لم تقف المهندسة اللبنانية رنا شميطلي، أستاذة الميكانيكا في جامعة بيروتالأمريكية، مكتوفة الأيدي، وهي ترى صغارها يقضون معظم أوقاتهم أمام التلفاز، وشبكات التواصل الاجتماعي، وألعاب الفيديو، وطلابها في الفرقة من كلية الهندسة غير قادرين على التماهي مع دروسهم، إذعاناً لرغبة الأهل لا لميولهم وقدراتهم الشخصية . هذا الأمر دفعها إلى تدشين أكاديمية "المهندس الصغير" في لبنان عام 2009 بهدف تعليم الأطفال مبادئ الرياضيات، والفيزياء، والطاقة المتجددة، وأصول تصميم الأذرع الآلية والروبوت ليكونوا مبدعين، وقادرين على دخول الكليات العلمية في المستقبل . نالت تجربتها العديد من الجوائز، وكونت شراكات مع العديد من الشركات العملاقة والمنظمات الدولية، التي وجدت في فكرتها تعبيراً عن المكانة الصحيحة التي يفترض أن يكون فيها جيل المستقبل . عن تجربتها، ومستقبل خريجي أكاديميتها، كان مع شميطلي هذا الحوار في دبي على هامش ملتقى "بولد توكس 2013" . ما مشروع "المهندس الصغير"؟ ومتى بدأت فكرته؟ - فكرت في المشروع للتغلب على مشكلة تواجهني وتواجه كل أم عربية يقضي أبناؤها معظم أوقاتهم أمام التلفاز، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، والألعاب الإلكترونية رافضين الخروج، واللعب، أو حتى التعرف إلى الآخرين، مفتقدين مظاهر الطفولة الجميلة، والمهارات التي كنا نكتسبها ونحن صغار نصنع ألعابنا، ونسافر إلى المعسكرات، ونضع الحلول لمشاكلنا البسيطة بأنفسنا . وكوني مهندسة متخصصة في الميكانيكا، فكرت في مشروع يشد انتباه الصغار ويخرجهم من حالة العزلة الإلكترونية، فكان مشروع "المهندس الصغير" الذي بدأته في لبنان عام ،2009 ولاقى إقبال الكثير من الأسر التي تعاني مشكلتي، إلى أن تطور ليصبح أكاديمية معروفة، تؤسس لجيل المستقبل المحمل بمبادئ العلوم الحديثة . ما المهارات التي تعلمونها للصغار؟ - مهارات عدة، تبدأ بالتعرف إلى مصادر الطاقة المتجددة الشمسية، والمائية، إضافة إلى مراحل صناعة، وتركيب، وبرمجة الأذرع الآلية والروبوتات . ونتدرج في المعرفة بحسب أعمار المنتسبين للنادي الصغير، لكن المحصلة هي أننا نعلم الأطفال العلوم الفيزيائية، والرياضية بشكل مبسط، وفي إطار من المتعة والمرح . ويمكننا التواصل المباشر مع الصغار من التعرف إلى مدى قابلية، واستعداد الأطفال لدراسة التخصصات العلمية، وتجنب فشلهم في المستقبل في كليات الهندسة والعلوم، وهي إحدى المشكلات التي واجهتها عندما كنت أستاذة في الجامعة الأمريكيةببيروت، حيث تسبب إصرار الأهل على دخول أولادهم لكلية الهندسة في فشل الكثير من الطلاب، الذين لم يكن لهم توجهات علمية . على أي أساس تختارون الأطفال المتقدمين لكم؟ - لا نضع أي شروط لعملية الاختيار، سوى أن يتراوح عمر الطفل ما بين 4 إلى 18 عاماً، والسبب أننا لا يمكننا الحكم على قدرة الطلاب ومواهبهم إلا بعد دخول النادي، وانخراطهم في ورشه ودروسه، وذلك تجنباً لتجاهل موهوبين من الممكن أن يبدعوا بعد التعرف إلى أحد المجالات . الروبوت، مثلاً ينظر إليه بعض الأطفال على أنه معقد، وصعب التركيب والتصميم، لكنه بالنسبة لآخرين مجرد لعبة يمكن التعرف إلى أجزائها، وفكها، وتجميعها في ثوان . ومن هنا يأتي دورنا في تصنيف الطلاب، ووضعهم في صفوف مختلفة تبعاً لفروقهم الفردية وتفوقهم داخل الورش . من أين لكم بالمناهج التي تدرس داخل الأكاديمية؟ - في البداية اعتمدنا على تدريس بعض البرامج العلمية المتخصصة الموجودة على الإنترنت، لكن بعد التوسع وزيادة عدد المنتسبين إلى النادي، أصبحنا أكاديمية علمية لتدريس الصغار، واستقطبنا الكثير من المتخصصين في مجالات الطاقة، والهندسة، وأصبحنا نمتلك مناهجنا الخاصة، التي تشبع وتنمي المهارات الفردية للأطفال، وتمكنهم من الإبداع والابتكار داخل أوطانهم بدلاً من الهجرة إلى الخارج . على ذكرك لهجرة العقول إلى الخارج، برأيك ما السبب في ذلك؟ - الأسباب كثيرة، أهمها غياب الدعم المادي والمعنوي، وعدم وجود المناهج والمعامل التي يحتاجها الموهوبون لتطبيق أفكارهم . إضافة إلى الدور السلبي الذي قد يلعبه الأهل، وتوليدهم بعدم التفهم لقدرة أبنائهم على الابتكار، نوعاً من الإحباط يضطرون معه إلى البحث عن بيئة تدعمهم وترحب بأفكارهم . ما مصير الخريجين في هذا البرنامج؟ - لا أبالغ عندما أقول إن الطلاب الثلاثة الذين تخرجوا في أكاديمية المهندس الصغير أصبحوا طلاباً متفوقين في كليات الهندسة، وهي الرسالة التي أردنا إيصالها للأسر عبر هذا البرنامج، فهناك أطفال لديهم ميول هندسية وقدرة فائقة على الابتكار والاختراع، لكنهم لا يجدون المكان والتدريب المناسبين لإبراز مواهبهم . ومن جهة أخرى ليس كل منتسب إلى الأكاديمية ثم كلية الهندسة لديه ميول علمية قادراً على الاختراع . لذلك نقول للأهل: من البداية لا تصروا على فشل أبنائكم بدخولهم كليات الهندسة، لمجرد حصولهم على معدلات عالية في الثانوية العامة . وماذا لو فشل الطفل في أن يكون مهندساً صغيراً؟ - كثيراً ما يحدث هذا الأمر، لأن معظم الأسر التي تقرأ عن المشروع وتأتي بأبنائها، تصر على أن يتعلم الطفل أصول الهندسة، تمهيداً لأن يكون مهندساً مثل أبيه أو أخيه . لكن اهتماماته قد تكون فنية، لذلك نكون واضحين مع الأهل ونقول لهم: إن نجلكم موهوب في الغناء، أو الرسم، وليست نهاية العالم أن يختار الطفل مجالاً آخر غير الهندسة، والمهم أن ترعوا موهبته في المجال الذي يفضله . وهل وجدت تعاوناً من الأهالي في هذا الصدد؟ - للأسف معظمهم لا يقتنع، ويُصر بعضهم على رسم مستقبل أبنائهم بالطريقة التي يرونها مناسبة لاحتياجاتهم ونظرتهم للحياة، بعيداً عن ميول وقدرات الأبناء . هل شعر خريجو البرنامج بفارق كبير عند دخولهم الهندسة؟ - أتواصل بشكل دائم مع أبنائي الذين احتضنتهم في بداية البرنامج في لبنان عام ،2009 وتدربوا داخل الأكاديمية إلى أن التحقوا بكلية الهندسة، وكم أنا فخورة بكونهم متميزين في أقسام الميكانيكا، والروبوت، والطاقة المتجددة، عن بقية الطلاب، وذلك لأنهم حصلوا على المعلومة التي تدرس في الجامعة وهم في التاسعة او العاشرة من عمرهم ، واكتسبوا مهارات الفك، والتركيب، والتصميم، والبرمجة، قبل زملائهم . ومن ثم أصبحت مناهجهم الجامعية غير كافية، ويبحثون عن أشياء إضافية تشبع حاجتهم المستمرة للبحث والاطلاع .