بلير ذهب لمقابلة بوش وهو يعتقد بخطورة القذافي اكثر من صدام فخرج من عنده يدعو لغزو العراق... والصحافيون رحلوا ولا احد يهتم بليبيا الآنلندن 'القدس العربي': اظهرت الادلة التي قدمها توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق انه كان يعتقد بخطورة ليبيا اكثر من خطورة العراق، في ما يتعلق باسلحة الدمار الشامل، وان العراق كان في الحقيقة يمتلك كميات قليلة ان لم 'تكن تافهة' من الاسلحة الكيماوية، مقارنة بما كان يملكه العقيد معمر القذافي، ولكن بلير عندما زار واشنطن في نيسان (ابريل) 2002 عاد ليؤكد خطورة العراق اكثر من ليبيا، وبدأ العمل من اجل تبرير مشاركة بريطانيا في غزو العراق، منها ملف الاسلحة العراقية الذي تضمن معلومات مبالغا فيها عن خطر الرئيس العراقي صدام ونظامه. وجاءت المعلومات هذه من شهادة بلير للجنة تشيلكوت التي حققت في الظروف التي ادت الى جر بريطانيا للمشاركة في غزو العراق، وهو ما قاله بلير للجنة في شهادة مسجلة بالفيديو. وستستخدم اللجنة هذه وادلة اخرى لتوجيه نقد حاد له عندما يتم نشر التقرير المتوقع نهاية العام الحالي. وبحسب صحيفة 'اندبندنت اون صاندي' فقد توصل بلير وفهم ان ليبيا تمثل خطرا، مما يجعل من الصعوبة 'شن حملة على صدام حسين واسلحة الدمار الشامل'، وذلك في الرابع من ابريل 2002 اي قبل يوم من سفره للقاء الرئيس الامريكي جورج بوش في مزرعته في تكساس. وتم الكشف عن هذا في شهادة مغلقة لمسؤول بارز في الاستخبارات الخارجية المعروفة باسم (ام اي 6) ورمز لاسمه ب 'اس اي اي4'، ومع ان الشهادة كانت سرية الا انه تم الكشف عنها وجاء فيها ان بلير 'اعتقد ان التهديد القادم من اسلحة الدمار التي تملكها ليبيا اخطر من العراق'. وفي نفس الجلسة المغلقة قال مسؤول الاستخبارات السابق سير ريتشارد ديرلاف، ان بلير 'فهم الخطر الذي تمثله اسلحة الدمار التي يملكها النظام الليبي وعليه فانه المخاطر النابعة منها جعلته يهتم بالعراق'. وبحسب مدير ام اي - 6 السابق ديرلاف فقد اكتشفت وكالته في عام 2002 ان ليبيا لديها برنامج للاسلحة الكيماوية فاعل. وبالمقارنة مع ذلك لم يكن لدى العراق اسلحة نووية ولا اسلحة دمار شامل، وان وجدت فهي 'قليلة جدا جدا'، وبحسب شهادة ضابط في 'ام اي 6' فكل ما كان يملكه العراق كان يمكن ان يحمل في شاحنة. واعترف المسؤولون ان خطر الاسلحة الشاملة العراقية نابع من وجوده في عقول عدد من الباحثين 'الذين لم نقابلهم ابدا ولم نستطع مقابلتهم بعد ذلك'. ومع كل هذا فزيارة بلير الى مزرعة كروفورد ادت الى اعتناقه مبدأ بوش القاضي باهمية ضرب العراق، حيث كان الرئيس الامريكي مصرا على توجيه ضربة لصدام حسين، ففي ليلة الجمعة 5 ابريل 2002 اجتمع بلير وبوش معا وبدون حضور مستشاريهما، وبنهاية الاسبوع رجع بلير الى بريطانيا شخصا متغيرا ولم يعد يتحدث كما في السابق ان بريطانيا لا تتدخل في شؤون الغير، اي 'لا نقوم بتغيير انظمة'، حسب الادميرال لورد بويس، قائد القوات العسكرية البريطانية. سيمزقونه وبحسب مسؤول سابق في الاستخبارات البريطانية فالتقرير سيحتوي على هجوم شديد على بلير، حيث قال 'تشيلكوت لديه القصة كاملة وهي قصة معقدة'، بالاضافة الى هذا فهناك وثائق سرية تحدثت عن تعهد عقده الاثنان - بلير وبوش- تعهد فيه بلير بدعم الولاياتالمتحدة وحملتها على العراق. ونقلت الصحيفة عن النائب عن حزب 'بليد كومري' الوليزي الفين للويد، 'كان من الواضح ان صفقة قد تمت في نهاية ذلك الاسبوع ولكن صيغتها كانت غامضة'، لكنه اضاف انه 'لا شك لدي