تفنن البعض في الآونة الأخيرة في شن حملات واسعة على قطر ودورها في العالم العربي، حتى تكاد أن تشعر وأنت تسمع هذه الاتهامات وكأن قطر هي المسؤولة عن ضياع فلسطين وهي التي تسببت في هزائم العرب الكبرى ضد العدو الإسرائيلي، وهي التي أسهمت في ترسيخ التقسيم والتجزئة ووقفت ضد وطننا العربي الواحد، بل إن قطر هي التي كانت عراب اتفاقية سايكس بيكو التي مزقت وطننا الواحد. وأنت تسمع هذه الاتهامات تشعر وكأن العالم العربي كان واحة من الديمقراطية والنهضة والتقدم والوحدة العربية، حلم الملايين، وجاء الدور القطري ليحطم كل هذه الإنجازات العربية العتيدة، بل إن البعض بات يرى في قطر أنها تسعى لدور القيادة في العالم العربي العظيم المزدهر والنامي، وكأن الأمر مغنم. للأسف، اعتدنا، نحن العرب، أن نتفنن في شتم بعضنا البعض، ونتحول إلى ديناصورات ووحوش ضارية على بعضنا البعض، ودائما ما تكون وسيلتنا في ذلك الإعلام الرخيص، الذي اعتاد أن يرقص لمن يدفع أكثر. وطبعا الهجوم على قطر، بدأ منذ أن بدأت قطر بإعادة رسم مفهوم الدبلوماسية العربية، وإخراجها من مفهومها السلبي القديم المتكلس، إلى مفهوم ديناميكي جديد، قادر على التعامل مع الأحداث بطريقة ذكية. ثم جاءت الثورات العربية ووقفت قطر موقفها المشهود، لتتحول إلى هدف لكل سهام الأنظمة القمعية الديكتاتورية التي ثارت عليها شعوبها، واعتقدنا أن هذا الهجوم سينتهي مع نهاية هذه الأنظمة، ومجيء أنظمة شعبية اختارتها الشعوب الثائرة، غير أن ذيول الأنظمة الساقطة وبعض ذيول الإعلام «الرداح» أبت إلا أن تكمل مسيرة الهجوم على قطر. قيادي في ائتلاف نوري المالكي الحاكم في العراق اسمه إبراهيم الركابي، قال في تصريح له قبل أيام إن قطر وتركيا وإسرائيل تتآمر على العراق، بعض العراقيين كتبوا معلقين على هذا التصريح» وهل أبقيتم شيئا يستحق أن تتآمر عليه الدول؟». لا أعتقد أن قطر هي من أوحت لبوعزيزي تونس أن يحرق نفسه، ليهب بعده الشعب التونسي في ثورة عارمية خلعت بن علي من كرسيه، ولا أعتقد أن المال القطري كان قادرا على أن يحرك الملايين المصرية بوجه حسني مبارك ونظامه الذي أذل الإنسان قبل أن يذل الأوطان، ولا يمكن لأي مال في العالم أن يُخرج الشعب الليبي على نظام العقيد القذافي، وهو الذي خبر إجرامه. أما في سوريا فتبقى الحالة الأكثر دلالة على أن قطر تساند حق الشعوب بتقرير المصير، وأنها الأكثر قدرة على أن تكون ذات موقف موضوعي منسجم مع نبل أهدافها. لقد كانت قطر الأكثر التزاما في دعم سوريا بوجه الحصار الأميركي الذي فرض عليها عقب غزو العراق، ودعمت قطرسوريا ونظامها بكل ما تملك، والجميع يتذكر المشاريع القطرية العملاقة التي دكت أركانها في أرجاء الشام، وأن قطر كانت الأكثر مساهمة في إخراج النظام السوري من عزلته الدولية، ولكن بعد أن خرج الشعب السوري ثائرا ضد نظامه وبعد أن فشلت المحاولات في إقناع النظام السوري بضرورة الاستجابة لمطالب شعبه، قررت قطر أن تنحاز للشعب السوري. لقد وقفت قطر مع هذه الشعوب، وقفت معنا، وقفت مع تطلعاتنا، فلماذا يريد البعض أن يشوه هذا الموقف؟ لا أعتقد أن هناك عاقلا يمكن له أن يرفض أي موقف مساند لحرية الشعوب العربية حتى لو جاء من أميركا التي نتهمها بأنها منحازة ضد قضايانا وهي كذلك، فلماذا نقف ضد موقف قطر المشرف من مساندتها للشعوب؟ العالم العربي لم يكن قبل أن تساند قطر شعوبه، واحة للحرية والأمان، بل كان عبارة عن عالم متخلف استبدت به كل أمراض الشعوب، من فقر وجهل ومرض وأكثر من ذلك، إنسان مهان، لا يفكر سوى في الطريقة التي يمكن أن تؤدي به إلى غياهب الغربة بعيدا عن وطنه الذي حوله الحاكم إلى مزرعة. سأرفع قبعتي لقطر وغير قطر ممن يدعمون ربيعنا العربي وثوراته الشعبية، وسأقول لهم شكرا لأنهم وقفوا معنا في لحظة كاد يمكن أن يطوى أمر العالم العربي إلى الأبد ولا نسمع بوجوده. لا أريد من الذين يهاجمون قطر أن يكفوا عن ذلك، فهذا رأيهم، ولكن أقول لهم قليلا من الإنصاف، فقطر حققت لنفسها نهضة باتت محط إعجاب للعالم، وهي اليوم تسعى أن ترى أشقاءها العرب يسيرون على ذات النهج، لأنها تدرك أنها قوية بهم. الذين يهاجمون قطر، لا يعنيهم من أمر قطر أو أمر بلدانهم شيئا، وإنما هم مجرد أدوات تتلاعب بهم بعض الدول والقوى والتيارات التي تملأ جيوبهم أكثر كلما أمعنوا أكثر في مهاجمة قطر، وهم يدركون قبل غيرهم أن كل ما يقولونه عن قطر هي مجرد إشاعات وأوهام. رأفة بأنفسكم وتاريخكم أيها المتهجمون على قطر، لن أقول لكم كفوا عن مهاجمة قطر، ولكن أقول لكم كفوا عن تلطيخ سمعتكم بمعارك وهمية، وانظروا مصلحة أوطانكم قبل مصلحة الغير، ففيها خيركم.