لا أحد لديه إحصائيات كامله حول العوائد الهائلة التي حققتها مراكز القوى السياسيه ، البيروقراطية والقبليه وكذلك مراكز القوى الماليه في الشمال طيلة عقدين من الزمن تقريباً . ففي قطاع البترول وحده يمكن وبشكل عام معرفة النسب المحموله من حصص الشركات الاجنبيه التي تعود الى جيوب تلك القوى سنوياً وبانتظام وبشكل علني وذلك من خلال الاتفاقات المعقوده بين الشركات الاجنبيه ووكلائها من مراكز القوى تلك والتي حصلت على تسهيلات حصريه لتسويق بعض قطاعات البترول لشركات عالميه مقابل حصص محموله واحتكار الخدمات لها وذلك بحكم نفوذها ومواقعها .. ويمكن ايضاً تقدير أرباح الشركات الخدميه الشماليه التي تمتلكها تلك القوى وغيرها ، والتي تقوم في العاده بتنفيذ مختلف مشاريع الشركات البتروليه وتقدم لها الخدمات والوكالات وتاجيرات المواقع والمكاتب على مدى عشرين عام .. لكن وبالرغم من عدم إمكانية إحصاء دقيق لتلك العوائد جميعها حالياً فانه من المعتقد أنها تقدر بعشرات المليارات من الدولارات وقد نمت بشكل كبير رساميل شماليه متعدده على تلك الأرباح الهائلة في دولة مملوكه لعائلات وشيوخ ونافذين . ومن اجل إدراك ذلك فان تلك الأرباح والعوائد فقط كان يمكن لها ان تحدث تنمية شامله للجنوب ناهيك عن عوائد النفط الرسميه والضرائب والاتاوات السنويه التي تذهب لخزينة الدوله في صنعاء على ذلك المدى الزمني . وبالطبع ليس قطاع البترول وحده فهناك قطاع العقارات الذي تم العبث به بشكل يبعث على الألم المستدام ويقيس بشكل تراجيدي التضحيات الجسيمه التي قدمها الجنوب من اجل تلك الوحدة البائسه التي هرولت القيادات لها دون حسبان. وقطاع العقارات تم العبث به منذ إعلان الوحده وكبرت المأساه بعد حرب 94 عندما تم الاستيلاء الكامل على هذا القطاع الاقتصادي الهام الذي تقوم عليه عادةً اقتصاديات حديثه كاقتصاد دبي وهو خير مثال لذلك ، وظل توزيع المساحات الهائلة والمؤسسات والمباني لأفراد نافذين في سلطة الاستعمار الداخلي مصدر افقار للجنوب وإثراء موحش وغير محدود لمراكز قوى شماليه عملت وتعمل على ترسيخ الهيمنة الشماليه على ارض الجنوب . وفي جانب آخر تم خصخصة ونهب القطاع الاقتصادي العام لدولة الجنوب وبيعه بأثمان زهيدة لتلك القوى ايضاً ، وتم فتح الأرض أمامهم لبناء مشاريعهم الاستهلاكية والخدميه في مجالات شتّى ، التي يجنون منها عوائداً كبيره برغم من شحَّة القوه الشرائية لدى الجنوبيين بسبب افقارهم منذ حرب 94 . وليست الثروه السمكيه بعيدة عن هذا الامر حيث تتم عملية استغلالها من قبل شركات داخلية وخارجيه في صفقات فساد كبيره . . إن مراكز القوى السياسيه والقبليه في الشمال حين تتحدث عن الوحده فإنما تتحدث بدافع حرصها على مصالحها الكبيره فالجنوب اصبح أهم مصالحها الحيويه والتي يمكن ان تحميها بقوتها وليس للوحده التي يدّعونها ويتباكون عليها أي شان يذكر في نهجهم وعقلياتهم الفيديه .. لا حميد الاحمر ولا صادق او عائلة صالح او علي محسن الاحمر ولا احد غيرهم من النافذين في قيادات الاحزاب الشماليه ومشائخ القبائل وكبار الساسه التقليديين ورموز الاسلام السياسي وحتى البيوت الماليه هناك .. يملكون أي ذرة إنتماء لما يسموه بالشعب اليمني بل هم وبقوامهم القبلي وعقليات التملك والتسلط لا يفهمون غير الفيد والهيمنه العسكريه والاستحواذ العفن وكأن الجنوب قطعة ثمينة نادره يتهالكون على إقتنائها دون الحساب بان هناك شعب مقهور ودولة مستباحه لم تكن في اي عصر من العصور تابعه لصنعاء وبالهمجيه التي تدار بها هذه التبعيه التي تم تزييفها ومحاولة تأصيلها . وبالعوده الى الموضوع وحين ننظر للقطاعات الخدميه كالكهرباء مثلاً والتي تعتبر قطاع عام فان الأرباح التي تحققها مؤسسات أولئك