ان بلير في ذلك اليوم عقد عزمه على الذهاب للحرب'، فقد لعب بوش بعقله. وبحسب مسؤول في ال 'ام اي -6' فالعراق لم يكن مهما من ناحية الخطورة النابعة من اسلحة الدمار الشامل. وعليه فالاجهزة الامنية تعرضت للضغوط كي تقدم ادلة تظهر الخطورة التي يمثلها النظام العراقي بشكل تبرر الاطاحة به. ومن هنا فالمخابرات البريطانية وجدت نفسها تفتش عن الادلة، مثل مصيدة الذباب ولم تكن لديها شهية للحرب. وتظهر تصريحات وشهادات المسؤولين الامنيين للجنة انهم كانوا يعرفون نتائج الحرب الكارثية، كما انتقدوا طريقة التعامل مع الادلة الامنية، خاصة المعلومات التي قدمها رافد الجنابي المعروف ب'كيرفبيل' عن مختبرات اسلحة الدمار المتحركة المزعومة، ووصفوا عملية 'تسويق' الادلة بانها كانت 'مروعة'. ومن المتوقع بعد كل هذا ان تقوم اللجنة بفحص الاسباب التي جعلت الحكومة البريطانية ترفض التحذيرات من مسؤولين عراقيين كبار قالوا فيها ان العراق ليس بمقدوره انتاج سلاح نووي معتمدا على نفسه، وفي ظل استمرار الحصار عليه. وبعد الغزو يقول المسؤول الامني 'اس اي اس 4' انه حصل اعتراف من ان اسلحة الدمار الشامل قد خدمت هدفها 'ذهبنا الى هناك وخضنا الحرب'. وتقول الصحيفة ان التقرير سيعتبر ادانة مطلقة لبلير وطريقته في الحكم والخطط وطريقة تنفيذ القرارات بعد الغزو. ويقول الباحث توبي دودج من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، ان التقرير سيعطي نقاد بلير الفرصة 'لتمزيقه اربا اربا بسبب طريقته في الحكم وغياب الاجراءات'، فمن الواضح ان الطريقة التي استخدمت فيها الادلة الامنية وصفيت وشكلت كانت مشكلة وعبرت عن اساءة في استخدام الامن. لم يدفع خطر ليبيا جورج بوش ولا بلير لتوجيه ضربة لها، فقد عاش القذافي في الحكم لثمانية اعوام اخرى بعد غزو العراق وافق فيها على تسليم كل ملفاته في صفقة اخرجته من عزلته، ولم يتحرك الناتو للاطاحة به الا بعد ثورة شعبية ضده، حيث انهار حكمه واعدم بطريقة بشعة عام 2011. مستقبل قاتم وفي العراق وليبيا لم يؤد التدخل الخارجي لبناء دولة ديمقراطية وتحقيق الامن والامان للسكان. ففي العراق لم يتوقف صوت الانفجارات التي تحصد عشرات الارواح يوميا، ومنذ عام 2008 لم يعد العراق موضوعا مهما في الاعلام فقد غطت عليه اخبار الانتفاضات العربية والحرب الاهلية في سورية. اما ليبيا التي تحررت من حكم القذافي وعائلته، فهي تعاني من مشاكلها الخاصة، غياب الامن واستمرار سطوة الميليشيات الذي اثر على سلطة الحكومة، وفي مقال كتبه باتريك كوكبيرن في 'اندبندنت اون صاندي' 'مستقبل ليبيا يبدو قاتما والاعلام يركز اهتمامه على اماكن اخرى'. ولاحظ كوكبيرن ان الذكرى الثانية للثورة الليبية مرت بدون ان تلتفت اليها الحكومات الغربية ولا اعلامها، التي كانت قلقة على الشعب الليبي وحقوق الانسان عام 2011. ويجب الا يكون مثيرا للغرابة لان البلد وبشكل واضح يتداعى وشعبه يعيش تحت رحمة الميليشيات المسلحة. ويقدم كوكبيرن عينة لما حدث في ليبيا خلال الاسابيع الماضية، ويكرر خبر اختفاء مستشار رئيس الوزراء الليبي علي زيدان الذي يعتقد انه اختطف، والذي ربما جاء انتقاما من الحكومة التي قالت ان قادة الميليشيات يتصرفون بدون خوف من العقاب. وفي نفس يوم اختفاء المسؤول قام افراد مجموعة مسلحة بالهجوم على وزارة العدل مطالبين باستقالة وزير العدل بعد ان اتهم الجماعة بادارة سجن غير قانوني. ويقول كوكبيرن ان الاوضاع في ليبيا تتجه نحو الاسوأ لا الاحسن، حسب ما تظهره الادلة، مشيرا الى ما حدث في