في عام 2012 نشر جهاز الإحصاء نتائج دراسته الميدانية حول القوى العاملة في قطر, وكان من أبرز ما نشر الإشارة إلى انخفاض نسبة البطالة في قطر إلى %3.1 مقارنة ب%3.9 في العام السابق لإجراء الدراسة، هذا الرقم يعني أنه أثناء الدراسة كان هناك 2600 عاطل من أصل أكثر من 83 ألف قطري مؤهلين للعمل أو حسب المصطلحات المستخدمة في المجال كانوا نشطين اقتصادياً. جهاز الإحصاء استخدم التعريف الأكثر شيوعاً للبطالة, وهو تعريف منظمة العمل الدولية والذي يعرف العاطل على أنه شخص ليس لديه عمل حالياً ويرغب في الحصول على وظيفة, وقام فعلياً بالبحث عن وظائف خلال الأسابيع الأربعة الماضية, ومستعد لبدء وظيفة جديدة خلال أسبوعين. ولكن وكما هو واضح من الرقم المعلن في التقرير الذي نشره جهاز الإحصاء فالرقم المذكور لا يشمل الفئة الأهم من العاطلين في قطر، أولئك المحالون على البند المركزي أو المتقاعدون مبكراً. مشكلة هؤلاء أنهم لا تنطبق عليهم التعاريف الدولية للبطالة, فهم يستلمون رواتبهم في نهاية كل شهر ويقيدون على أنهم موظفون حكوميون أو متقاعدون من وظيفة حكومية, وبالتالي لا تعتبرهم الأرقام الرسمية في عداد العاطلين. بطبيعة الحال هؤلاء الذين تمت أرشفتهم وظيفياً من الشباب ومن هم دون سن التقاعد الحقيقي هم أفضل حالاً من أن ينعتوا بالعاطلين, ولكن المشكلة ليست مادية هنا, ففي مجتمع يعاني من قلة عدد المواطنين في مواجهة تنمية متسارعة كيف يمكن تبرير تواجد كل أولئك خارج إطار القوى العاملة؟ أعداد كبيرة من الذين لم تتجاوز أعمارهم الخمسين, ونسبة ليست باليسيرة منهم هم من الشباب الأصغر سناً, يقفون خارج الصف وينظرون إلى بقية المجتمع يتحرك. مع ختام المعرض المهني والذي يفترض به أن يكون الفرصة الأكبر للباحث عن العمل في قطر للانتقال إلى خانة النشطين اقتصادياً يحق لتلك الفئة المهمشة مؤسسياً أن تتساءل ماذا عنا، الجهات العارضة في المعرض المهني تبحث عن صغار السن وحديثي التخرج لتوظيفهم, ويتم تجاهل طلبات المعلقين الذين لا يستطيعون أن يحصلوا على وظيفة لأنهم أكبر سناً من المطلوب ولا يناسبهم البقاء في المنزل لأنهم أصغر من سن التقاعد. يشتكي الكثير من مسؤولي الشركات والمؤسسات الحكومية من أنهم لا يستطيعون استيعاب من ليست لديه خبرة في بعض المناصب, لذلك يحجب عن المعرض المهني, وفي الوقت ذاته يرد أصحاب الخبرات باعتبارهم كباراً في السن, ولكن كيف ترضى مؤسسات الدولة أن يظل قطاع كبير من القادرين على العمل من دون وظيفة ولسنوات, رغم الشح في الموارد البشرية من المواطنين. حل هذه المشكلة يبدأ بإجراء دراسة صريحة عن البطالة في قطر تأخذ في الحسبان كل الذين يستطيعون العمل ولا يمارسون عملاً, بما في ذلك المحالون للبند المركزي, والمتقاعدون مبكراً, وحتى المتقاعدون إجبارياً من أولئك الذين لديهم القدرة على العمل، ولا بد من التعرف على حجم المشكلة بشكل علمي ودقيق. الحديث عن أن الأرقام تشير إلى قلة عدد العاطلين والفرح بذلك دون الالتفات للمشكلة الحقيقية والتعرف عليها هو مجرد دس للرؤوس في التراب, في ظل تفاقم أعداد الذين يتم التخلص منهم من الموظفين في المؤسسات المختلفة بطريقة تشبه ضغط زر الحذف على لوحة مفاتيح الكمبيوتر، كلما أراد مسؤول أن يحيط نفسه بمجموعة من الأجانب لجأ إلى سلاحي البند المركزي والتقاعد المبكر للتخلص من عبء القطريين لديه. ثم هناك مسألة أخرى وهي ما الأسباب وراء وجود 2600 عاطل في قطر؟ لماذا لم يجد هذا العدد وظائف رغم الإعلانات اليومية في الجرائد عن وظائف متوفرة في المعرض المهني؟ وكون أن النسبة لم تنخفض إلا بأقل من %1 خلال عام يعني أن هناك نسبة ليست بسيطة من العاطلين أمضوا عاماً دون الحصول على وظيفة. فلماذا لم تتوفر وظائف لأولئك في حين أننا نشاهد يومياً أفواجاً من الأجانب الذين يستقدمون لوظائف مكتبية لا تحتاج إلى خبرة! فأين تكمن المشكلة إذاً؟ شماعة أن القطريين غير جادين في العمل, وأنهم ليسوا عاطلين وإنما هم يبحثون عن وظيفة تناسب أمزجتهم ليست مناسبة في ظل وجود مؤشرات علمية ومقاييس عملية. لماذا لم يهتم أحد بدراسة المبعدين عن العمل والعاطلين بشكل جاد وتقديم الفرص لهم؟ لماذا يتميز القطريون عندما يجدون الدعم والرعاية المناسبة, لماذا لا نعتبر الأجانب الذي تم استقدامهم بمبالغ خيالية وكانوا عديمي الفائدة هم مقياس الأجنبي, بينما نعتبر حالة واحدة لموظف قطري متكاسل نموذجاً للقطريين جميعاً. وجود نسبة للبطالة في قطر أمر غريب في ظل التطور المادي الحاصل, والنمو المؤسسي الضخم, والأعداد الهائلة من الأجانب التي تصل إلى البلد يومياً. إحدى المؤسسات نشرت في إعلاناتها المرافقة للمعرض المهني دعوة إلى «المتقاعدين» من القطريين للتقديم, ولكن الشرط الأول في هذا المتقاعد هو أن يكون دون «الأربعين!». نعم إنه المتقاعد الذي أقعد رغماً عن أنفه.