البَشَاشَةُ: طَلاَقَةُ الوجْهِ، واللُّطْفُ في المَسْأَلَةِ، والإِقْبَالُ على أخيكَ، والضَّحِكُ إليه، وفَرَحُ الصَّديقِ بالصَّديق (القاموس المحيط). والبشاشة بهذا المعنى تعتبر فضيلة من الفضائل الإنسانية بصفة عامة، والوظيفية بصفة خاصة، لما تحققه من التآلف بين الموظفين، والشعور بالسرور الذي يشجعهم على العطاء والعمل بجد وإخلاص. ومن الملاحظ أن الموظف البشوش يرى الدنيا حلوة نضرة، وإن قست عليه الظروف أحياناً، عكس الموظف المكتئب العبوس الذي يرى الدنيا سوداء فيُحبَط، ويُحبِط غيره من الموظفين الذين لا ذنب لهم ولا جريرة سوى أنهم وجدوا أنفسهم زملاء له! ولهذا، فإن الموظف العابس يكون في الغالب مكروهاً ممن حوله، لأن الإنسان بطبعه يُقبل على من يشعره بالبهجة والسرور، وينفر ممن يعطيه إحساساً بالكآبة أو التوتر. ولهذا فقد كان أحسن الخلق، صلى الله عليه وسلم، أكثر الناس ابتساماً، رغم مشاغله الهائلة التي تنوء بها الجبال، ذلك أن الابتسام وطلاقة الوجه لا يأتيان إلا من نفس سمحة راضية تنزل الدنيا منزلتها التي تستحق، فهي من الدنو بحيث لا تستحق أن يقطب الموظف من أجلها وجهه عند لقاء زملائه أو التعامل مع جمهور الناس. والموظف الذي لا تفارقه الابتسامة لا يفارقه النشاط ولا تغادره الحيوية، ويخترق قلوب من حوله بسلاسة ومن دون تكلف، ولهذا يقول سفيان ابن عُيينة رحمه الله «البشاشة مصيدة المودة والبرُّ شيء هين: وجه طليق وكلام لين». إن الابتسامة أخي الموظف (وأختي الموظفة) لها مفعول السحر مع الزملاء والعملاء، فهي تؤلف القلوب، وتشجع على العمل، وتزيد الإنتاج. ويبدو أن ذلك هو الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر تبسم الإنسان في وجه أخيه صدقة، إذ قال «تَبَسُّمُكَ في وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ» (رواه الترمذي، وصححه الألباني). كما اعتبر صلى الله عليه وسلم طلاقة الوجه من المعروف: «لا تحقرنَّ من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق» (صحيح مسلم). إن بعض الموظفين، لا سيما من المديرين والمشرفين، يعتقدون خطأ بأن التبسم في وجه المرؤوسين يزيد من هيبتهم ويقوي تأثيرهم عليهم، وهذا ظن خاطئ، فالهيبة تأتي بالجدية والحزم مع الابتسام وليست بتقطيب الجبين وتصعير الخد للناس، والمدير (القائد) الناجح يعتمد على كسب قلوب موظفيه، لا خسرانها! والابتسامة أخي الموظف/ أختي الموظفة، تكشف عن ثقتك بنفسك وقوتك الذاتية التي تجعلك تتحكم في أحزانك، بحيث لا تظهر على وجهك لمن لا ذنب لهم فيها، بل وإنها تمنع من شماتة الشامتين الذين من البديهي أنهم سيعجزون عن الشماتة في إنسان منشرح الصدر طلق الوجه. ابتسم أخي الموظف ترضي ربك وتنتصر على نفسك وتكسب مودة من حولك وتؤثر فيهم، وتخدم مؤسستك بإشاعة جو من البهجة فيها، والتأليف بين موظفيها، بشرط ألا تبالغ في ذلك فتخسر هيبتك، وتعطل العمل، فتضر من حيث أردت أن تنفع. د. عبدالمحسن الجارالله الخرافي [email protected]