الطغاه في صفقات المشتروات التقنيه وغيرها الباهضة الكلفه ، لا يمكن احصاءها ومراقبتها فقد ظل قطاع الكهرباء حبيس تلك الصفقات على حساب تطوير واستقرار هذا القطاع الحيوي ، وهكذا وجدنا عدن بعد خمسين عام من استقلال الجنوب مرت بأسوأ صيف عام 2012 منذ ولادتها وتنتظر ربما ما هو أسوأ منه الصيف القادم إذا لم يتم تحريرها قبل ذلك . إنهم لا يكتفون بمصادرة موارد ومقدرات شعب الجنوب ولكنهم مصرون لإذلاله وبؤسه وسحقه وظلمه بأسوأ طرق العربده وجنون التسلط . أما قطاع الاتصالات الذي يعود بالمليارات سنويا فانه محصور في عائلات قليلة جداً ويحصد دون تنافس طبيعي دخول لا تقدر بثمن . كل ذلك ساعد على بروز الطبقه الرأسمالية الشماليه بشكل لم يحصل في تاريخ اي بلد من حيث تراكم مداخيلها وتعددها وتضخمها في سنوات معدوده وكذلك بروز كثير من الشركات والمؤسسات التي تدير الاسواق وحركة رأس المال وتتحكم بدفّة اقتصاد الدوله كاملاً .. بالاضافه الى تنمية طبقة ماليه متوسطه واسعة الطيف تعمل على الهامش الذي تتركه القوى الكبرى بمؤسساتها التي احتكرت قطاعات البترول والكهرباء وتنمية العقارات وقطاع البناء والتشييد والموانئ والاتصالات والخدمات العامه وكذلك الصناعات المحليه بأنواعها المختلفه .. الخ . ان كل ذلك أدى الى تنافر المصالح وتضادّها واستحالة توافقها بين الجنوب المُفْقَر المُستَغَل والشمال الذي تمثله طبقة ماليه كبيره من رموز السلطه والقبائل والنافذين وكذلك رموز ماليه مدنيه جميعهم يملكون ذات الهدف وهو إبقاء الجنوب تحت الهيمنه وبأي ثمن . وباحتساب الوظائف المنهوبه في المؤسسات العسكريه والمدنيه والهيكل البيروقراطي العام ، ونشر الفوضى داخل الجنوب وزرع بؤر الارهاب ، يجعل محاربة تلك القوى ومحاربة مصالحها في الجنوب مهمة كبرى أمام الجنوبيين بشكل رئيس وعدم السماح لمزيد من النزيف اليومي لمصالح الجنوب ومقدراته التي تذهب الى حساب اؤلئك المنتفعين لصوص الدول ولصوص الشعوب ، باعتبار ممارساتهم أكبر واعظم من ممارسات اي مستعمر في التاريخ وبشكل لا يمكن لأي شعب تحمله . إن الخطاب الإعلامي لقادة الجنوب وقيادات الحراك يجب ان يتحلّى بالمهنيه والموضوعيه لتوصيل الحقائق للمجتمع الجنوبي والخارجي لكي يتم إيصال كل ما يتعلق بأشكال النهب واللصوصيه ألمنظمه الرسميه وغير الرسميه التي تعرض لها الجنوب منذ حرب 94 ، ولا زال ، ولا يمكن للحراك الجنوبي ان يتوقف عند حد المطالبات باستعادة حقوقه بل انه معني بالعمل المنظم السلمي لمقاطعة كل ما يعود بالمصلحة لتلك القوى وفق برامج عمليه ونشاط إعلامي هادف لحماية ماتبقى من من مقدرات وحقوق الجنوب ووضع مراكز القوى تلك في قوائم سوداء يتم مقاطعة نشاطاتها ومنتجاتها وخدماتها ومحاربة مصالحها في الجنوب . ومرة أخرى يجب التأكيد على ان يتم اعتبار المصالح الاقتصاديه جزء من العمل السياسي للحراك ويجب الأخذ بعين الاعتبار ان مصلحة الجنوب تقتضي اولاً وأخيراً في الحفاظ على موارده ومقدراته وانه يقع على الجنوب واجب لان يؤهل نفسه للحظة الخلاص بشكل عملي ومدروس فدولة الجنوب بحاجه الى مصادر ماليه كبيره لتأسيسها ولمواجهة احتياجات بناء أجهزة الدوله المدنيه والعسكريه ولهذا فان الأولويات تبدأ في تضييق الدائرة على كل تلك القوى المنتفعه بموارد الجنوب وحقوقه الماديه . ألم يحن الوقت للتفكير بذلك بشكل حاسم والبدء بالأعداد لمواجهة هذا الوضع كون أهم جانب نضالي فعّال هو المبادره العمليه لقطع الطريق أمام مواصلة استغلال الجنوب وتحويله الى مجتمع فقير ومستهلك لمنتجات الرساميل الشماليه المستغِلّه والتي تتعامل مع الجنوب ارضاً وانساناً كمصدر لمصالحها الانانيه دون الاعتراف بأبسط حقوقه .. ألم يحن الوقت لذلك ؟ سؤال جدير بالاهتمام .