البرلمان الليبي واضطرار اعضائه لعقد اجتماعاتهم في مكان مؤقت، لاحتجاج الجماعات المسلحة على قانون العزل السياسي والجدل الدائر حوله. هذا يحدث في العاصمة طرابلس اما خارجها فحكم البندقية ظاهر وواضح، ولا يعرف العالم عنه الا عند حدوث قتل كبير كما حصل في بنغازي العام الماضي من مقتل السفير الامريكي، كريستوفر ستفينز. ويقول هذا هو الحادث الوحيد الذي حظي باهتمام الاعلام الغربي والامريكي تحديدا لان الحزب الجمهوري حول مقتل السفير الى قضية سياسية. ولم يهتم الاعلام مثلا بقصة قبطي مصري اسمه عزت حكيم عطا الله الذي عذب حتى الموت في بنغازي بعد احتجازه مع 48 تاجرا. منظمات حقوقية ويشير الى اهتمام منظمات حقوق الانسان بما يحدث في ليبيا اكثر من اهتمام المؤسسات الاعلامية المحترمة في البلد، ويلفت الانتباه الى تقرير منظمة 'هيومان رايتس ووتش' الشهر الماضي، الذي نشرت فيه تقريرا مفصلا عن 'التطهير العرقي' لاهل بلدة تاغاوراء حيث هجر سكانها ال40 الف وتعرضوا 'للاعتقال العشوائي، التعذيب والقتل'، وقد تم استهدافهم من مقاتلي مصراتة الذين اتهموهم بمساعدة قوات القذافي اثناء الثورة. واستخدمت المنظمة صورا فضائية لتسجيل التدمير المنهجي للمدينة الذي قالت ان معظمه تم بعد نهاية الحرب عام 2011، وسجلت الصور تدميرا لاكثر 1370 موقعا تضررت او دمرت بالكامل. ويقول فرد ابراهامز، المستشار الخاص للمنظمة ان الصور الفضائية تؤكد ان 'النهب والحرق والهدم يقصد منها منع سكان البلدة من العودة اليها'. ما اكثر الصحافيين ويقارن الكاتب غياب الاهتمام الاعلامي العالمي بليبيا اليوم والحضور البارز لها اثناء الحرب، حيث يقول انه في ربيع 2011 كان في اجدابيا الواقعة جنوب بنغازي، وكانت البلدة تشهد حربا يسميها كاذبة، ويعني بها ان عدد فرق التلفزة العالمية كانت على مدخلها اكثر من المقاتلين انفسهم. ويقول انه لم ير اثناء عمله هناك اي خطوط للتراجع يعتمد عليها المقاتلون ولا نقاط التفتيش، فقد كانوا يعتمدون على طيران الناتو، ولولا هذا لانهزموا وبشكل سريع، طبعا لا ينفي وجود وحدات قتالية منضبطة وشجاعة، وكذلك وجود صحافيين شجعان. ومن هنا فحقيقة تغيير النظام الليبي بتدخل خارجي ترك اثارا عميقة على ليبيا اليوم. فالمقاتلون الذين يؤمنون ويزعمون انهم حققوا النصر بايديهم اثبتوا انهم ضعفاء وغير قادرين على ملء الفراغ الذي تركه النظام السابق ونموذجه عن القومية العربية التي كانت كما يقول الكاتب حاجزا لظهور القبلية والنزعات الاسلامية المتشددة. عراق ثان هل القومية الليبية مهمة في ضوء التقلبات المستمرة والعقائدية للقذافي؟ صحيح ان الايديولوجية التي سوقها القذافي لشعبه فقدت مشروعيتها لانه استخدمها كوسيلة للتسلط ومنح عائلته المزايا، لكن الكوارث التي حطت على رؤوس العراقيين بعد عام 2003 الان تحدث، ولكن بطرق مختلفة في الدول العربية. فانظمة الديمقراطية المستوردة من الخارج لا قيمة لها بدون توافق بين القوى السياسية الرئيسية حول قواعد اللعبة ومن يسيطر على الحكم. ويعتقد الكاتب ان مشكلة ثورات الربيع العربي انها اعتمدت وبشكل كبير على الدعم الخارجي. وكما حدث في العراق وليبيا فالتدخل الخارجي دائما ما يكون مدفوعا بدوافع شخصية. وكما اظهر تاريخ الثورات فانها في مرحلة معينة تطلب دعما من القوى الخارجية الانتهازية. ويجب ان يكون هذا الدعم وقتيا فعلى المدى البعيد يجب على هذه القوى انهاء تبعيتها للخارج وبناء دولة نظام وقانون لان الفشل يعني خروج ديكتاتوريين ينتظرون في اجنحتهم للانقضاض على السلطة.