حلب - ماري روداني (أ.ف.ب) - يعدو عدد من الأطفال خلف الكرة، وهم يلعبون في ملعب يقع في شريط عازل، على بعد ثلاثة مبان من خط الجبهة في حلب، بعدما حرمهم النزاع الدائر مما تبقى من حياتهم الطبيعية. في باحة مدرسة دمرت جراء المعارك اليومية الدائرة في المدينة، يتقاذف هؤلاء الأطفال الكرة من دون اكتراث لقناصة قوات نظام الرئيس بشار الأسد أو المقاتلين المعارضين له. خبراء في الأسلحة وفي الأحياء الشعبية من المدينة، لم يعد مستغربا رؤية أولاد يعملون في سن صغرة. ويقول أحد قادة المقاتلين المعارضين في المدينة إن الأطفال «نسوا معنى الحياة الطبيعية، وصغار السن منهم لم يعرفوا معنى هذه الحياة اساسا». ويضيف: «مثلهم الأعلى هم المتطرفون الذين يفجرون أنفسهم»! هنا وهناك في الشوارع، يبيع أولاد صغار السجائر أو قطع الحلوى بالعسل الى مقاتلين يحملون أسلحتهم بالقرب من شاحنات صغيرة وضعت عليها رشاشات ثقيلة. وفي ظل هذه الأجواء أضحى الأطفال «خبراء» في الأسلحة، وبات في إمكانهم التمييز لدى دوي صوت انفجار، بين ما إذا كان ناجما عن قذيفة صاروخية أو هاون أو قصف بالدبابات. ويقول إبراهيم (11 عاما): «عندما نسمع هدير طائرة (حربية)، نركض الى الاسطح لنشاهدها وهي تقصف». ويعقب الوالد الفخور بما قاله ابنه: «اصبح رجلا في وقت مبكر»، في حين تتحسر والدة إبراهيم على أن «كل ما ينقصه هو العلم، لأنه لم تعد ثمة مدارس». جيل مهدد بالضياع وتشير أرقام منظمة الأممالمتحدة للطفولة (يونيسيف) الى أن مدرسة من كل خمس مدارس في سوريا تعرضت للتدمير جراء النزاع. ويثير ذكر المدارس سخرية الاطفال العاملين كباعة متجولين في حلب. ويسأل احمد (12 عاما): «اي مدرسة؟ كل مدارسنا سحقت تحت القذائف. لم نعد نرتادها منذ اكثر من عام». ويقول مقاتل، ترك زوجته وأولاده في قريته في شمال البلاد ليذهب الى الجبهة: «نحن نجاهد على الجبهة، لكن النساء يقمن بالجهاد الأكبر، لأنهن يتحملن مسؤولية تربية الأجيال المقبلة، مستقبل سوريا». وبحسب أرقام اليونيسيف، يعاني مليونا طفل من آثار الأزمة السورية، وهم مهددون بأن يصبحوا «جيلا ضائعا» في غياب المساعدة الدولية. ويعاني غالبية هؤلاء من صدمات نفسية لرؤيتهم أفرادا في عائلاتهم وهم يقتلون، أو بسبب بعدهم عن ذويهم، أو بسبب الترهيب الدائم الذي يختبرونه بسبب القصف، بحسب المنظمة. هذه كانت مدرستي وإضافة الى تعرضهم بشكل دائم لخطر القصف والحرب الدائرة، لا يجد هؤلاء الأطفال في غالبية الأحيان سوى السرقة أو العمل سبيلا لتوفير المتطلبات المعيشية لعائلاتهم. في ورشة لتصليح السيارات في حي المسلخ الشعبي، يتكىء يحيى (9 أعوام) على غطاء محرك سيارة، متأملا المبنى المقابل. ويقول: «هذه كانت مدرستي، وهي مقفلة منذ عام. منذ ذلك الحين، أعمل في تصليح السيارات». ويضيف: «كان والدي على الجبهة يقاتل جنود الأسد. نحن 11 طفلا في المنزل، وغالبية أشقائي يعملون لتوفير الغذاء للعائلة». ويعمل يحيى طوال اليوم في هذه الورشة مقابل 200 ليرة سورية (دولاران أميركيان) أسبوعيا، قبل أن يعود الى منزله ليلا لينام مباشرة، «عندما أعود الى المنزل، لا يكون لدي الوقت أو القدرة على اللعب». العديد من الأطفال ليسوا محظوظين بقدر يحيى ليعملوا في ورشة للسيارات. فمع طلوع الفجر، يمضي العشرات منهم الى أطنان النفايات المكدسة، بحثا عما يسدون به رمقهم أو يمكنهم بيعه لقاء بضع ليرات.