افغانستان، ووجهوا جهادهم لرواد الاسواق الشعبية والمساجد والحسينيات ومجالس العزاء، ليجتمعوا مع «حور عينهم» فيما بعد. ثم رأيناهم أخيراً كالفراش الذي يجتذبه ضوء النار يتوافدون فيما يسمى جبهة النصرة في سوريا، فيحيلوا ثورة شعبها ضد الطغيان والفساد الى حرب طائفية بغيضة، كما هي وجوههم وسحناتهم وافعالهم المشينة التي ارتكبوها ويرتكبونها ضد المدنيين العزل. * * * ليأذن لي القارئ الكريم بتشبيهي أغلب ابطال حراك الاغلبية المبطلة بالامثلة التي سقتها من تشي غيفارا الى مجاهدي جبهة النصرة، فأغلبيتنا المبطلة بعد ان افلت عنهم الاضواء نتيجة عزوفهم عن الانخراط في الانتخابات، اصبحوا يمارسون بطولاتهم في الشوارع تحت الاضواء لانهم لا يستطيعون العيش من دون اضواء، فقدرهم ان يلعبوا دور «البطل» في المجلس، ورأيناهم حتى وهم في المجلس يتفننون في اختراع المعارك والصراعات. ولما هدأت الامور واستتبت لغيرهم لم يتحملوا ذلك، وبدل ان يضعوا لنفسهم خط رجعة، وذلك بقولهم بالخضوع والخنوع لحكم المحكمة الدستورية المقبل، رأينا جزءاً كبيراً منهم يعلن المقاطعة لاي انتخابات لا تكون من خلال نظام الاصوات الاربعة، لان حظهم في غير ذلك النظام يقارب الصفر، فهم يريدون، كما فعل غيفارا والمجاهدون العرب، اما ان يظلوا أبطالاً وإما ان يتحولوا الى مرضى نفسيين، وننصحهم بالخيار الأخير..! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. علي أحمد البغلي [email protected]